نعمة الألم بقلم: نهى الصراف

  • 8/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحياة من دون الشعور بالألم قد تكون جحيماً أيضاً؛ فالشعور بالألم وتحديد مصدره هو الذي يبقينا على قيد الحياة في أغلب الحالات.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/08/26، العدد: 10734، ص(21)] الشعور بالألم تجربة حسية مزعجة تستخدم أكثر الطرق بشاعة، لتوصيل رسائل تحذير إلى مخ الإنسان بأن الأمور ليست على ما يرام وبأن هناك خطرا أو ضررا ما يتهدد الجسم، يتطلب اتخاذ إجراء للوقاية من شيء، أو علاج لإصابة ما وإبداء رد فعل تجاه موقف ما. وتكمن الأهمية الحيوية للإحساس بالألم في إنقاذ الكائن الحي من إمكانية الموت المحقق، وذلك عن طريق تنبيهه إلى مصدر الخطر، وإن كانت وسيلته في ذلك غير محببة إلى النفس. على الرغم من ذلك، فإن الحياة من دون الشعور بالألم قد تكون جحيماً أيضاً؛ فالشعور بالألم وتحديد مصدره هو الذي يبقينا على قيد الحياة في أغلب الحالات. لكن البعض يفتقر إلى هذه النعمة، وقد يكون الأمر مفارقة أو سوء طالع، لا فرق. ولهذا السبب تبدو حياة الطفل ديكستر غريبة ومحفوفة بالمخاطر دائماً؛ فهو طفل لا يبكي ولا يصرخ عندما يباغته تهديد أو خطر ما، كما أنه لا يعبر عن ألمه حتى إذا تعرض إلى جرح غائر أو كسر في الساق، في حين يصعب على والديه تحديد أو معرفة متى ما أصابه خطر أو تعرض لإصابة ما بسبب عدم شكواه، فهو لم يكن قوي الشكيمة أو أنه يحتفظ بآلامه كي لا يزعجهم مثلاً، الأمر ببساطة أنه يعاني من اضطراب وراثي يمنعه من الإحساس بالألم. قبل أسابيع مثلاً، تعرض الصبي إلى حادث تسبب في كسر بالإبهام واليد وعظام مشط القدم، ومع ذلك لم تصدر عنه صرخة واحدة! كانت معلمة ديكستر في الحضانة تغني مع الصغار وترقص، وحين حاول الصغير تقليدها بالقفز والرقص وقع على الأرض ولم يستطع النهوض ثانية، لم تكن هنالك دموع أو صراخ أو أنين، لكن تبيّن لاحقاً أن أحد عظام ساقيه قد كسرت! بسبب القفزة الأخيرة، وبعد أن هرعت والدته إلى مكان الحادث وحملته إلى الإسعاف، كان الصغير يتطلع إليهم بلا مبالاة وكأن ساق شخص آخر هي التي كسرت. وحين تم تعديل العظم وتجبيره، لم يستدع الأمر استخدام أي مسكنات للألم، كل ما احتاجه الطفل هو قطعة شيكولاته لإلهائه عن متابعة تفاصيل العلاج. في أحد الأيام، كان الطفل يستمتع بالجلوس في حوض سباحة صغير بحديقة المنزل، عندما حاول طفل من الجيران مشاركته مرحه، لكن الطفل الثاني سرعان ما رفع قدمه من حوض الماء قبل أن يستقر داخله، بعد أن اكتشف بأنه كان بارداً إلى درجة كبيرة لم يتسن لديكستر اكتشافها بسبب غياب إحساسه بالألم. يعرف الاضطراب الذي يعاني منه ديكستر، بأنه اعتلال عصبي حسي لاإرادي مورّث، وهو إحدى الحالات الطبية النادرة جداً التي تصيب شخصا واحدا من بين كل 125 مليون شخص، على شرط أن يحمل كلا الوالدين الجين النادر لنقل المورثة إلى طفلهما. وبإمكان هذا المرض النادر أن يسبب لصاحبه العديد من المخاطر في المستقبل؛ فالإحساس بالألم أمر ضروري لتجنب الخطر وهو يشبه كثيراً الشعور بالخوف الذي يمنعنا من الدخول في المناطق المظلمة والموحشة. ومثلما هو الحال في الألم الجسدي، فإن الرسائل التي يتسلمها الدماغ والتي ترتبط بالتجارب النفسية المؤلمة، تشكل جرس إنذار مهما وتحذيرا بأن الأمور ليست على ما يرام وبأن هناك خطرا ما يتهددنا، يستوجب معه التحرك السريع لحماية مشاعرنا من أن يصيبها أي شرخ أو كسر، بيد أن الكسور النفسية أشد ألماً من كسور الجسد، وفي أغلب الحالات يصعب جبرها! كاتبة عراقيةنهى الصراف

مشاركة :