تونس ومأزق العيش في محيط مضطرب بالجماعات الإرهابية

  • 7/27/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تؤكد العمليات الإرهابية الأخيرة التي أدخلت منطقة جبل "شامبي" التونسية في دوامة العنف وأودت بحياة 51 جنديا تونسيا، الانخراط الإقليمي لحزب أنصار الشريعة وتعاون الفصائل الجهادية التونسية مع أخرى تابعة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. تواجه الحكومة التونسية منذ الثورة تحديات أمنية عديدة تهدد الاستقرار، بعضها مرتبط بالحركة الجهادية وآخرها عملية جبل شامبي في 16 تموز (يوليو)، نتج عنها تنسيق أمني واستخباراتي بين الجزائر وتونس مع اجتماع رئيس الحكومة مهدي جمعة ورئيس الحكومة الجزائري عبد الملك سلال. المنظمة الأهم في هذه الحركة هي أنصار الشريعة في تونس، التي تم تصنيفها كمجموعة إرهابية من قبل حكومتي تونس والولايات المتحدة بحسب دراسة أعدها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهايthe international Center for Counter terrorism the Hague وقد أكدت صحيفة "البلاد " الجزائرية أن هذه العملية نجحت بسبب تعاون حركات جهادية تونسية جزائرية وليبية. وكان للإرهابي المنشق عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مختار بلمختار دور في عملية جبل شامبي وفق التحقيقات التي قامت بها أجهزة أمنية تونسية وجزائرية. فحسب الصحيفة تسلل منفذو العملية قبل شهرين من ليبيا وتحديدا من منطقة الزنتان حيث أقام فيها بلمختار مركزا للتدريب يضم نحو خمسة آلاف مقاتل، وقد تلقى منفذو العملية تدريباتهم في هذا المعسكر. المجموعة التي قامت بالاعتداء حصلت على شحنة أسلحة مهربة من ليبيا عبر مركبتين رباعيتي الدفع. تضم هذه المعسكرات الليبية، عديدا من الجهاديين التونسيين والجزائريين والمغاربة، كما تأوي زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي أبو عياض الذي أعلن تحالفه مع بلمختار الذي يقود كتيبة "الموقعون بالدم" المنشق عن فرع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". أشارت الجريدة أيضاً إلى أن هؤلاء المقاتلين استقروا في جبل الشعانبي قبل شهرين في انتظار تنفيذ العملية والتحقوا بخلية جبل الشعانبي. ومن المهم الإشارة إلى أن أبو عياض كان جهاديا مخضرما، ربيبا للواعظ المتطرف الأبرز أبو قتادة الفلسطيني في "لندنستان" في مطلع 1990. بعد ذلك، زُعِم أنه نقل إلى أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، وكان في عام 2000 أحد مؤسسي جماعة المقاتلين التونسية هناك، بحسب دراسة المركز. تولى أبو عياض إعداد عدد من المقاتلين في ليبيا للقيام بهجوم كبير جنوب تونس وتنفيذ عدة تفجيرات في مدن تونسية، واغتيال عدد من السياسيين، ومهاجمة المؤسسات العامة، حسب الصحيفة. وأظهر التحقيق في الداخل التونسي، العلاقة بين القيادي المنشق عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مختار بلمختار والمكنى خالد أبو العباس القائد للجماعات التكفيرية المسلحة في تونس. بحسب دراسة المركز، يتواصل أعضاء أنصار الشريعة مع القاعدة منذ بدء الثورة التونسية. وتستند الاتهامات التي تشير إلى هذه العلاقة، إلى أدلة وثائقية ومكتوبة بخط اليد في "قانون الولاء" بين أبو عياض التونسي وزعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود. على الرغم من أنه لم يتم الإفراج عن الوثيقة علنا، تشير التقارير الإقليمية إلى أن أبو عياض أقسم يمين الولاء للأمير الجزائري. هذه العملية ليست الوحيدة المطبعة بالحركات الجهادية: فقد نشرت جريدة "الشروق" التونسية في الأسبوع الماضي أن قوات الأمن نجحت في الإطاحة بخمسة إرهابيين داخل بعض المناطق في العاصمة كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية. وهدف هذه العمليات بحسب الجريدة التونسية تخفيف الضغط عن ولايات القصرين حيث يوجد جبل شامبي وعن الخلايا الإرهابية المحاصرة هناك، لإعطائهم فرصة للهرب. ودائما وفق الجريدة، كان الإرهابيون يخططون لتفجير عدد من مؤسسات الدولة كخطوة أولى تمهيدا لتحضير عمليات إرهابية أكثر خطورة في المناطق السكانية، وذلك انتقاما من المؤسسة الأمنية فضلا عن نيتهم تنفيذ عدد من الاغتيالات السياسية. أدت التوقيفات إلى إغلاق نحو 20 مسجدا خارجا عن سيطرة وزارتي الداخلية والشؤون الدينية، ومن المتوقع أن تتواصل مراقبة وإغلاق الجوامع التي ثبت استخدامها من أجل التحريض ضد قوات الأمن والجيش الوطني في الخطب الدينية أو تلك التي تم فيها الاحتفال بعد وقوع العملية الإرهابية بتوزيع المشروب والطعام. مستويات العنف بين أنصار الشريعة والدولة التونسية ليست بالأمر الجديد، إلا أنها زادت بشكل ملحوظ بين شهري مايو ويوليو من عام 2013، حتى وجدت الحكومة التونسية نفسها في نهاية المطاف مضطرة لتصنيف أنصار الشريعة كمنظمة إرهابية في أواخر شهر أغسطس، بحسب دراسة المركز. منذ شهر أيار (مايو) 2011 وطوال عام 2012، دخل الجيش والشرطة في مواجهة مع الجماعات الجهادية في أكثر من مناسبة وفي مناطق مختلفة، كالروحية، حيث جرى تبادل لإطلاق النار بين الإرهابيين والقوات المسلحة وبعد ذلك في أيلول (سبتمبر) 2011، في الجنوب قرب الحدود الجزائرية، حيث دمر الجيش قافلة من تسع مركبات مسلحة. وفي منتصف أيلول (سبتمبر) 2012، عمد حشد من الأصوليين إلى نهب السفارة الأمريكية والمدرسة القريبة منها. وعزيت مسؤولية هذا الهجوم إلى التيار السلفي أنصار الشريعة: وبخاصة زعيمها أبو عياض. غير أنه لم يتم القبض على هذا الأخير الذي تمكن من الهرب إلى ليبيا في وقت لاحق. في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2012، قتل ضابط من الحرس الوطني على يد مجموعة من الجهاديين في الشمال الغربي من تونس، في الجبال بالقرب من الحدود مع الجزائر. وأظهرت التحقيقات في الهجوم الأخير الذي شنته جماعة من لواء الملثمين - أو من يطلقون على أنفسهم لواء "الموقعين بالدم" - في أوائل عام 2013 على محطة ضخ الغاز في عين آمناس في الجزائر وأدى إلى احتجاز مئات من العمال كرهائن، مشاركة 11 من الجهاديين التونسيين في الجماعة المسلحة. كما شهدت الساحة السياسية التونسية ثلاث عمليات إرهابية مع مقتل سياسيين مثل شكري بلعيد في شباط (فبراير) 2013، ومقتل محمد براهمي في أواخر تموز (يوليو) عام 2013، غير أن الأزمة اشتدت بعد قتل ثمانية عناصر من الجيش الوطني في جبل شامبي منهم بالذبح. أدت هذه الهجمات الجهادية خلال صيف عام 2013، إلى تصنيف أنصار الشريعة "منظمة إرهابية". وفي الوقت الذي من غير الممكن ربط بطريقة مباشرة هذه العمليات بأنصار الشريعة، تشير أدلة جديدة إلى أن أنصار الشريعة تملك جناحا عسكريا سريا. فقد أصبحت اتصالات أنصار الشريعة مع كتيبة عقبة بن نافع أكثر وضوحا، كما أقرت الحكومة التونسية بوجود مثل هذا الجناح السري، بحسب دراسة المركز. وينضوي في كتيبة عقبة بن نافع عناصر من الجنسيتين الجزائرية والتونسية، وهذا يؤكد الطريقة التي تعمل بها في كلا البلدين، والارتباط بين أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة. وفي داخل تونس، تنشط الجماعات المسلحة المرتبطة بالكتيبة في كل من جبل شامبي والكاف. يعزى تزايد وتيرة هذه العمليات إلى أسباب عدة وتزامنها مع تدخل الجيش الفرنسي في شمال مالي منذ يناير 2013. فقد فر عدد من الجهاديين من مالي ولجأ إلى جبال شمال غرب تونس. كما جرت الإشارة إلى وجود مخيمات التدريب منذ عام 2012 وإلى تحويل مناطق حدودية في تونس إلى "ممر" لكميات من الأسلحة العسكرية من ليبيا. و"الفوضى الخلاقة" جراء التغييرات التي أحدثها الربيع العربي، أججت الحركات الجهادية بسبب إضعاف الدول في تلك المنطقة الحساسة وتهميش بعض الفصائل السياسية والطبقات الاجتماعية الفقيرة. قصة الصراع بين أنصار الشريعة والدولة التونسية لا تزال بعيدة عن فصلها النهائي ومرتبطة بثلاثة أسئلة رئيسية بحسب دراسة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب. السؤال الأول هو: كيف ستكون مرونة أنصار الشريعة في مواجهة حملة القمع في تونس. أحد الأسباب التي أثبتت قوة تنظيم القاعدة أنه من الصعب الإطاحة به بسبب بنيته الخلوية السرية. السؤال الثاني هو: ما إذا كان تنظيم القاعدة سيرسل مقاتلين عبر الحدود إلى تونس لتعزيز قدرات أنصار الشريعة. وثالثا: هل سيكون للثقة العامة بالأجهزة الأمنية التونسية تأثير أساسي في الصراع بين أنصار الشريعة والدولة؟

مشاركة :