تداعيات سلبية لزيادة الرواتب والضرائب في لبنانحذّر خبراء واقتصاديون من الآثار والتداعيات السلبية لرفع الرواتب في القطاع العام اللبناني الذي يعاني من أزمات عديدة، مطالبين بإصلاح القطاع وإعادة هيكلته قبل زيادة الأجور، لكي لا تكون الزيادة مجرد مكافأة مجانية لقطاع متدني الإنتاجية.العرب [نُشر في 2017/08/23، العدد: 10731، ص(11)]قوانين تقسم الشارع اللبناني بين رابح وخاسر بيروت - أثار توقيع الرئيس اللبناني ميشال عون لقانوني زيادات أجور القطاع العام والزيادات الضريبية جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية التي قالت إن قطاع الأعمال قد يدفع ثمن سعي الساسة لكسب الدعم قبيل الانتخابات البرلمانية العام المقبل. وظل قانون أجور القطاع العام قيد النقاش لسنوات. وقد وافق عليه البرلمان في الشهر الماضي، لكن عون أجّل توقيعه حتى يوم الاثنين في ظل تحذيرات قطاع الأعمال من تأثير زيادة الضرائب على الاقتصاد الهش. وقال وزير المالية علي حسن خليل، أحد مؤيدي القانونين، إن إقرار القانونين “له انعكاس إيجابي على الاستقرار الاجتماعي ويساهم في تأمين التوازن نتيجة الإجراءات الضريبية والإصلاحات والتكلفة المقدرة هي 920 مليون دولار مقابل 1.1 مليار دولار” من الزيادة الضريبية. ويرى نسيب غبريال كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني أن القطاع العام يحتاج “إصلاحات أساسية وعميقة” قبل زيادة الرواتب وإلا فإن القانون سيؤدي إلى “إعادة توزيع كبيرة للدخل.. في قطاع متضخم وعديم الكفاءة وغير منتج بدرجة كبيرة”. وقال إنه من الصعب جدا قياس حجم التكلفة “لأننا لا نعرف عدد الموظفين في القطاع العام.. ومن الصعب أيضا تقديم أرقام حقيقية يمكن الاعتماد عليها بشأن حجم رواتب القطاع العام”.نسيب غبريال: من الصعب جدا قياس تكلفة القرار لأننا لا نعرف عدد الموظفين وتبرز تعليقات غبريال قلقا واسع النطاق بين بعض الاقتصاديين من أن زيادة الضرائب ستؤدي إلى تباطؤ النمو دون تعويض فجوة المالية العامة الناتجة عن زيادة الأجور. وتضمن القانون زيادة ضريبة القيمة المضافة بنقطـة مئويـة واحـدة إلى 11 بالمئة ورفـع ضـريبة الشركات إلى 17 بالمئـة من 15 بالمئة. وتلقى زيادة رواتب القطاع العام ترحيبا واسعا من موظفي الدولة. وقد نظم بعض موظفي القطاع العام احتجاجات في الأيام الماضية للمطالبة بتوقيع القانونين، لكن الزيادات الضريبية الجديدة أثارت قلقا واحتجاجات واسعة منذ بداية العام الحالي. ويقول العديد من خبراء الاقتصاد إن لبنان ينبغي أن يركز أكثر على مكافحة التهرّب الضريبي بدلا من ضرائب جديدة لتمويل زيادة رواتب القطاع العام. ورجح غبريال أن يكون الساسة قد وافقوا على القانونين بعد أعوام من النقاش “لأننا نقترب من موعد الانتخابات البرلمانية”. وسيبدأ العمل بالقانونين الجديدين فور نشرهما في الجريدة الرسمية. وقد عقد عون اجتماعات مع رموز القطاعين العام والخاص في الأسبوع الماضي لمناقشة النقاط المثيرة للجدل في القانونين. ويرى الخبير الاقتصادي غازي وزني أن سلسلة الرواتب والرتب الجديدة يمكن أن تفجّر التضخم وتؤدي إلى انفلات أسعار السلع وحدوث ارتفاع عشوائي في التضخم.صندوق النقد الدولي: لا بد من فرض زيادات في ضرائب الشركات والعقارات والقيمة المضافة ويتخوّف وزني من أن تؤدي إلى تضخم نقدي وانخفاض في القدرة الشرائية للعملة المحلية نتيجة ضخ كتلة نقدية هائلة دفعة واحدة في الأسواق، وهي كتلة غير منتجة، بل استهلاكية تقدّر بأكثر من 1.5 مليار دولار سنويا، على شكل رواتب وأجور. ولا تنتهي مخاوف وزني عند ذلك بل تمتد إلى ترجيح أن تعيق السلسلة النمو الاقتصادي، رغم زيادتها القوة الشرائية والاستهلاكية للموظفين في القطاع العام، وذلك بسبب التدابير الضرائبية التي ستطال جميع شرائح المجتمع خصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة. وكان صندوق النقد الدولي قد دعا مرارا إلى زيادة الضرائب في لبنان. وقال إن لبنان يعاني من عجز في الموازنة العامة يتطلب “إصلاح المنظومة الضريبية وزيادة ضريبة الشركات والعقارات والقيمة المضافة والوقود كوسيلة لتقليص الدين العام المتنامي”. وفي الأعوام الماضية تضرّرت تحويلات المقيمين في الخارج وإيرادات السياحة وقطاع العقارات، وهي الدعائم الثلاث الرئيسية لاقتصاد البلاد، بفعل الصراعات السياسية وتداعيات المنافسة بين السعودية وإيران. وفي شهر مارس الماضي أعلنت الحكومة اللبنانية عن تفاصيل أول موازنة منذ 12 عاما، لتبدأ رحلة الحد من العجز وإعادة التوازن للمؤشرات الاقتصادية المختلة، وسط تشكيك الخبراء في قدرة حزمة الضرائب الواسعة التي تم إقرارها في جمع الإيرادات المستهدفة. وأكد خليل أن الحكومة تستهدف خفض العجز إلى 8.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الإيرادات بنسبة 10 بالمئة من خلال فرض حزمة واسعة من الضرائب مع إعلان الموازنة. ومن المتوقع أن يجري لبنان انتخابات مؤجلة منذ وقت طويل في مايو 2018 بعد موافقة الحكومة على قانون انتخابات جديد حال دون أزمة سياسية كبيرة. ومدد نواب البرلمان فترتهم مرتين منذ انتخابهم في 2009 بعد أن يفترض ألا تتجاوز 4 أعوام. وأنهى انتخاب عون في العام الماضي فراغا رئاسيا دام 29 شهرا في بلد كان يعاني من شلل سياسي. وأدى ذلك لانفراج الأزمة وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري. ويعاني الاقتصاد اللبناني منذ عام 2011 من ضائقة مالية حادة بفعل الحرب في سوريا التي دفعت بأكثر من مليون لاجئ إلى أراضيه في وقت يعاني فيه أصلا من أزمة جراء تدني الاستثمار وضعف البنية التحتية.
مشاركة :