تيم فوكس * شهد الأسبوع الماضي الذكرى السنوية العاشرة لواحد من أبرز أحداث الأزمة المالية العالمية حينما قام مصرف استثماري بارز بتجميد عمليات استرداد المستثمرين لنقودهم من بعض صناديقه الاستثمارية. وفيما تشهد أسواق الأسهم الأمريكية اليوم مستويات تداول قياسية وتقلبات منخفضة للغاية وتبدو علامات النمو الاقتصادي مشجعةً حول العالم، يبدو أن العالم ابتعد كثيراً عن تلك المرحلة التي تسببت فيها أزمة الائتمان الأمريكية بتبخر السيولة، والتي كشفت بدورها عن الترابط الخطر للنظام المالي العالمي. ومع أن العالم قد تعافى من تلك الأزمة، إلا أننا لا نزال نعيش بعض تداعياتها التي من شأنها - إذا ما انضمت إلى المخاطر الجديدة - أن تسبب مشاكل في الأسواق التي تعيش أفضل أيامها لناحية الأسعار. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أننا نتجه إلى تكرار أزمة 2007/ 2008، وإنما يستوجب ذلك على المستثمرين ضرورة الحذر من المخاطر التي قد تودي بالشهية الاستثمارية في الاتجاه الآخر.إن نقطة انطلاق الأزمة المالية تمحورت حول قطاع الإسكان في الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل أساسي إفراط البنوك والمؤسسات المالية في الانكشاف على مخاطر الرهن العقاري. ولحسن الحظ لم يعد من المحتمل أن يكون ذلك مصدر أي اضطراب مستقبلي لأن تقييم المساكن ليس مبالغاً فيه كما كانت عليه الحال آنذاك، كما أن القدرة على تحمل التكاليف أفضل بكثير، والبنوك أفضل حالاً لناحية التنظيم والرسملة، والمخزون السكني منخفض إلى حد ما. ومع ذلك، فإن أسباب الأزمات المستقبلية لا يرجح أن تطابق سابقاتها؛ فقد تبددت فقاعات الديون في قطاع الإسكان، ولكنها بدأت بالظهور في مجالات أخرى مثل القروض الطلابية وقروض السيارات التي يجب مراقبتها. وقد تكون فقاعات الائتمان في الخارج - ولا سيما في الصين - مصدراً لمشاكل مستقبلية، حيث يستفيد قطاع الشركات هناك بشكل كبير من القروض الائتمانية، وهو عرضة لتباطؤ حاد في النمو. ولحسن الحظ، تعمل السلطات الصينية على إعادة التوازن للاقتصاد بشكل جيد، ما يجعل حدوث انهيار مفاجئ أمراً مستبعداً. وبما أن معظم ديون الصين داخلية، فمن المرجح أن تكون المخاطر الناتجة عن تخفيض الديون على النظام الاقتصادي العالمي محدودة.ويبدو الاقتصاد العالمي حالياً في أفضل حالاته منذ مدة، ويبعث على الثقة بأن الاختلالات التي حصلت سابقاً يجري إصلاحها. وتبدو البيانات العالمية الحديثة متسقةً مع النمو المستقر إن لم نقل المتواضع. وحيثما توجد هناك مشاكل متعلقة بالنمو المنخفض للإنتاجية والاستثمار، فلا يرجح أن تكون هذه المشاكل سبباً لأزمة قصيرة الأمد، وإنما قد تؤدي إلى معدلات نمو منخفضة. ولذلك يبدو أداء الاقتصادات العالمية الكبرى مشجعاً لناحية إدراج تطبيع السياسة النقدية على جدول أعمال معظم المصارف المركزية.هنا تحديداً يتعين على صانعي السياسات والمستثمرين أن يكونوا حذرين فيما يقدمون عليه؛ ففي حين يبدو أن العديد من أسباب الأزمة المالية العالمية قد تلاشت، فإن آثارها ونتائجها لا تزال قائمة والدليل أننا لا نزال نستذكر الحدث بعد مرور عشر سنوات. ومن أهم السمات المتعلقة بالانتعاش الحالي، غياب التضخم الذي يعبر بطبيعة الحال عن انخفاض مستويات الثقة.ومع أن البطالة تراجعت في العديد من الاقتصادات المتقدمة إلى مستويات تاريخية، إلا أن ضغوط الأجور بقيت متواضعة كما بقيت قوة التسعير محدودة. ومن شأن تشديد السياسة النقدية بشكل حاد في مثل هذه البيئة - إما عبر رفع أسعار الفائدة أو خفض ميزانيات البنوك المركزية - أن يثير موجة أخرى من القلق وإن كانت مختلفة في نوعها. وقد أشار اثنان من صناديق الاستثمار البارزة الأسبوع الماضي إلى أن الوقت قد حان للتصرف بعقلانية أكبر إزاء المخاطر، وذلك من خلال الحد من الانكشاف على الأسهم الأمريكية والديون ذات العائدات المرتفعة وكذلك الانتقال للاستثمار في أصول ذات مخاطر أقل.وتضع الأسواق حالياً احتمالاً بنسبة 40% فقط لرفع أسعار الفائدة الأمريكية للمرة الثالثة بحلول نهاية العام الجاري مع رفع سعر الفائدة لمرة واحدة فقط قبل نهاية عام 2018. ويبدو هذا الاحتمال منخفضاً بالنظر إلى الأداء المتوقع للاقتصاد الأمريكي. كما أن رد الفعل السلبي إزاء التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يشير إلى مستوى مفاجئ من «المفاجأة» حيال هذا الوضع. وقد يكون هناك شعور مماثل بالرضا إزاء عدد من القضايا التي تنتظرنا بما في ذلك الحد من الديون الأمريكية، والإصلاحات الضريبية، والتحقيقات الجارية بشأن مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. صحيح أنه من غير المرجح أن تكرر الأزمة المالية نفسها، ولكن هناك العديد من المخاطر الجديدة التي تجعل عملية «التسعير المثالية» الآن محفوفة بالمخاطر.* رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين - مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»
مشاركة :