لنقم بعملية جرد سريعة لأحداث هذا العام التي مرّت بمنطقة الخليج، والتطورات التي مررنا بها، فالاتفاقية النووية بين القوى الكبرى وإيران، والأعمال الإرهابية التي ضربت المملكة والبحرين والكويت، وحرب اليمن، وهبوط أسعار النفط، كلها عناوين لأزمات تحيط بالمنظومة الخليجية، وفي المقابل يمكن للمشاهد رصد أعمال التنمية المزدهرة في دول المجلس، وحالة الاصطفاف الخليجية النابعة من الشعور بوحدوية المركب الذي يواجه موجاً عاتياً. لقد جاء مجلس التعاون الخليجي - المنظومة الأكثر فاعلية وتماسكاً - في عالم ومحيط إقليمي مضطرب، استجابة للحالة المزمنة التي تعيشها المنطقة التي ما فتئت تخرج من مأزق حتى تلِج في آخر؛ في مشهد يجعلنا على يقين أن استمرارية هذا التكوين السياسي وتماسكه وترابطه بشكل وثيق في وقتنا الحاضر - حيث بلغت الأزمات مبلغاً خطيراً - أمرٌ مُلح، ومطلوب أكثر من أي وقت مضى. إن نظرة صوب المجال الدولي تجعلنا نعي كيف تعيش المنظمات الإقليمية أزمة وجود، فحتى الاتحاد الأوروبي وما تمخّض عنه من عملة أوروبية وقوانين وأنظمة هي اليوم محل نظر وصياغة، بل إن الاتحاد الأوروبي يعاني اليوم أزمة تتعلق بقدرته على الصمود، فالمملكة المتحدة ستجري العام المقبل تصويتاً للاستمرار أو الانسحاب من هذه المنظومة، واليورو يتراجع على وقع ديون اليونان والبرتغال وإسبانيا مع احتمالات لعودة تلك الدول لعملاتها كحل نهائي لأزماتها، وحالة التوتر التي تطرق باب الناتو الذراع العسكرية لأوروبا المتحدة. إذاً يبدو اليوم أن مجلس التعاون مطالب بالوقوف في وجه تحديات مماثلة تستهدف سياساته وأمنه وحدوده الجغرافية والثقافية واقتصاداته بسبب انفراط عقد الأمن والسلم الدوليين، وانسحاب ذلك على الحالة الاقتصادية وأزمة القيادة الدولية التي تعيشها المنظومة العالمية التي تقبع تحت تبعات فقدان السيطرة على الأمور، لاسيما في الشرق الأوسط وتمدد تلك التبعات والأحداث لتصبح واقعاً في العالم الأول. أمام دول مجلس التعاون دور يجب أن تقوم به تجاه الداخل من خلال تعزيز الأمن واستمرار التنمية والدفع باتجاه إصلاحات مرسومة ومخططة، وفي الخارج يجدر بها التوجّه نحو تعقيد علاقاتها على نحو يجعلها أكثر قدرة على مواجهة التحديات، فالغرب والشرق في هذه اللحظة يعيدان صياغة تحالفاتهما وفق منافعهما، ولا مناص اليوم إلا تتّبع هذا الدرس والتعلّم منه، والخروج صوب آفاق المصلحة بعيداً عن حالة التعسكر في ناحية واحدة، أو النأي بالنفس، فلا صامد اليوم سوى المتضامنين والمتحدين.
مشاركة :