رغم أن الأبواب كانت مفتوحة على بعضها البعض في مجتمعاتنا قبل عقود، إلا أن الناس كانت تحترم «خصوصيات» الآخرين، بل وصلوا لمرحلة اعتبروا فيها خصوصيات جيرانهم وأقاربهم وأصدقائهم من خصوصياتهم، ولا يجرؤ أحد أمامهم على التحدث عن فلان أو علان.كانت أسرار الناس في بيوتهم وحياتهم تمثل «تابو» من المحرمات كسره، ومن «قلة السنع» الولوج إليه، ومن «خوارم المروءة» التحدث فيه.لكن مع تقادم الزمن، ودخول وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المختلفة والمتنوعة، أصبح الإنسان يتنازل بملء إرادته عن خصوصياته، بات البشر يفتحون أبواب بيوتهم المغلقة سابقاً، ليعيش بداخلها أناس كثيرون يسبحون في الفضاء الافتراضي، ومع تحديث تطبيق «السناب شات» الأخير، أصبح بمقدورك وأنت نائم على «كنبة» الصالة في الحد أن ترى ماذا يفعل الناس في ألاسكا أو حتى القطب المتجمد الجنوبي.هذه نزعة فرضتها التكنولوجيا والتطور الزمني، رغم أن الخيار مازال كما السابق بيد الإنسان نفسه، هو الذي يسمح بأن يكسر «تابو» خصوصيته أو يبقيه على ما هو عليه.المشكلة في البعض الذين يعرضون تفاصيل حياتهم ليشاركهم فيها الآخرون، لكن يفاجئونك بردات فعل عنيفة وغاضبة لو تمادى أحدهم، لو أخذ يطلق الأحكام، أو تصرف بشكل فج، أو حاول التدخل، وحتى استغلال ما ينشرونه.هؤلاء لا يحق لهم الغضب، هم كمن يشرع أبواب بيته، ومن ثم يغضب ويلوم المجتمع وتصرفات أفراده إن دخل «لص» ما وسرق شيئاً. يا أخي أنت من تركت بابك مفتوحاً.لكن بعيداً عن انتهاكات الخصوصية الإلكترونية، والتي غالبها لا تتم قسراً، فالبضاعة هناك متاحة في العراء، ومن يريد سرقتها فلن يمنعه أحد. لكنني أتحدث عن الظاهرة الأساس التي قادت لكل ما يحصل إلكترونياً.في مجالسنا المتنوعة، تتباين أنواع البشر، هناك المحترم الراقي، وهناك المنحط الوضيع في أخلاقه، هناك من يفرض عليك احترامه وتقديره، وعلى النقيض هناك من يثير لديك الاشمئزاز والنفور لأخلاقه الساقطة، وأحاديثه التي تنهش في لحم وأعراض البشر.لعلكم كلكم صادفتم في حياتكم ولو مرة، إنساناً يجلس بين البشر ويبدأ بالحديث عن بشر آخرين، يتحدث عن حياة هذا وما يملك وما يشغله من منصب، ويتحدث عن سلوكيات ذاك ويحكم عليها، بل تكون الكارثة والمصيبة التي تحول مجالس بعض الرجال إلى «أعفن» مواقع الأرض، حينما يتم الحديث في الأعراض والشرف، ويتم إطلاق الشائعات والتسليم بها.من يبتعد عن مثل هذه الأوساط هو الرابح هنا، لست أتحدث مجتمعياً وإنسانياً فقط، بل قبلها أتحدث دينياً، فكونك مسلماً يفترض أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، ووجودك في مثل هذه المواقع إما أن تمنع المنكر، أو توقف مثل هؤلاء البشر عند حدودهم، وتذكرهم بأن لهم خصوصيات أيضاً، فما شعورهم لو طالهم من الناس أذى مماثل لما يقومون به؟!خذوها قاعدة، لا النمام يحب أن يقوم أحد بالنم عليه، ولا مطلق الشائعات يحب أن تطلق الشائعات عليه، ولا الخائض في حياة الآخرين المتلصص على سلوكياتهم يحب أن يكون في موقع الضحية، بالتالي لم النزول لمثل هذه المستويات البشرية الدنيا في لمز وغمز هذا وطعن ذاك والنيل من أولئك؟!حينما نقول إن علينا «الارتقاء» بأخلاقياتنا مثلما أمر بها ديننا، ومثلما تربينا عليها، ومثلما تحث عليه موروثاتنا، فإننا نتحدث عن رد فعل يجب أن يسود، لأن أفعال هذا الزمن وصلت من الوضاعة والانحطاط لدرجة أن خصوصيات الناس باتت تلاك في الألسن، منهم ممن عرضها علانية ليخوض فيها الآخرون، ومنها ممن كان ضحية لضعاف النفوس.رسولنا جاء ليتمم مكارم الأخلاق، أفلا نحرص على إتمامها اهتداء واقتداء به؟!
مشاركة :