الشاشات بين فن الشعب والصعود المدوّي

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هل طال سجن الشعب لمصلحة النخبة في عالمنا العربي؟ وهل جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتكسر جدران هذا السجن وتنطلق آهات الناس العاديين وإبداعاتهم بديلاً من الفنانين المحترفين؟ القضية لها شقان ها هنا، الأول هو برامج التلفزيون القديمة والحديثة التي تتسابق على اجتذاب نجوم الغناء كضيوف أو محكمين في برامج تبحث عن نجوم جدد، أو مقدمين للبرامج. أما الشق الثاني، فهو تلك الفيديوات والكليبات التي تنطلق عبر أجهزة اللاب توب والهواتف الشخصية حاملة معها شحنات فنية جديدة، غالباً ما تكون مبهرة، لشباب لم يسمع عنهم أحد من قبل، ولكنهم قادرون على تقديم الجديد وإبهارنا بالموسيقى والحركة... والمعنى أيضاً. قبل أيام، عرضت قناة «ماسبيرو زمان» المصرية حلقة من برنامج «من الألف للياء» الذي كان يقدمه الإعلامي الراحل طارق حبيب على الشاشات المصرية حتى زمن انطلاق البث الفضائي. فتاريخ تسجيل الحلقة هو عام 1999، أما تاريخ إعادة عرضها فقد كان الثلثاء 15 آب (أغسطس) الجاري لمناسبة رحيل المطرب السعودي طلال مداح الذي يوافق 11 آب من عام 2000. وفي الحلقة حوار هادئ طاف بنا في كل محطات صعود مداح واستمراره فترة طويلة على عرش الغناء السعودي حتى بعد صعود محمد عبده والمنافسة الكبيرة بينهما. كان من الواضح أن الحديث، على رغم أسئلته البسيطة الواضحة، يدور في إطار النخبة التي تعتلي قمة سلم فن الغناء، وكيف تعلم الفنان وطور نفسه. وكانت أغاني طلال مصاحبة للحوار معبرة عن مراحله مع «العود» الذي لم يفارقه لحظة والمعلومات الغزيرة حوله مثل عدد ألبوماته والأعمال التمثيلية التي شارك بها. بعد نهاية البرنامج وفور أن انتقلت المشاهدة إلى قناة أخرى عبر «الريموت» جاءت المفاجأة مع قناة «النهار» الخاصة وبرنامجها «آخر النهار» ومقدمه هذه الليلة الإعلامي خالد صلاح وحديثه عن أهمية الفن والقوة الناعمة وعرضه شريطاً قصيراً للفنان الكبير نور الشريف لمناسبة ذكرى رحيله الثانية، وهو يتحدث إلى طلاب أكاديمية الفنون عن «الأيام الثلاثة» التي تواجهه دائماً حين كان يبدأ في تمثيل عمل جديد ويبحث عن مفاتيح الشخصية التي يقدمها للناس، بعدها فوراً عرض البرنامج ذلك الفيديو الجديد المدهش الذي حصل على مليونين من المشاهدات في يوم واحد لشقيقين شابين «يخترعان» أغنية من تأليفهما وألحانهما لشقيقتهما في ليلة زفافها. ولأن الفروق الخارجية على الأقل، ضاعت بين الهواية والاحتراف، فإن الصورة كانت شديدة التعبير عن هذا. شابان متقاربان، يرتديان بدلة بالموديل والإكسسورات نفسها وينشدان في دائرة من البشر نشيد الحرية والخلاص من شقيقة تترك المنزل لكي يكون أكثر راحة بالنسبة إليهما. ولكي تصبح العائلة أكبر حين يأتي أولادها الجدد (وماما تفرح بيهم وتشيلهم وتربيهم). وأيضاً سوف تنسى الأم في غمرة فرحتها بأحفادها الجدد «حوار» زواج الشقيقين، ولكنهما يعودان من فرحة تركها المنزل إلى تذكر فضائلها «طب مين يرتب الأوضة، ومين يمسح القزاز؟» إلى أن تنتهي الأغنية بلوعة الفراق «إزاي تمشي كده وتسيبنا... أنتي بجد حتوحشينا». وبالطبع فإن الجزء المهم في تلك الأغنية، على رغم قدرتها التعبيرية على رسم صورة لمجتمعاتنا في هذه اللحظات، يكمن في الموسيقى والقدرة على جذب التفاعل من الآخرين، أي تحويل المشاهد إلى مشارك، ليس الأم والأب فقط وإنما كل من كان موجوداً في هذا الحدث، ومن سيكون حيث تتحول هذه الأنشودة الخاصة إلى عامة، وتدخل في دائرة الفن الجديد الذي يأتي من الخلف- حيث يقبع الناس العاديون- ليقارع الفن القديم، الذي تقدمه النخبة دائماً.

مشاركة :