من العالم الافتراضي إلى الواقع السياسي... كيف كانت تجربة الأناركيين في مصر؟

  • 8/25/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

على سلالم نقابة الصحافيين المصرية عام 2012، وقف عشرات المتظاهرين بأعلام ولافتات مختلفة، للتضامن مع عدد من الناشطين اليساريين على خلفية تقديم بلاغات بالتخريب ضدهم من قبل أفراد من جماعة الإخوان. ومن ضمن اللافتات المرفوعة كانت واحدة باسم "الحركة الاشتراكية التحررية": علم بلونين أسود وأحمر يحمل شعاراً على شكل حرف A محاطاً بدائرة. يشير هذا الشعار إلى الأفكار والحركات الأناركية التي تتعدد تسمياتها، وتتفق في أهدافها، وغالباً ما تتشارك في الشعارات والأسس الفكرية. والاشتراكية التحررية هي إحدى المدارس الأناركية، وتتبنى الأهداف الشيوعية ولكنها تختلف عن الماركسية حول السلطة، وهو ما حداها على إضافة صفات اللاسلطوية والتحررية تمييزاً لنفسها عنها.فما هي الأناركية؟ يعرّف الناشط والباحث السياسي تامر موافي الأناركية في مقال منشور بمدونة "الأناركية بالعربية" على أنها كلمة يونانية قديمة تعني غياب السلطة، واستخدمت لقرون للتعبير عن غياب السلطة المركزية، وانتشار الفوضى. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تبلورت الأناركية كنظرية تحررية اجتماعية في إطار نشأة الحركات العمالية والاشتراكية، واتخذت مسمى اللاسلطوية. واللاسلطوية تعني الغياب التام للسلطة، وليس تفكيك السلطة المركزية إلى سلطات متناحرة، فهي تعني استبدال مؤسسات الدولة المركزية والهرمية بمؤسسات شعبية لامركزية، ترتبط كل منها بالأخرى لتحقيق التكامل في المجتمع.عرفت مصر الأناركية نهاية القرن التاسع عشر تواجد الأناركيون في أوساط الجاليات اليونانية والإيطالية في نهاية القرن التاسع عشر، وشاركوا العرابيين ثورتهم، ومقاومتهم للاحتلال الإنكليزى للبلاد باعتبارهم أمميين، وأسسوا جامعة شعبية في أحد المسارح بالإسكندرية، واشتركوا في تكوين نقابات عمالية، وأصدروا بعض المطبوعات، وشارك بعضهم في تأسيس الحزب الاشتراكي عام 1921. كما عرفت مصر الأناركية مع العديد من اليساريين في القرن العشرين. ومع ظهور الإنترنت أخذت الأفكار المتنوعة تنتشر بين فئات عديدة من الشباب في مصر، وكان للأناركية نصيب كبير حيث ظهرت مدونات تنشر مقالات وترجمات وكتيبات عنها.الثورة في مفهوم الأناركيين يرى الباحث والناشط السياسي سامح عبود في بحث بعنوان "مبادئ اللاسلطوية" أن الثورة في مفهوم اللاسلطويين الشيوعيين ليست انقلاباً في السلطة، بل عملية اجتماعية، تقوم فيها الجماهير المتمردة والمنظمة على النسق اللاسلطوى، بهدم بنية المجتمع القديم بما فيه السلطة القمعية، لتبني على أنقاضه مجتمعها الجديد.الأناركية ليست كياناً واحداً ويضيف عبود في البحث السابق نفسه أن المدارس الأناركية تختلف في ما بينها جوهرياً، إذ تدعم نزعات متباينة بدءاً من النزعة الفردية إلى النزعة الاجتماعية، وعادة ما تعتبر الأناركية إيديولوجية يسارية جذرية. وتضم الأناركية مدارس متنوعة مثل: الفرديين، الإدارة الذاتية، التبادلية، التشاركية، شيوعية المجالس، الشيوعية التحررية، الماركسية الليبرالية، الاستقلالية، المواقفية، واللاسلطوية النقابية وغيرها.أقوال جاهزة شاركغردالأناركيون في مصر... ينتقدهم الماركسيون، ولكن في أوقات الصراع ضد السلطة يتقربون منهم سعيا إلى استغلال جاذبيتهم شاركغردفي إحدى التظاهرات رفع قسم منهم علما بلونين أسود وأحمر يحمل شعاراً على شكل حرف A محاطاً بدائرة... تعرف على الأناركيين في مصرالأناركية والماركسية... عداء تاريخي يتخلله بعض الود وعن الاختلافات الفكرية بين الأناركية والماركسية، يرى أحمد زكي في  كتاب إلكتروني منشور بعنوان "الأناركية مجتمع بلا رؤساء" أنهما تختلفان في العديد من الأوجه، إلا أن هناك بعض التماثل بين المدرستين في عدد من النقاط الفكرية والمنهجية. فهما تتشاركان في الأهداف الطويلة المدى في إقامة المجتمع الاشتراكي بلا دولة، وفي العداء لنفس الخصوم السياسيين المحافظين واليمينيين، وأحياناً الليبراليين، ويشخصون نفس التحديات البنيوية في الرأسمالية والحكومات القائمة. ويختلفون حول: الدولة، والبناء الطبقي للمجتمع، ومنهج الحتمية التاريخية. وفي مصر تعرضت الأناركية لنقد شديد من اليسار الماركسي. رغم أن هذا لم يمنع وجود بعض التقارب وقت التضييق الأمني. وقال تامر موافي لرصيف22: "في أوقات الصراع ضد السلطة يميل اليسار السلطوي إلى إظهار قدر أكبر من التفهم للحركة الاشتراكية التحررية سعياً إلى احتوائها واستغلال جاذبيتها للشباب لتوسيع عضويته، أما على المستوى النظري فيعاد إنتاج الانتقادات السطحية الكلاسيكية للأناركية".الأناركيون في ثورة 25 يناير كشفت ثورة 25 يناير عن وجود العديد من الأناركيين المصريين، بمختلف توجهاتهم النظرية، بدءاً من الفرديين إلى الاشتراكيين التحرريين، والذين شاركوا في أغلب التظارهرات بدون أن يكون لهم شعار مستقل. ولم يعلن وجود حركة أناركية حتى مايو 2011 حين تم الإعلان عن إنشاء "الحركة الاشتراكية التحررية". وفي مقال بعنوان "دور الأناركيين في الثورة المصرية وإعادة إنتاج فشلهم التاريخي"، يرى سامح عبود أن الأناركية وجدت في ثورة 25 يناير، حيث أن اعتصام التحرير على مدى ثمانية عشر يوماً قدم نموذجاً ناجحاً لمجتمع أناركي لاسلطوي، بلا قيادات ولا تنظيم قسري أو هرمي، بل نجح المعتصمون في تحقيق أهدافهم عبر عملهم التطوعي المشترك وتعاونهم وتضامنهم. كما أن 25 يناير كانت نموذجاً أناركياً للثورة، أي ثورة بلا قيادات ولا زعامات وبلا أحزاب سياسية.الحركة الاشتراكية التحررية المصرية تأسست "الحركة الاشتراكية التحررية" في 24 مايو 2011 من قبل عدد من المفكرين والناشطين الأناركيين، وأصدرت بياناً نشر على مدونة الأناركية بالعربية جاء فيه: "نحن الاشتراكيون التحرريون نكافح من أجل مجتمع اشتراكي لا طبقي ولا سلطوي، يتحرر من سلطتي رأس المال والدولة القمعية". وطرحت الحركة برنامجاً تضمن الدعوة لاعتماد اللامركزية في مصر بشكل يشمل انتخابات المحافظين والإدارات البلدية، وتوسيع الرقابة الشعبية. كما دعت إلى التوسع في انشاء التعاونيات، وفرض الضرائب التصاعدية، وإلغاء الحوافز الضريبية للمستثمرين، وإطلاق الحريات النقابية، وإشراك العمال في إدارة المصانع، وأكدت على حق الأفراد في حرية التعبير والاعتقاد. وفي 17 أكتوبر 2011 دعت الحركة إلى عقد الملتقى الأول لها، وأصدرت نشرة غير دورية. وواصلت الحركة نشاطها السياسي بعد وصول الإخوان المسلمين للسلطة، وأصدرت بياناً نددت فيه بالممارسات السلطوية للإخوان، ودعت إلى استكمال الثورة. وأصدر عدد من الأناركيين بياناً نُشر على مدونة الأناركية بالعربية جاء فيه: "انكشفت حقيقة الإسلاميين، عندما وصلوا للحكم، وذلك بعدم اتخاذ أي قرارات جذرية لحل الأزمات التي ترهق الجماهير، في حين شغلوا الحياة السياسية بقضايا فرعية وتافهة".انهيار الحركة الاشتراكية التحررية لم تستطع الحركة الاستمرار في العمل السياسي المصري بعد 30 يونيو، فقد أدى التضييق الأمني، وعدم وجود رؤية للعمل السياسي إلى تقلص نشاطها، وانحصار أفرادها مرة أخرى في العالم الافتراضي ونشاطهم في الترجمة والنشر. وقال تامر موافي أحد المؤسسين للحركة لرصيف22: "منح مناخ الثورة في السنوات الثلاث اﻷولى لمختلف التوجهات السياسية مساحة لم تكن متاحة من قبل للعمل، ولمحاولة تطوير نفسها. في الوقت نفسه أدى التطور المتلاحق للأحداث على اﻷرض في هذه الفترة إلى انحسار إمكان استخدام هذه المساحة في العمل على اﻷرض، وتوسيع عضوية التنظيمات الممثلة لهذه التوجهات السياسية". وأضاف أنه "بينما أمكن للحركة الأناركية أن يكون لها دور ملحوظ على اﻷرض نتيجة لانخراط عدد كبير من الشباب في العمل تحت شعارات أناركية، لم يتح لهذه الحركة أن تطور أفكارها وتعيد النظر في المتوارث منها". ويوضح سامح عبود لرصيف22 أن "أهم أسباب الانهيار أنها قامت بين أفراد مختلفي الرؤى والميول والدوافع ودون فترة انتقالية لبناء الثقة بين المؤسسين قبل الإعلان، فقد بنيت سريعاً بلا أساس في هوجة الغليان الثوري ثم سرعان ما انهارت".أكمل القراءة البلاك بلوك والألتراس... أناركيون بدون أناركية ظهرت على الساحة المصرية بعد ثورة 25 يناير مجموعة أطلقت على نفسها اسم "البلاك بلوك" بزيهم وأقنعتهم السوداء، على غرار حركات البلاك بلوك العالمية، التي ترتبط غالباً بالأفكار الأناركية. وتأسست المجموعة في 2013 وأصدرت عدة بيانات تدعو للتظاهر ضد حكم جماعة الإخوان، كما أنها شاركت في عدد من التظاهرات بعدة محافظات مصرية. ويرفض سامح عبود في حواره مع رصيف22 أن تكون هذه الحركة أناركية قائلاً: "إنها حركة استعراضية، ولا تقوم على أسس أناركية، بل على أسس فاشية سلطوية". ومن جانبه يشكك تامر موافي في هدف البلاك بلوك قائلاً: " لا يمكن الحكم على هذه التجربة، إذ نشأت في ظروف غير واضحة وتوجد شكوك كبيرة حول اختراقها من قبل جهات أمنية لتوجيهها". وأما عن الألتراس فالوضع لا يختلف عن البلاك بلوك، سوى أن الألتراس أكثر وضوحاً، ويقوم على أفكار التشجيع الرياضي لأحد الأندية، وربما يتشابه بعض الشيء في روح التمرد على السلطة مع الأناركية، بدون أية برامج تحررية. ويعتبر تامر موافي أن "حركات الألتراس تمثل تمرداً خالصاً على السلطة دون محتوى تحرري، وهي ﻷسباب كثيرة ذات أفق محدود بالنسبة لتضمين هذه المبادئ في تصوراتها، ولكن التجربة العملية أثبتت أن هذا اﻷفق يمكن استغلاله إلى الحد اﻷقصى المتاح له بسهولة خاصة في ظل ظروف مؤاتية للحركة على اﻷرض".التعاونيات... التدريب العملي للأناركيين يمكن أن تقدم التعاونيات نموذجاً لحياة أكثر تحرراً من سيطرة الرأسمالية والدولة، كما تمثل دعاية عملية للأناركيين، وهو ما يؤيده تامر موافي الذي يقول لرصيف22: "تمثل التعاونيات شكلاً للملكية هو بالتأكيد أقل سلطوية وأقرب لتصوراتنا عن الاشتراكية من غيره. وبالتالي فإن أية تجربة تعاونية هي تدريب عملي للمنخرطين فيها على نمط للتفاعل في ما بينهم مختلف عن المعتاد، وهي بذلك مفيدة في الصراع داخل المجتمع حول حدود الممكن". وفي مقال لسامح عبود، يرى ضرورة قيام المجتمع الاشتراكى التحرري على شبكة تحتية من التعاونيات التي تعمل في مختلف النشاطات البشرية الاقتصادية والاجتماعية، لحماية الأعضاء من تقلبات السوق، وتنمية المجتمعات المحلية. ويقول عبود لرصيف22: "التعاونيات تعمل على تغيير وعي البشر والتخفيف من تأثير الوعي البرجوازي المهيمن، فضلاً عن أنها أداة تنظيمية تقوم على المصلحة المباشرة، والتوافق وهو ما يتلاءم مع الأناركية، وتعطي الجماهير القوة المادية الاقتصادية، وتنزع مساحات من الدولة والرأسمالية لصالح الجماهير، وبالتالي تنشر الاشتراكية التحررية عبر الأعمال لا الأقوال".الأناركية الإسلامية... محاولة توفيقية ظهرت عدة محاولات من بعض الأناركيين للتوفيق بين تأويلهم للإسلام والأناركية، حيث رأى البعض في الدعوة لفكرة الخلافة أقرب ما يكون للأممية الدولية، مع تأكيدهم على رفضهم للتمييز على أسس دينية أو عرقية أو طائفية. ويشكك تامر موافي في مثل هذه الرؤية ويقول: "اﻷناركية ترفض السلطة المتعالية فوق التوافق بين جماعة من البشر حول إدارتهم لشؤونهم، واﻹسلام ديانة تفرض على السلوك الجماعي للبشر مجموعة من القواعد الفوقية".اقرأ أيضاًفي مصر فقط…. التفاؤل بأمر عسكريفي مصر "دولة أمناء الشرطة" تقتل من أجل جنيه ونصف الجنيهالاغتيالات الغامضة في مصر: ابحثوا عن الاستخبارات والسياسة حامد فتحي ​حامد فتحي، صحفي مصري، مقيم في القاهرة، حاصل على بكالوريوس في الإعلام جامعة القاهرة، وطالب دراسات عليا فلسفة جامعة القاهرة، مهتم بالأدب نقدا وكتابة، ليبرالي كلمات مفتاحية مصر التعليقات

مشاركة :