لا أظن أن أحدًا في هذا العالم يشك أن من ساء خلقه قد أفلس. فمن لا خلاق له، يمكنك أن تتصوّر أن كل شيء قد يقع منه فيتخلى عن إنسانيته، وما نراه اليوم من القسوة في بعض البشر حتى على أزواجهم وأولادهم، لو بحثت عن أسبابه لوجدت أن أخلاقهم ساءت حتى لم يعرفوا من الفضائل شيئًا البتة، فتحول سلوكهم إلى عدوان، ولم يأمن أحد شرهم. لذا كان لحسن الخلق في الإسلام المزية الأعظم، فما بُعث نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ ليتم مكارم الأخلاق، ومن تمت له مكارم الأخلاق، حسنت سريرته وحسن سلوكه، فأحبه الناس وأقبلوا عليه، فسيدنا رسول الله حصر رسالته في مكارم الأخلاق فقال: (إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق)، ولمن يعلم أسرار العربية يعلم أن (ما) إذا جاءت بعد (إن) كفت عملها، وجعلت فعلها محصورًا في جوابها، فكأن بعثته إنما كانت من أجل أن يتم للناس مكارم الأخلاق. ومكارم الأخلاق تقترب العبد من سيد الخلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يقول: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا أحسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون، قالوا: يا رسول الله: قد علمنا الثرثارين، فما المتشدقون؟ قال: (المتكبرون). فجزاء حسن الخلق القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وما كان أحد قربه يوم القيامة إلاّ وكان قريبًا من الله في دنياه وآخرته، ذلك أن محافظة الإنسان على حسن الخلق عبادة لله. أليس سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، ولا شك أن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيار المؤمنين أحاسنهم أخلاقًا. وانظر لما أجاب به سيد الخلق صحابته حينما سألهم: أتدرون مَن المفلس؟ قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مصوِّبًا إجابتهم: (المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاته، وزكاته، وصيامه، وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقعد فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه، ثم طرح في النار). وقد سمّى سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذه القبائح من أفعال المفلس خطايا، والخطايا رذائل، ومن كان حاله كهذا، فقد أوغل في سوء الخلق، حتى أن الناس ليتجنبوه خشية أن ينالهم بشرّه. ولو تمعَّنا في هذا النموذج الأكثر سوءًا، لرأينا منه كثيرين في زماننا، لاهمَّ لهم إلاَّ إيذاء الخلق بأساليب شتّى، أدناها الشتم والسب، وأعلاها سفك الدم. وأسوأ هذه النماذج مَن يدّعي أنه بهذا ينصر الدين، أو يدافع عنه ويحميه، فيكثر شره على الناس طلبًا -كما يدّعي- للإصلاح، فترى لسانه قد تبرأ منه، وأفعاله تشير إلى أنه لا يعرف من الدين شيئًا، وهو يدّعيه زورًا، وما هذه الجماعات المتطرفة إلاَّ من هذه النماذج السيئة الخلق، التي ضررها عم وطم في سائر أرجاء بلاد المسلمين. أمّا هؤلاء الذين يدّعون نضالاً، ولهم ألسنة حداد لا تستبقي أحدًا من أفراد الأمة المسلمة إلاَّ وجهوا إليه التهم من كل لون ونوع، فهذا هو الخائن للأمة، وذاك هو المتصهين، وذاك الممول لدولة إسرائيل؛ ممّا لا تقوم عليه بيّنة ولا دليل، فيعظم بين الأمة الخلاف والاختلاف، ولعل مثل هؤلاء لا يعرفون من الحق شيئًا. فلا نصر سادتي على عدو إلاّ بطاعة وصون لسان عن البذاءات، والاستعداد لدحر العدو معنويًّا وماديًّا، ألم يقل ربنا: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون). فاللهم أنصر أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واجعل القوة فيها تواجه بها أعداءك وأعداءها، فأنت الغني الحميد. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :