غواصات عالية التقنية لاستكشاف أعماق المحيطات

  • 8/23/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: محمد هاني عطوييعتقد الكثيرون أننا نعرف كل زاوية من كوكبنا، لكن يخطئ من يعتقد ذلك، فنحن نمتلك من المعلومات عن سطح المريخ أكثر مما نمتلكه عن الأرض، ومن الواضح أننا لا نتحدث هنا عن القارات، لكن نرصد المحيطات التي تمثل مساحتها ما يقرب من 70٪ من الكوكب كله، فهل يدهشك ذلك؟. صحيح أنه إذا حاولت التجوال في خرائط جوجل، ستجد أن قاع المحيط يبدو مرسوماً بخرائط كاملة، لكنها تقريبية لأنها أنجزت من خلال قراءات الأقمار الصناعية ولا تأخذ بالاعتبار إلا بشكل تقريبي تضاريس قاع المحيط ذلك العالم المظلم، الجليدي والخطير، فكيف يمكن للعلماء استكشافه؟ وما نعرفه تقريباً، هو أنه بدءاً من الساحل، فإن قاع البحر ينحدر بلطف ليصل إلى عمق 200 متر وهذا ما نسميه «الجرف القاري»، ثم يغوص فجأة إلى 4000 متر في المتوسط ليصل إلى السهول السحيقة؛ حيث ينبثق ظهر المحيط أو ما يعرف حافة وسطه، وهي تلال ضخمة مكونة من الصخور البركانية تشترك في طبيعة قاع المحيط عبر مسافات تبلغ مئات الكيلومترات. وفي بعض الأماكن، تغوص السهول السحيقة باتجاه مركز الأرض، مشكلة خنادق محيطية، وهي حفر يمكن أن يصل عمقها إلى 11000 متر، ومن هذا الامتداد الضخم لا نعرف حقاً سوى 5٪ وبشكل خاص الجرف القاري، وبضع مئات من النقاط التي تعتبر مثيرة للاهتمام على طول ظهر المحيط. هذا الأمر يعتبر لا شيء بالنسبة للمحيطات وعالمها. فلماذا لا نمتلك المزيد من التفاصيل عن بقية الأشياء؟ لأنه لو وضعت خريطة دقيقة لقاع البحر، لا يوجد حل آخر سوى النزول إلى هناك، أي إلى أعماق كبيرة تصل إلى 4000 متر في المتوسط. وكلما غصنا تحت الماء، تعرضنا لضغط كبير. والمعروف أن الضغط على سطح الأرض، يساوي 1 ضغط جوي، وهو يمثل القوة التي تؤثر فيها الكتلة الهوائية على رأسك. لكن عند الغوص، يزيد ضغط المياه على واحد ضغط جوي كل 10 أمتار، وهذا ما يعقد كثيراً عملية الاستكشاف. فللوصول إلى عمق 4000 متر، نحن بحاجة إلى آلات قادرة على تحمل ضغط لا يقل عن 400 مرة الضغط على سطح الأرض.غواصة مدرعةلزيارة قاع البحر، كان علينا أن نخترع غواصات ذات هيكل مصنوع من الصلب أو التيتانيوم ويبقى سمكه عدة سنتيمترات، كما هو الحال بالنسبة للغواصة نوتيل (Nautile). فالمقصورة التي تضم الربان والباحث تكون في كثير من الأحيان على شكل فقاعة. وهو نموذج لم يأت من باب الصدفة لأن الضغط هو نفسه على كل نقطة في هذا الشكل الكروي، مما يعزز صلابته ومقاومته. ومنذ نصف قرن، سمح هذا النوع من الغواصات للجيولوجيين استكشاف قاع المحيط، ليفهموا على وجه الخصوص، كيفية تشكل القشرة المحيطية على مستوى ظهره. لكن اكتشاف خامات غنية بالزنك والنحاس والذهب أو البلاتين في 1960- 1970 سارع في البعثات لأعماق البحار؛ حيث أرادت الدول الصناعية رسم خريطة للمناطق الواعدة في الثروة المعدنية لبدء عملياتها في أقرب وقت ممكن. هذا الأمر لم يتأخر نظراً لزيادة أسعار بعض المعادن مثل النحاس، على سبيل المثال، الذي شهد ارتفاعاً في سعره تتراوح بين 2000-7000 يورو للطن الواحد بين عامي 2000 و2012، كما أدت التكنولوجيات الجديدة أيضاً إلى الطلب المتزايد على العناصر الكيميائية ك«التربة النادرة»، وهي معادن ذات خصائص استثنائية. فعلى سبيل المثال، نجد أن سعر الإنديوم، المستخدم في شاشات العرض المسطحة، تضاعف 10 مرات خلال عشر سنوات.معادن متعددةبفضل الاستكشافات التي أجريت بالفعل تم التعرف إلى ثلاث فئات رئيسية من الموارد المعدنية: أولاً، العقيدات متعددة المعادن لأنها تحتوي على أكوام من المعادن مثل النيكل والكوبالت والزنك والنحاس؛ وذلك على شكل حبات تشبه حبة البطاطس وذات قطر يبلغ 10 سم. وتتواجد هذه الحبات في قاع البحر، والسهول السحيقة. وللحصول عليها تصور المهندسون نوعاً من الجرافات مع أنبوب ضخم شفاط، لكن من المكلف جداً نشر مثل هذه الآليات على عمق 4000 م، ومن ثم رفع تلك العقيدات إلى السطح، خاصة أن أسعار هذه المعادن ليست مرتفعة بما يكفي لتبرير هذه النفقات. المورد الثاني وهو في متناول اليد هذه المرة: القشور الكلسية التي اكتشفت على عمق 800 متر، على الجبال البحرية وحول الجزر البركانية مثل هاواي. هذه القشور مملوءة بالمعادن، ومن الصعب جلبها لأنها معلقة بقوة بركيزتها الصخرية. ولذلك ينبغي استخدام آلة قادرة على حكها وهذا ما يعقد من طريقة تصنيعها. ويبقى هناك مصدر أخير وواعد ويمكن الوصول إليه وهو الكبريتيدات المتعددة التي تتشكل جراء تسلل مياه البحر نحو الأعماق وتحت قشرة المحيطات؛ وذلك على مستوى ظهر المحيط. وعند اتصاله مع غرف الماجما المنصهرة، يسخن الماء حتى يبلغ 400 درجة مئوية ويشحن بالمعادن قبل أن يرتفع إلى السطح. مخاطر بيئيةالحقيقة أن المعادن الذائبة في المياه تتصلب وتتجمع لتشكيل التضاريس المختلفة، منها المداخن التي تسمى «المداخن السود». ويمكن العثور عليها بدءاً من عمق 1000 م وبالتالي سيكون من السهل حصاد الكبريتيدات المتعددة فيها. وقد وفرت الشركة الأسترالية نوتيلوس للمعادن أول اختبار لعام 2019، كما صممت آلات قادرة على سحق وشفط الكبريتيدات.وسوف يتم نشر هذه الآلات على عمق 1600م شمال البابوا بغينيا الجديدة. لكن العلماء قلقون من المخاطر البيئية. فالمداخن السود تأوي العديد من الحيوانات. وعلى الرغم من أن بعض الشركات قد وافقت على عدم استكشاف إلا المناطق غير النشطة، إلا أن العديد من المداخن التي تريد الغواصة نوتيل للمعادن تدميرها تأوي أنواعاً فريدة من نوعها. ولقد حصلت الشركة على ترخيص لتنفيذ مشروعها الذي من المؤكد سيثير حوله الجدل، فالحياة في الأعماق هشة للغاية.

مشاركة :