حاوره: إبراهيم مِطار دخلت الاحتجاجات في مدينة الحسيمة (شمال المغرب) شهرها التاسع، ولم تفلح الزيارات الميدانية التي قام بها وزراء حكومة سعد الدين العثماني في ثني السكان هناك عن الاحتجاج. مظاهرات انطلقت مباشرة بعد مقتل محسن فكري طحنا في شاحنة نفايات في الـ 28 من تشرين الأول/أكتوبر، لكن فتيلها سرعان ما تحول إلى "حراك شعبي"، اعتقل في سياقه ناشطون حقوقيون. المشاركون في الاحتجاجات ضد الحكومة، رفعوا شعارات تنادي بالتنمية في الحسيمة وبتحقيق مجموعة من المطالب الاجتماعية. وفي وقت يعتبر فيه عدد من المراقبين أن هذه الاحتجاجات رد طبيعي على مقتل فكري، يرى نشطاء في الحركة الثقافية الأمازيغية أن "تهميش" الدولة لهذه المدينة، على اعتبار أن غالبية سكانها أمازيغ، هو السبب في اندلاع تلك المواجهات. هؤلاء يرون أيضا أن الدولة المغربية ما تزال تمارس ما يصفونه بـ"التمييز ضد الأمازيغية والناطقين بها" رغم اعتراف الدستور بها لغة رسمية في البلاد منذ عام 2011. موقع "الحرة" حاور الناشط الأمازيغي أحمد أرحموش، منسق الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية في المغرب. كيف استقبلتم إعلان القصر الملكي العفو عن مجموعة من معتقلي الحراك؟ إطلاق سراحهم كان من بين المطالب التي رفعتها الحركة الحقوقية المغربية، وللأسف لم تلتحق الأحزاب السياسية بهذه المبادرة باستثناء حزب سياسي واحد. على العموم نشيد بهذا العفو، ولكن بقي الكثير من التحركات التي يجب القيام بها حتى يتم إطلاق سراح باقي المعتقلين. أعتقد أن على النيابة العامة أن تتعامل مع الأمور بما تقتضيه اللحظة والأسباب المؤدية إلى هذه الاحتجاجات، وأن تلتزم أيضا بالمقتضيات الدولية وبدستور المملكة. معتقلو الحراك، هل هم سجناء سياسيون، وما رأيك بالتهم الموجهة لهم؟ الحراك سلمي وطبيعي، وأرفض بالمناسبة وصف الناشطين فيه بـ"المعتقلين السياسيين"، لأنهم ببساطة لا يسعون إلى الحكم ولا يستعملون العنف في مظاهراتهم. على العكس تماما المغاربة قاطبة أجمعوا على وصف الحراك بـ"السلمي"، وبالتالي فإن التهم الموجهة لباقي المعتقلين يجب أن يتم إعادة النظر فيها، وإطلاق سراحهم، وهذه من مطالب الحركة الحقوقية المغربية بما فيها الحركة الأمازيغية التي كانت سببا في بروز الحراك. ما من حل لأزمة الريف من دون تحلي النيابة العامة بالشجاعة، يجب عليها إيقاف الاعتقالات وإطلاق سراح المعتقلين، كما يجب أيضا الإسراع في إنجاز المشاريع المفتوحة في المنطقة لتوفير فرص عمل. هل كان مقتل فكري سببا للحراك أم مجرد شرارة لإطلاقه؟ الحراك انطلق بناء على معطيات واقعية، فأكثر من 98 في المئة من شباب منطقة الريف عاطل، أو يعملون في وظائف بسيطة كالصيد البحري أو التهريب، ومع ذلك يتم اعتقال الكثير منهم بهذه التهم، وبالتالي لم يعد أمامهم أي حل. الاحتجاج حق لجميع المغاربة، ولكن من دون عنف، وعندما أقول من دون عنف أتحدث أيضا عن الدولة، التي عليها أن تتعامل بإيجابية مع مطالب الحراك، فمطالبهم مشروعة والجميع يتفق على ذلك. إن مركزة ثروة المغرب في المحاور الثلاثة، الرباط، الدار البيضاء، فاس، أعطت نتائج كارثية. كنا دائما نقول إن توجيه الثروة والسلطة مطلب جوهري في المغرب، ويجب تنمية جميع المناطق المهمشة، وفي حال رفضت الدولة ذلك، ستظهر حركات احتجاجية أخرى في مجمل المناطق. هناك من يقول إن تهميش الدولة للمنطقة بسبب كونها منطقة يسكنها غالبية الأمازيغ أدى إلى هذه الحراك. هل تتفقون مع هذا الطرح؟ التهميش الذي تتعرض له الأمازيغية في الريف لا يختلف عن التهميش الذي تتعرض له الأمازيغية في مجمل ربوع الوطن. إنه تهميش متعمد من طرف الحكومة، ففي أي جهة من جهات المغرب، إذا سألت عن موقع الأمازيغية في السياسات العمومية هناك، ستكتشف أن أقصى ما قدموه هو كتابة أحرفها في إشارات المرور، وهذا يتعارض مع ما تنادي به الحركة الأمازيغية التي تراه موروثا شاملا وغنيا. أعتز بكون مجموعة من الأشخاص الذين خرجوا في الريف إلى التظاهر لم ينسوا الأمازيغية، بل يعرفون جيدا أنها هويتهم، وعلى الدولة أن تدرك أن إهمال الأمازيغ دفع فعلا الناس إلى التظاهر وإلى الاحتجاج. في نفس السياق، هل لامستم أي اختلاف في التعامل مع الأمازيغية في ظل الحكومة الجديدة، هل هناك وعود بالنهوض بها وحمايتها عملا بمقتضى دستور 2011؟ على العكس تماما، ولكي لا أكون عدميا، سأجيبك بلغة الأرقام، يمكنني أن أقول لك إن دسترة الأمازيغية عام 2011 أعادتها إلى الوراء، أكثر من ذلك هناك تراجع عن كل المكاسب التي حققتها الأمازيغية في المغرب قبل إقرارها في الدستور، خاصة في ظل الحكومة الحالية. بالنسبة للأسماء الأمازيغية الشخصية، جرى منع 43 اسما أمازيغيا منذ عام 2011 إلى اليوم، وخلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2011 تم منع 13 اسما فقط، هذا يعني أن الحكومة الحالية حطمت رقما قياسيا في منع الأسماء الأمازيغية، وهذا تمييز عنصري استنادا إلى اتفاقية القضاء على التمييز العنصري التي وقع عليها المغرب. إنهم ينفذون مخططا محكما يروم إقصاء الأمازيغية وتهميشها أكثر، يدركون أنها تسير نحو الانقراض بفضل العولمة وبحكم التعريب الذي يقتحم المؤسسات بكاملها وبإقصائها من المدرسة والإعلام. سعد الدين العثماني الذي يقود الحكومة الحالية أمازيغي، ألا يساعد وضع الرجل على رأس الحكومة في خدمة الأمازيغ؟ هو رماد في العيون، سواء تعلق الأمر بالعثماني أو بعزيز أخنوش (وزير الفلاحة والصيد البحري ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار) أو إدريس لشكر (الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) أو محند العنصر (الأمين العام لحزب الحركة الشعبية). هم مجموعة من الأشخاص الذين يقودون أهم الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية وهم من أصول أمازيغية إلا أنهم لم يقدموا شيئا للأمازيغية. يمكنني أن أقول إنهم مستلبون آيديولوجيا، لأنهم شغلوا مناصب حساسة، وكان بإمكانهم حماية وتنمية اللغة والثقافة الأمازيغيتين. بالنسبة للتعليم مثلا، كان عدد التلاميذ الذين يدرسون الأمازيغية عام 2011 يصل إلى حوالي 547 ألف تلميذ، لكن هذا الرقم تراجع إلى 300 ألف تلميذ عام 2016 وهي أرقام وزارة التربية الوطنية. أشك أن الرقم أقل بكثير من ذلك، طبعا دون ذكر مجموعة من الأساتذة الذين يدرسون الأمازيغية وجرى تحويلهم إلى تدريس مواد أخرى كالعربية مثلا. للأسف الشديد الحكومة الحالية أو التي سبقتها تعمل بمقتضى دستور 1996، وليس بدستور 2011 الذي أتى ليعيد الاعتبار للغة الأمازيغية، حتى مشروع قانون تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة لم يحترم المنهجية الديموقراطية ولم يأخذ بعين الاعتبار رأي الحركة الأمازيغية. ولكن الحكومة طلبت منكم تقديم اقتراحاتكم وفضلتم عدم المشاركة؟ لم يسبق للحكومة أن نادت الحركة الأمازيغية وطلبت رأيها في المشروع، ما حصل هو أن الحكومة السابقة راسلتنا وطالبت منا تقديم اقتراحاتنا، وهناك فرق بين إشراكنا في وضع قانون نحن عالمون به وبين أن تطلب رأينا في قضية معينة. نحن لسنا بخبراء نعمل لصالح الحكومة، نحن نشطاء حقوقيون وعلى دراية بواقع الأمازيغية أكثر من أي جهة أخرى. كان على رئيس الحكومة السابق أن يخلق لجنة وطنية للحوار مع الحركة الأمازيغية كما حصل أثناء إعداد بعض القوانين التنظيمية الأخرى كمنظومة إصلاح العدالة أو الحوار الوطني حول المجتمع المدني، حيث استمعت فيه الحكومة إلى خبراء في المجال قبل وضع القانون. لا أعرف لماذا يتم التعامل بهذه الطريقة مع هوية الدولة. هل هناك مبادرات لتعميق النقاش حول القانون؟ أطلقنا المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهي مبادرة تضم 800 جمعية مدنية منها جمعيات خارج المغرب، اشتغلنا بشكل جماعي على قانون مضاد وبديل لقانون الحكومة السابقة، ونعقد الآن سلسلة ورشات داخل قبة البرلمان، لشرح مضمون هذا القانون. ينظر القانون السابق على سبيل المثال إلى الأمازيغية على أنها مجموعة من التعابير مشتتة في المغرب، وهذا يتناقض مع روح الدستور الذي ينظر إلى الأمازيغية كهوية ولغة قائمة بذاتها. حاليا الحركة الأمازيغية تعتبر أن هذا الملف ملك لجميع المغاربة، لذلك قمنا بدعوة كل الجمعيات المدنية والحقوقية والنسائية للمشاركة في نفس المعركة، لكيلا يتهموننا بالنرجسية أو الأنانية. نريد أن نقول لهم إنه قانون سنه الجميع باختلاف التوجهات وميادين العمل، وفي حال رفض سماع أصواتنا سننخرط في سلسلة من الوقفات الاحتجاجية على طول مدن المملكة، وسنضغط أيضا على الحكومة خلال مشاركتنا في دورة جنيف 2018 التي سيعرض فيها تقرير المغرب في مجال حقوق الإنسان.
مشاركة :