شهدت السينما في الوطن العربي تطوراً كبيراً في طرح شخصية المريض النفسي مهما كان المرض المصاب به، حيث نجد صناع السينما أكثر اهتماماً من السابق في مناقشة الأمراض النفسية عبر الأفلام والتعمق في تعقيداتها وتفاصيلها لإشباع فضول المشاهد قدر الإمكان، بينما ما زالت الدراما التلفزيونية أبعد ما يكون عن الدقة في التعاطي مع شخصيات أبطالها من المرضى النفسيين. في الوقت نفسه، يتعامل صناع الدراما في الخارج بكثير من الحذر مع الأعمال التي تتناول مرضاً نفسياً معيناً، ولذلك فعدد هذه الأعمال قليل جداً مقارنةً بعدد ذات الأعمال الدرامية في الوطن العربي، حيث باتت هذه الشخصيات هي الأكثر جذباً لكتاب السيناريو ولذلك فالأعمال المركبة والمعقدة نفسياً هي الأكثر تواجداً على الساحة في المواسم المزدحمة كموسم دراما رمضان على سبيل المثال. وعلى الرغم من كثرة تناول الدراما العربية للأمراض النفسية واعتمادها بشكل مباشر عند رسم ملامح شخصيات أبطالها لإعطائها طابعاً مركباً أو معقداً إلا أنها ما زالت تقع في نفس الأخطاء عاماً بعد الآخر، حيث يشير أخصائيو الطب النفسي إلى أن إقصاءهم عن الإشراف المباشر على هذه الأعمال هو السبب خلف تكرر الأخطاء، والدليل على صحة قولهم أنه لم يظهر يوماً على "تتر" أي عمل اسم أي دكتور نفسي يقوم على الإشراف والتدقيق. غياب المحاسبة القانونية من قبل النقابات الفنية في حالة غياب الإشراف الطبي على الطرح الدرامي للمرض هو ما فتح الباب لكثرة تناول هذه الأمراض عبر الدراما مع تكرار الوقوع في نفس الأخطاء، حيث تغيب الاحترافية في طرحها والسبب ثقة صناع الدراما بغياب العقوبة في حال تم التطرق لأي مرض نفسي دون حرص واجتهاد وهدف كما يحدث في الخارج، حيث نجد كل صناع الدراما والسينما هناك معرضين لأي محاسبة قد تجبر أحدهم على دفع تعويضات بالملايين على سبيل المثال لأحد المرضى النفسيين في حال مقاضاته أسرة عمل طرحوا مرضه النفسي دون التأكد من سلامة مسماه الطبي أو أعراضه أو سلوكياته، ما يجعلهم أكثر حرصاً وجدية في التعاطي مع هذا النوع من الأمراض والشخصيات. ومن جهة أخرى لا يمكن تجاهل الدور الإيجابي الكبير الذي لعبته الدراما العربية في الفصل بين المرض النفسي وضحايا الدجل والشعوذة، فهذا على سبيل المثال مفهوم خاطئ كان منتشراً ولكنه اليوم بات من الماضي، كما أن الدراما العربية أسهمت بشكل كبير في تقبل المجتمع لحقيقة وجود المريض النفسي وخلقت فضولاً لدى المشاهدين حتى يقرؤوا أكثر عن الأمراض النفسية وأعراض كل منها وطريقة التعاطي مع المصابين بها، ولكنها في المقابل ما زالت تقع في أخطاء لابد أن تتوقف عن الوقوع بها، كالخلط بين المرض العقلي والمرض النفسي والإصرار على التعامل مع الحالتين وكأنهما أمر واحد. في السينما الأمر مختلف بصورة كبيرة، فالمشكلة التي تعاني منها الدراما فيما يخص الأعمال التي تتناول مرضاً نفسياً معيناً لم تعد موجودة في السينما، وصناع الأفلام أكثر حرصاً على تناول المرض النفسي كما هو بأكبر نسبة ممكنة، وقد يكون سبب ذلك الفرق في المدة الزمنية لعرض كل منهما، فالجهد الذي يتطلبه عمل مدته ساعتان أو ساعة ونصف معقول مقارنةً بعمل من ثلاثين حلقة يتطلب مجهوداً لا يحبذه أشخاص كل همهم ملء الفراغات وفرد الساعات وتعبئة الهواء للتربح المادي فقط.
مشاركة :