أكد امام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ صالح آل طالب أنة لا يجوز أن يُحوَّل الحجّ إلى ما ينافي مقاصدَه ، فلا دعوةَ إلاّ إلى الله وحدَه ، ولا شعارَ إلاّ شعارُ التوحيدِ والسنّة ، فالدين دين الله والشرع شرعه ، والواجب على من بلغه كلام الله وسنة رسوله أن يتبع الحق ويطرح ما سواه ، ولا يترك القرآن والسنة لقول أحد مهما كان ، والله تعالى يقول ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبَهم فتنةٌ أو يصيبَهم عذابٌ أليم ) وما وهنت الأمة إلا بقدر ما تسرب إليها من البدع والمحدثات واتباع الهوى . وقال في خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام ويمر بالأمة موسمٌ عظيم من خير أيام الله تعالى ، وركن من أركان الإسلام العظام ، يتجاوز الله فيه عن الخطايا ويغفر الذنوب ويقيل فيه العثرات ويقبل الدعوات . إنه الحج وإنها أيام عشر ذي الحجة . إنها الأيام المعلومات والأيام المعدودات . الحج إلى بيت الله العتيق ، شعار الوِحدة والتوحيد ، وموسم إعلان العهود والمواثيق وحفظ الحقوق والكرامات وحقن الدماء وعصمة النفوس والأموال . الجلال والجمال والبهاء ، هو إيحاء منظر الحجيج في حرم الله وفي دروب المشاعر ، وفي اتحاد وصفهم وبياض لُبسهم ، وفي تلبيتهم الخالدة . وأضاف فضيلتة وجاشت الصدور عند بلوغ مهوى الأفئدة وفاضت العيون برؤية الأماني .. وانقطعت القلوب إلا من رحمة الله ، وخلت النفوس إلا من الشوق له .. تركوا الدنيا بضجيجها وزخرفها وخلافاتها وراء ظهورهم ، وتكامل وفدُ الله ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم ، وله يشكرون . يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ، يزدلفون لأقدس مكان ويتحرون فضيلة الزمان ملبين النداء القديم المتجدد ويؤدون ركن الإسلام الخامس يلبون ويدعون ، يأملون من الله القبول ، ويرجون رحمته ويخافون عذابه . فعلى هذه الصُعُدات تتنزل الرحمات وتغسل الخطايا ويعود الحاج نقيا كما ولدته أمه ، وليس مكان في الدنيا له ميزة كهذا المكان . فاقدروا أيها المسلمون للبيت حرمته ، وتلمسوا من الزمان والمكان بركته . فنبيكم يقول (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) . ودعا الشيخ آل طالب حجاج بيت الله الحرام فقال لترتج هذه المشاعر بالتكبير والتلبية . ولتريقوا على ثراها دماء الهدي والأضحية . وتضرعوا لله في ملكوته بأبلغ الثناء وأصدق الأدعية . وسيروا كما سار أسلافكم في هذه الفجاج وتلك الأودية، واستشعروا أنكم في حرم هو لكل المسلمين غايةٌ وأمنية . باشروا نسككم مباشرة من لا أمل له بالعود وهو موادع . وقوموا بأعمالكم قيام من هو موقن بأنه إلى ربه راجع . فإنما هي تصرم ساعات وفوات لحظات ، ثم هو في زمن غيرِ الزمن وأرضٍ ليست كهذي الأرض . وقد فرط الموسم وتقضت الأيام ، وعادت به الركاب إلى حيث كان . و في هذا المكان وبهذا المشهد تطوف على النفس معاني الأخوة والوحدة ، وهي المعاني التي امتن الله بها على المسلمين في العصر الأول فكل فُرقة بين المسلمين هي مدد من عصور الجاهلية ، وكل نزاع بينهم هي بعض أنفاس عصور الظلام وفيحٌ من هجيره . وبالتوافق تصلح أحوالُ كل الكائنات فضلاً عن الإنسان المسلم المأمور بها والموهوبة له سلفاً منةً من الله ورحمة . وكل من أحدث بين المسلمين سبباً للتنازع والشقاق فقد كفر نعمة التأليف واقتبس حطباً من نار الجاهلية وعق قومه وغش أمته . إن مقدسات الأمم وأعيادَها ضمانة لكل أمة ، إنهم وإن اختلفوا جعلوها سبب اتفاقهم ، وإن تنازعوا جعلوها نهاية افتراقهم . وأي مشهد أبهى من هذا التجمع الإيماني العظيم ، فيه اجتماعُ الأمةِ وائتلافُهَا ، وظهورُ قِيَمِهَا وأخلاقِها وقيم التسامح والإخاء والبعد عن الخلاف والمراء ، قيم المساواة والعدل والأخوة والمحبة . إنه نبراس لسبيل نهضة الأمة وقوتها ، والذي لا يتأتى إلا بالوحدة والاجتماع ، وتجاوز الخلافات والتسامح . إنه حج البيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ، ليُجمِعوا أمرهم وليوحدوا صفهم ، ولن تكون الوحدة إلا بالانتماء للإسلام الصحيح . وبين فضيلتة أن الانتماء الإسلامي هو الشرف الباذخ والعز الشامخ وإن أرهقته الليالي وأثقلته الأيام . فالإسلام هو الدين الذي توارث الأنبياء الدعوة إليه ، والقرآن هو كلمة الله الأخيرةُ للبشر ، ومحمدٌ خاتم النبيين ورسول رب العالمين . فكيف يكون الانتماء إليه خفيض الصوت أو موضع الإهمال أم كيف تتقدم عليه انتماءات بشرية وأرضية . إنه لاعذر لأحد بعد بلاغ النبي ، ولا حجة لِمُضٍل بعد قول الله تعالى {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. فاجتهدوا في تمام حجكم ، واتّقوا الله فيما تأتون وتذَرون ، وأخلِصوا لله في عملكم وقصدِكم ، واتّبعوا الهُدى والسنة ، واجتنبوا ما يَخرِمُ حَجّكم أو يُنقِصُه ، وعليكم بالرِّفق والسكينة والطمأنينة ، والشفَقة والرحمة بإخوانكم المسلمين ، سيما في مواطن الازدحام ، وأثناءَ الطوافِ ورميِ الجمار وعندَ أبوابِ المسجِد الحرام ، واستشعروا عِظمَ العبادة وجلالة الموقف . وقال فضيلتة اعلموا أن الدولةَ بِرِجَالَاتِهَا وأجهزتها ومؤسساتِها ، تبذُلُ جهودا هائلة لخدمتكم وتيسير حجكم ، والنظامُ وُضِعَ لمصلحتكم ، والجهودُ كلُها لأجلكم ، فالتزموا التوجيهات ، واتبعوا التعليمات ، واستشعروا ما أنتم فيه ، وكونوا على خير حال في السلوك والأخلاق ، والزموا السكينة والوقار ، واجتهدوا وسددوا وقاربوا ، وأبشروا وأملوا . فإنكم تَقدُمُون على رب كريم . جعل الله حجَّكم مبروراً ، وسعيَكم مشكوراً ، وذنبكم مغفوراً .
مشاركة :