المسكوت عنه في الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

مثّل الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى لحظة تحوّل فارقة في تاريخ المنطقة، بحيث فتح آفاقاً للتعاون الإقليمي بين واشنطن وطهران، حتى ولو لم ينص على ذلك صراحة. ويتجاوز المسكوت عنه في نص الاتفاق في أهميته التفاصيل التقنية والقانونية، ليطول تعاوناً إقليمياً أميركياً ـــ إيرانياً، كان من المحتمل جدّاً أن يغيّر وجه التوازنات والخرائط في المنطقة في حال استمرار أوباما في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض. والواقع أن إيران لم تعارض جذرياً المصالح الأميركية في المنطقة طيلة الفترة الماضية، بقدر ما عارضت نسق هذه المصالح وموقع إيران منها. وإذ حمل الاتفاق مكاسب متبادلة للطرفين الغربي والإيراني، فقد ضمن الغرب أن برنامج إيران النووي لن يتحوّل إلى طابع عسكري. وفي المقابل، حصلت إيران على شرعية الشراكة في حل المشاكل الإقليمية، وهو الثمن الذي سعت إليه في العقد الماضي بشدة، بمزيج مدهش من المناورة والمداورة والنفاذ من الثغرات، بالسلاح تارة وبالابتسامات تارة أخرى؛ بمعنى آخر أن حل الملف النووي كان يفترض أن يشجع الطرفين على التعاون الإقليمي، وأن يعترف لإيران بدور كبير في هذا الإطار، وهو جوهر المسكوت عنه في الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب. من جهته، تعهّد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بما لا يستطيع الوفاء به وحده، أي رفع كامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ومن المعلوم أن الرئيس الأميركي يستطيع رفع العقوبات التي تخص البيت الأبيض أو الحكومة بقرار منفرد منه، ولكنه لا يستطيع فعل ذلك مع العقوبات التي أقرها الكونغرس في هذا الشأن. هناك تحديداً، أي في الكونغرس، ستسعى الإدارة الحالية بقيادة دونالد ترامب إلى إجهاض الاتفاق عبر تعليق الالتزامات الأميركية الواردة في نص الاتفاق. ربما يبدو للوهلة الأولى أن التلويح بعقوبات جديدة والتصعيد الكلامي والدبلوماسي مع إيران كما يفعل دونالد ترامب منذ وصوله إلى السلطة غير كاف لتغيير سلوك طهران الإقليمي، ولكن هذا التلويح وذلك التصعيد يمنعان موضوعياً تعاونا إقليميا بين واشنطن وطهران، وهو جائزة إيران الأهم من اتفاقها النووي مع الغرب. بمعنى أن الاتفاق النووي مع إيران لم ينص حسب نصه على التعاون الإقليمي بين واشنطن وطهران، ولكن المعنى الكامن في بطن الاتفاق هو صعود إيران دولياً؛ لتصبح شريكاً لواشنطن في حل قضايا المنطقة؛ وبالتالي تقنين وشرعنة حضورها الإقليمي الذي راكمته في السنوات الماضية. المسكوت عنه في نص الاتفاق النووي هو بالتحديد ما أثار حفيظة الدول العربية، وليس ما هو وارد في النص، والذي يمنع إيران راهناً أو مستقبلاً من امتلاك السلاح النووي. بمعنى أن التفاهم الأميركي ـــ الإيراني المعزّز بنص الاتفاق، وبتلاقي مصالح الطرفين الجيو ــــ سياسية في الشرق الأوسط، كان سيمنح طهران هامشاً أكبر لتوسيع نفوذها الإقليمي تحت مظلة التفاهم مع واشنطن ويجعلها شريكة في رسم خريطة التوازنات الجديدة في المنطقة. من هنا، فإن تصعيد إدارة ترامب دبلوماسياً وإعلامياً ضد طهران ــــ حتى مع عدم كفايته لتغيير سلوك طهران الإقليمي ــــ ينتزع ما أرادت إيران الوصول إليه عبر توقيع الاتفاق، وهي الرسالة الأهم التي أوصلتها إدارة ترامب إلى إيران منذ تنصيب الرئيس الأميركي. قد لا يبدو الرئيس الأميركي الجديد مقنعاً لكثيرين حول العالم، وقد تكون إمكانات الرئيس الأميركي مقيدة نوعاً ما في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لأنه اتفاق دولي متعدد الأطراف وليس اتفاقاً أميركيا ــــ إيرانياً ثنائياً، إلا أن التصعيد الذي يقوم به في مواجهة إيران والامتناع عن التعاون الإقليمي معها يعطلان بشدة المسكوت عنه في نص الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.د. مصطفى اللباد

مشاركة :