أنقرة وطهران … هل أصبح الأمن قاطرة للتقارب؟

  • 8/27/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حسين باقري ونظيره التركي خلوصي أكار باكو (أذربيجان): أحمد طاهر** لم يسبق أن قام أحد رؤساء أركان القوات المسلحة الإيرانية السابقين بزيارة إلى الخارج منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. * من المتوقع أن تشهد العلاقات العسكرية بفضل هذه الزيارة نقلة نوعية قد تترتب عليها الكثير من النتائج بشأن التنسيق الأمني والعسكري حيال بعض القضايا الإقليمية. * في ضوء التقارب التركي الإيراني اقتصادياً وأمنياً، إلا أن التباينات السياسية بين البلدين في سوريا والعراق، تمثل عائقاً أمام أي تعاون استراتيجي. فى الزيارة الأولى لرئيس الأركان الإيرانى محمد حسين باقري، إلى تركيا في منتصف أغسطس (آب) 2017 والتي استمرت ثلاثة أيام تلبيةً لدعوة نظيره التركي خلوصي أكار، التقى خلالها مع أربعة من كبار المسؤولين الاتراك، في مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، لبحث عدد من القضايا الثنائية والإقليمية المشتركة وخصوصاً الملفين السوري والعراقي، وهو ما أثار التساؤل بشأن انعكاسات تلك الزيارة على مستقبل علاقات البلدين؟ وما إذا كانت تمثل نقطة تحول مهمة وتاريخية بالنسبة للدولتين إذا ما تحركا معاً، أم إنها تأتي في إطار لحظي يواجه فيه البلدان تحديات كثيرة دفعتهما للتقارب الآني وسرعان ما تعود علاقاتهما إلى سابق طبيعتها التي تتسم بالتراوح بين الشد والجذب والتقارب والتباعد؟ بدايةً، تكتسب هذه الزيارة أهميتها من بُعدين: الأول، يتعلق بكونها الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول عسكري إيراني بهذا المستوى خارج البلاد، إذ إنه لم يسبق أن قام أحد من رؤساء أركان القوات المسلحة الإيرانية السابقين بزيارة إلى الخارج منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وهو ما يعكس مدى الأهمية الذي تمثلها هذه الزيارة إلى تركيا كونها الجهة الأولى التي تستقبل هذا المسؤول والذي عبر بجلاء عن أهميتها في تصريحه للتلفزيون الإيراني بقوله: «لم تحدث زيارات كهذه بين البلدين منذ وقت طويل ولكن بالنظر إلى التطورات الإقليمية والقضايا الأمنية فهناك حاجة لمثل هذه الزيارة». أما البعد الثاني فيتعلق بتوقيت الزيارة إذ جاءت في ظل متغيرات إقليمية كثيرة ومتنوعة، بعضها يرتبط بما جرى في العراق من انتصار على تنظيم داعش من ناحية، وبعضها الآخر يرتبط بالمستجدات على الساحة السورية في ظل توصل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة إلى هدنة لوقف إطلاق النار من ناحية ثانية، واستمرار الأزمة الخليجية (الرباعى العربي في مواجهة قطر الداعمة للإرهاب والتي حظيت بمساندة تركية وإيرانية) من ناحية ثالثة. وعلى هذا، تبرز أهمية تسليط الضوء على ما حملته هذه الزيارة من دلالات وما خلصت إليه من نتائج، ربما كثير منها لم يُكشف عنه، إلا أن القراءة التحليلية لتصريحات المسؤولين من الجانبين، قد تعطي مؤشرات عن مستقبل توجهات البلدين.الأمن قاطرة جديدة للتقارب التركي الإيراني فى خطوة قد يرى البعض أنها ليست جديدة في مسار العلاقات التركية الإيرانية التي ظلت تتراوح بين التقارب والتباعد نظراً لحجم المشكلات والتحديات التي تواجه هذا المسار، إذ سبق هذه الزيارة زيارات متبادلة لكبار المسؤولين من البلدين، إلا أن الجديد فيها أن التقارب الأمني والتعاون العسكري والمخابراتي اللذين ظلا ضعيفين في مسار علاقاتهما حسبما تقتضي الضرورة وفى أضيق الحدود إذ يقتصر على مجرد اجتماعات عسكريي البلدين لبحث قضايا أمن الحدود بما أبقى علاقاتهما العسكرية في مستوى العلاقات الرمزية، وذلك نظراً لتباين أولويات الأمن وخياراته الآيديولوجية لدى كل منهما. ولكن، من المتوقع أن تشهد علاقاتهما العسكرية بفضل هذه الزيارة نقلة نوعية قد تترتب عليها الكثير من النتائج بشأن التنسيق الأمني والعسكري حيال بعض القضايا الإقليمية التي تحظى باهتمام البلدين، يؤكد على ذلك أمران: الأول، أن هذه الزيارة ما كان لها أن تتم إلا بعد موافقة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وهو ما حرص على تأكيده رئيس الأركان الإيراني بقوله: «إن زيارتي لتركيا تمت بموافقة الزعيم الديني آية الله علي خامنئي»، ويعني ذلك أن التعاون العسكري الإيراني التركي دخل مرحلة جديدة، إذ كما هو معلوم في النظام السياسي الإيراني أن السلطات التي يملكها المرشد تظل نقطة التحرك الرئيسية لكافة سياسات النظام إلا أن حرص رئيس الأركان على الإدلاء بهذا التصريح يحمل رسالة للخارج مفادها أن التعاون الإيراني التركي لن يقتصر فقط على التعاون في المجالات العسكرية والأمنية والمخابراتية الرسمية، بل من الممكن أن يمتد إلى القطاعات الأمنية والعسكرية الخاضعة إلى سيطرة المرشد مباشرة كالحرس الثوري، يؤكد على ذلك أن الوفد ضم بين أعضائه قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري العميد باكبور. أما الأمر الثاني الذي يؤكد على أهمية هذه الزيارة ما كشفته تصريحات رئيس الأركان الإيراني بشأن ما تم الاتفاق عليه فيما يتعلق بالشؤون العسكرية والأمنية، وهو ما يمكن إجماله في عدة محاور على النحو التالى: – وضع أسس التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية. – القيام بنشاطات تدريبية مشتركة وتبادل الطلبة؛ إذ تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون التعليمي في المجال العسكري. – تبادل الزيارات بين أسطولي البلدين، مع إيفاد مراقبين من البلدين لحضور المناورات التي ستجرى في أي منهما. وإذا كان من المفهوم أن تشتمل هذه الزيارة على مباحثات في المجالات العسكرية والأمنية والمخابراتية، فإنه من غير المفهوم أن تمتد هذه المباحثات إلى ملفات سياسية تتعلق بقضايا المنطقة كالأزمة العراقية (الاستفتاء الكردي في سبتمبر/ أيلول القادم) والأزمة السورية، إلا إذا كانت هناك أبعاد عسكرية ومخابراتية من المنتظر أن يتم تنفيذها للتعامل مع المستجدات التي قد تطرأ على هذه الملفات، يدلل على ذلك ثلاثة مؤشرات: الأول، ما جاء على لسان رئيس الأركان بشأن الاستفتاء الكردي؛ إذ صرح بأنه: «بحث مع المسؤولين الأتراك موضوع الاستفتاء المزمع إجراؤه من قبل الإدارة الإقليمية الكردية العراقية بشأن الاستقلال… وفي حال إجراء مثل هذا الاستفتاء فإن ذلك سيُشكل بداية لتوتر جديد سيؤثر على دول الجوار. ولهذا فإن البلدين يصران على ضرورة عدم إجراء الاستفتاء المذكور ويعتبرانه أمراً غير ممكن». الثاني، ضم الوفد العسكري الإيراني كلاً من قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري العميد باكبور، وقائد شرطة الحدود العميد رضائي، وهو ما يعكس الاهتمام الذي يوليه الطرفان لقضية أمن الحدود في ظل محاربة الطرفين لتنظيم «البجاك» الذي يعد أحد التنظيمات المتفرعة عن حزب العمال الكردستاني. الثالث، استقبال تركيا عقب الزيارة لضيفين عسكريين على ذات القدر من الأهمية، وقد يفوقها وهما: رئيس الأركان العامة الروسي فاليري غيراسيموف، ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس. وعليه، نخلص إلى القول بأن ثمة ترتيبات عسكرية من المنتظر الإقدام عليها بشأن الملفين الرئيسيين محل التوافق بين البلدين، وهما: الملف الكردي ما بعد الاستفتاء، والملف السورى في ظل ما تحرزه وحدات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي التي تقود الهجوم على داعش في مدينة الرقة السورية والمدعومة أميركياً، ويدلل على ذلك ما جاء على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، عقب الزيارة في 18 أغسطس 2017 بأنه: «بالطبع فإن عملية عسكرية ضد المجموعات الإرهابية في تلك المنطقة (إدلب) أمر وارد دائماً، وتركيا تتخذ من جانبها إجراءات ضد العناصر الإرهابية على حدودها الجنوبية».الاقتصاد… القاطرة الدائمة للتوافق التركي الإيراني من غير مبالغة القول إنه إذا كان التعاون الأمني والعسكري يمثل قاطرة مستحدثة للتقارب التركي الإيراني بسبب التحولات التي تشهدها المنطقة وتقلباتها، فإن الاقتصاد سيظل هو المجال الأوحد الذي يحظى بالتوافق بينهما، إذ حرصتا على الاحتفاظ بعلاقات اقتصادية قوية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 8.4 مليار دولار خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2016، مستهدفة الوصول به إلى 30 مليار دولار، كما أعلن ذلك الرئيس التركي خلال زيارته لطهران عام 2016، وذلك من خلال تبني البلدين لحزمة من الإجراءات الهادفة إلى توسيع حجم علاقاتهما، ومن أبرزها: – البدء في إجراءات التبادل المصرفي بالعملتين المحليتين؛ حيث إن التعاون المصرفي يعد محرك الأنشطة التجارية والاقتصادية، أخذاً في الاعتبار أن المفاوضات لا تزال جارية في هذا الخصوص. – افتتاح تركيا مركزها التجاري الأول خارج البلاد في العاصمة الإيرانية طهران في مايو (أيار) 2017، وقد شارك في مراسم الافتتاح وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، الذي أكد في كلمته أن: «إيران وتركيا ليستا متنافستين بل يكمل بعضهما بعضاً». ويذكر أن المركز التجاري التركي، ليس شركة بيع بالتجزئة، وإنما موقع يتم فيه منح الوكالات التجارية وعمليات التصدير والبيع بالجملة، ويضم ما يزيد على 60 شركة تركية. وجدير بالإشارة أن فكرة المركز تمثل خطوة أولية تسعى من خلالها تركيا لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع إيران. نهاية القول إنه في ضوء التقارب التركي الإيراني في المجالين: الاقتصادي كورقة قائمة ومستمرة في علاقاتهما ولم تتأثر كثيرا بالتوترات التي تشوبها بين الحين والآخر، والأمني كورقة مستجدة تُسهم بدورها في تعزيز هذا التقارب، فضلا عما تشهده وتيرة الاتصالات المباشرة بين قيادات البلدين من سرعة وتعددية بما ساهم في تعميق هذا التقارب وتوسيع مجالاته، إلا أن التباينات في الملفات السياسية بين البلدين كما هو الحال في الأزمتين السورية والعراقية، تمثل عائقاً أمام دخول علاقاتهما إلى مرحلة التعاون الاستراتيجي، إذ من غير المنتظر أن يتحول هذا التغير الإيجابى في علاقاتهما وخصوصاً في شقها الأمني والعسكري إلى مسار تعاوني مستقبلي دائم ومستمر، فإذا كان صحيحاً أن الطرفين أبديا استعدادهما لاستيعاب مخاوف بعضهما البعض في الملفين السوري والعراقي، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن تقاربهما يمثل في حقيقته زواج مصلحة أكثر منه علاقة شراكة استراتيجية، وهو ما يرجعه البعض إلى ما لدى كل طرف من رؤية لمشروع سياسي يحقق طموحاته في استعادة مكانته الإقليمية، مستغلا تراجع أدوار الفواعل العربية الرئيسية التي كانت لها أدوار محفوظة فيما تواجه المنطقة العربية من تحديات ومخططات إقليمية ودولية تستهدف إعادة ترسيم حدودها وفقاً لمصالح كل طرف على حساب مصالح شعوبها، وهو ما أدركته الدول العربية الرئيسية في المنطقة، محاولة الأخذ بزمام الأمور للحفاظ على ما تبقى واستعادة ما ذهب، وذلك على غرار ما جرى أخيراً في الرباعية العربية (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) ضد أي دولة أيا كانت تساند أو تدعم أو تمول تنظيمات إرهابية تستهدف أمن واستقرار دول المنطقة، إذ إنه في ظل غياب هذه الرباعية العربية تصبح المنطقة ساحة فارغة أمام الفواعل الإقليمية (تركيا وإيران وإسرائيل) في تحقيق مكاسب على حساب دول المنطقة دون أدنى اعتبار لما يترتب على سياستها من وقوع ضحايا وخسائر بشرية ومادية، ولعل ما جرى أخيراً في الملف الفلسطيني والتجاوزات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى والموقف المشرف الذي اتخذته الرباعية العربية وخصوصا مصر والسعودية في هذا الملف يؤكد على صحة ما نخلص إليه من أن حماية أمن المنطقة والحفاظ على استقلالية وسيادة دولها مرهون باستعادة الدول الفاعلة لدورها في الذود عن حياض أراضيها ضد أية مخططات ترتسم من هذا الطرف أو ذاك بهدف بسط السيطرة أو الهيمنة على مقدرات المنطقة ومستقبلها. * باحث زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية أذربيجان. مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية بالقاهرة.

مشاركة :