«الحقيقة أرض بلا دروب. ليس بمقدور الإنسان أن يأتيها عبر أي تنظيم أو معتقد، أو شعيرة، ولا عبر أية معرفة فلسفية أو رياضة نفسانية. عليه أن يجدها عبر مرآة العلاقة، وفهم محتويات ذهنه هو، عبر الرصد وليس عبر التحليل الفكري أو التشريح الاستبطاني. فالحقيقة غير مقيَّدة، وإذا أراد الفكر أن يقاربها عليه أن يتحرر من قيوده ويخلع عنه جميع الأقنعة والهويات والأسماء التي يتستَّر بها». عبارات تأملية للفيلسوف الهندي جِدّو كريشنامورتي، تستقبلك في معرض جماعي بعنوان «ما وراء الحدود»، تنظمه مؤسسة صندوق الإيداع في الرباط. ينظم المعرض في إطار مشروع جديد للمؤسسة يهم الفكرة الجماعية «Pulsion»، وهدفه إبراز تألق فناني البحر الأبيض المتوسط، وهو مبادرة مفتوحة لجميع المبدعين سواء من داخل المغرب أو خارجه. ويضم أعمال خمسة فنانين من آفاق متعددة، هم عبداللطيف حبيب (المغرب- فرنسا)، فريدي بنيكو (فرنسا)، لور كيروز (لبنان)، ماسيمو دي أنجيليني (إيطاليا) ومحمد حجحوج (المغرب). اللبنانية المقيمة في إيطاليا لور كيروز التي تدرّس اليوم اللغة العربية في جامعة ترييستي، وتستعد للحصول على درجة الدكتوراه في الأدب في جامعة نوفا جوريكا في سلوفينيا، عنونت مشاركتها «رؤية متعددة الثقافات»، وعززتها بأعمال فنية مختلفة، تنهل من واقع لبنان. فيلامس عملها الأول طريق الشرق الذي تراه عبارة عن «تخيلات البحر الأبيض المتوسط، من خلال الأدب، الفن والثقافة»، وخلال درسها جذور الشرق والرابط بين جزيرة مالطا ولبنان، كان السؤال الكبير عن البحر اليوم وعن المهاجرين اليوم من بلاد المشرق، مطلع الشمس، التسمية التي أعطيت للحضارات القديمة المجاورة للبنان. واقتبس هذا الاسم «طريق» من اللغة المالطية Tariq l’orient وبالكتابة اللاتينية، فالطريق إلى الشرق اليوم وفقها لم تعد البحث عن الحقيقة أو الغوص في الإبحار صوب بلاد المشرق، بل الواقع اليومي المر لمن يهرب من الحرب أو يحلم بركوب البحر للبـحث عن مستقبل أفضل وتحقيق أحلامه. وعلقت كيروز من خلال عملها الفني الثاني على الصمت الرهيب تجاه الاطفال الذين يلفظهم البحر جثثهم، بقولها إن «جسد الطفل» يغسله البحر بعدما ابتعله مئة مرة. وتحدثت عن وجع افتراق الأطفال عن الأمهات. «هذا الصمت الذي يدفن الشوق، يدفن الغضب، وينتهي بالسؤال عن غفوة أطفال الأبرياء، كيف يمكن أن يغفوا في البحر... ناموا نومة الملائكة، نومة الغضب». أما العمل الفني الثالث الذي شاركت به في المعرض، فهو عمل فوتوغرافي- توثيقي لكتابة كلمات من قصيدة للفنانة باللغة العربية، نفّذ في مواقع وأمكنة عدة. ويضم كلمة «المحبة» التي كتبت من خلال تصوير فيلم «عرس قانا» الذي سيصدر قريبا مع المخرجة مورينا كامبانيك، فيما الجملة الثانية التي يتضمنها العمل الفوتوغرافي هي :»Piave حنان لامتناهٍ» وصوّر في بشري في شمال لبنان. وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير دينا ناصيري: «من خلال ربط الحوار مع هذه المجموعة الفنية، تفتح المؤسسة فضائها التعبيري للفنانين المغاربة الذين يعيشون ويعملون في المغرب والخارج، وتنفتح أيضاً على تجارب الفنانين الأجانب من أجل تسليط الضوء على الرؤية العالمية للفن، بعيداً من ما وراء الحدود، وكل الانتماءات والمعتقدات، والنظريات المفاهيمية. فهذه الأعمال لخمسة فنانين من أربع جنسيات، اللبنانية والإيطالية والفرنسية والمغربية، مع تأثير البحر الأبيض المتوسط فيها، هي لمحات فنية تعبيرية عن أحاسيسهم وأفكارهم ومشاعرهم الفنية». ويوضح عبداللطيف حبيب المكلف بالمشروع الدولي الجماعي، وهو أحد المشاركين في المعرض، أن «أعمال الفنانين تظل في حاجة إلى درس وتأمل، فهناك حاجة إلى رؤية ما وراء الاختلافات في اللغة البصرية التي يعمل بها المشاركون واستخدامهم مواد مختلفة. ويطمح المشروع الدولي إلى أن تستجيب مختلف التخصصات والخلفيات والجنسيات لأي دعوة من أحد مؤسسي المبادرة الدولية الفنية».
مشاركة :