في ظروف عادية هادئة التفت رئيس مصر حوله فلم يجد سوى إخوانه: رئيس وزراء مجهول، وزير عدل من حزب العدالة لا من أهلها، وزراء يأتمرون برؤية الحزب ومرارات 80 عاما ولا يعرفون الكثير عن أمور الآن ومعاني الحاضر والمستقبل. المفارقة أن العسكر وهم في أحلك الساعات وأدقها، اختاروا أرفع القضاة للرئاسة المؤقتة، وانتقوا لرئاسة الوزراء أحد أبرز أهل الاقتصاد والعلم. ومن أجل صورة مصر الخارجية كدولة قانون والتزامات ومواثيق جاءوا بالدكتور محمد البرادعي، ذي الصفة العالمية والسمعة المشهودة. توقف الجيش، على الرغم من حرج اللحظات وسرعتها، عند رضا المصريين وعند مستوى الكفاءة والمؤهلات، فيما اختار الحزب «المدني» ممن يرضى هو بهم، مكررا صورة الفشل، مصرا على مظاهر التحامل والمحسوبية والخواء. أخذ من الديمقراطية أنها الفوز، ومن الحكم أنه الاستحكام، ومن القانون إبعاد القضاة وطردهم ومحاصرة دور المحاكم. رفض حسني مبارك أن يغادر، على الرغم من معرفته أن الثورات لا ترحم والحرائق لا تنتقي، فالمهم أولا وأخيرا هو مصر. لكن لمحمد مرسي أولويات كثيرة، حاكما ومعزولا. وفي الإمكان إحراق مصر ولو كانت شرعيته ممزوجة بالخراب والموت والرماد. لقد فضح محمد مرسي سرا أو وهما سيطر علينا جميعا، وهو أن الإخوان هم الأكثر تنظيما والأكثر شعبية. وإذ الحقيقة أن المصريين هم الأكثر شجاعة، وأن مصر وحدها هي الأكثر شعبية وحبا. الشعوب كالأفراد تصاب بغش قصير، ثم تعود إلى الوعي، كما كتب توفيق الحكيم في تأمله لسبعة آلاف سنة من مصر. استعان الجيش باثنين من أبرز رموز الحياة المدنية: الببلاوي والبرادعي. كلاهما جاء من مواقع دولية. كان رد فعل الأول على احتراق مصر شجاعا ونبيلا. تحول العالم المسالم إلى مقاتل في الصف الأول، دفاعا عن مُثله وماضيه. رأى مصر تنهار فرفض أن يتخلى عنها في أصعب لحظاتها. شعرنا جميعا وكأننا لم نعرف ولا نعرف أبدا الرجل الذي كان مثلنا دبلوماسية وتمهلا، فإذا به في لحظة المواجهة يتقدم العسكريين وليس يلحق بهم. الموقف قبل شجاعة الشجعان. وهذا ما تحتاجه مصر في هذا المفترق العصيب بين من لا يعنيه ترابها ومن لا يريدها رمادا. الصمت ليس للمحبين. ومصر في حاجة إلى محبيها في حياتها وعزها وليس في عزائها والجنون الذي تنشره غفلة العوز. وقفة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى جانب مصر المحاصرة لم تكن دبلوماسية ولا سياسية، كانت هبة فارس لنصرة نبيل مستهدف في نبله وفي عراقته. لا يمكن ترك مصر للعب الهواة، داخليين وخارجيين. وليس هناك وقت لانتظار صحوة الكبار أو الصغار سواء من وسن التردد أو من خمرة الأدوار المفضية أبدا إلى كوارث الأمة.
مشاركة :