الواقعية والمثالية في الفكر السياسي الإسلامي

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الغرض الرئيسي من الفكر السياسي الإسلامي هو تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد الأمة وفقاً للمفهوم الإسلامي للعدالة. وقد وضع علماء المسلمين نظريات ومناهج محددة لتحقيق هذا الهدف. في هذا النص، أود أن أنأقش بإيجاز بعض جوانب كلا النهجين (الواقعية والمثالية). بادئ ذي بدء، ينبغي أن يكون واضحاً أن الفلسفة السياسية الإسلامية بشكل عام تعتبر من الفلسفات ذات الطابع العملي، وهذا بدوره ناجم عن المنهج التطبيقي العملي للدين الإسلامي ككل. وقد وضع علماء المسلمين من أمثال الماوردي، وابن تيمية، وابن حزم، والأزرق، من بين أمور أخرى، وجهة النظر الواقعية هذه في الفقه السياسي الإسلامي. الماوردي يمثل مذهب الواقعية في الفكر السياسي الإسلامي، تعريفه وفهمه للخلافة كمؤسسة دينية واجتماعية على سبيل المثال، كافية لمعرفة تفكيره السياسي الواقعي؛ حيث يعتبر بحق مؤسس الفكر السياسي الإسلامي السّنّي، خاصة من خلال مؤلفه الهام، الأحكام السلطانية. عالم إسلامي واقعي آخر هو ابن حزم، مثله مثل الماوردي، يمثل نظرة واقعية للوضع السياسي في غرب العالم الإسلامي: الأندلس. بشكل عام، لم تكن آراء ابن حزم السياسية بعيدة عن الفهم السّنّي العام (لكونه ظاهري المذهب) للمؤسسات السياسية في الإسلام، وخصوصاً الخلافة. عانى ابن حزم من الاضطهاد السياسي، كما كان متحسراً جداً من الواقع السياسي المتشتت الفاسد المنتشر بين الحكام المسلمين في الأندلس، وخاصة بعد سقوط الحكم الأموي حيث حاول جاهداً تصحيح الوضع السياسي القائم والعودة إلى زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين. ومع ذلك، كانت ردود فعله ومحاولاته هذه عن إحداث تغيير سياسي محتمل قد ذهبت هباءً منثوراً. كان ابن حزم واقعياً في تشخيص المشاكل الاجتماعية والسياسية للمجتمع، وبذل جهداً كبيراً لحل ما يمكن حله. وكان مؤيداً للحكم الأموي في الأندلس ويرى فيه الخلف الصالح لإقامة خلافة إسلامية في الأندلس؛ حيث كان يرى أن ذلك الفساد وتلك الانقسامات قد ساهمت بشكل كبير في إعطاء العدو (الملوك المسيحيين في الشمال) الفرصة لمهاجمة الأندلس. هنا أود الإشارة إلى أنه من الأهمية بمكان، عند دراسة وتحليل الإنتاج الفكري لابن حزم، يجب فهم السياق التاريخي والحالات الشخصية والصعوبات التي واجهها في حياته بطرق عديدة. بعد هذا الاعتبار، نستطيع أن نفهم وأن لا نندهش عند قراءة نصوصه المختلفة لا سيما انتقاداته للجالية اليهودية في الأندلس، وكيف كان لها امتيازات من الحكام الفاسدين بنظره. يمكن للمرء أن يقول إذاً: إن الماوردي في الشرق، وابن حزم في الغرب، قد مثّلا الواقعية السياسية في التفكير اللاهوتي الإسلامي خير تمثيل. الآن، وبهذا الصدد، أود مناقشة الفرق الرئيسي بين الواقعية السياسية في الإسلام والغرب المسيحي في ذلك السياق التاريخي. ونحن جميعاً نعرف إلى حد ما كتاب الأمير لمكيافيلي إذ استند عند كتابة مؤلفه الشهير على التجارب التاريخية الغربية؛ ليقدم بعض النصائح والإرشادات في العمل السياسي الإداري للأمراء الطليان عندما كانت مقسمة آنذاك وتغوص في بحور من الفساد السياسي والتفكك. شعوره بإصلاح ما يمكن إصلاحه لم يختلف عن شعور ابن حزم في السياق الأندلسي. لقد أصاب ماكيافيلي عندما اعتمد الواقعية السياسية لإصلاح البيت الإيطالي، ولكنه أخطأ باعتماده واقعية فاقدة للقيمة الأخلاقية. عبارته الشهيرة: الغاية تبرر الوسيلة، تعتبر ملغاة من وجهة نظر الأخلاق السياسية. في الحالة الإسلامية، الواقعية السياسية تستند على المبررات الدينية والأخلاقية. من وجهة نظر الأخلاق الإسلامية، يجب أن تكون الوسيلة نزيهة وأخلاقية بقدر ما تكون الغاية نفسها كذلك، وبالتالي المفهوم الميكافيلي مرفوض من زاوية الفكر السياسي الأخلاقي. الجانب الآخر الذي أود الحديث عنه بخصوص الفكر السياسي الإسلامي هي المثالية، بداية إن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على ثراء الفكر السياسي الإسلامي ليشمل الجانبين الواقعي والمثالي. المثالية تجلَّت في الفلسفة الإسلامية من خلال الفارابي الذي يعتبر بحق مؤسس الفلسفة السياسية الإسلامية المثالية، أو بالأحرى الأفتراضية. لقد تأثر الفارابي بأفلاطون كثيراً حتى إنه كتب مدينته (المدينة الفاضلة) على غرار جمهوريته. محور الفلسفة اليونانية القديمة كان يدور حول سعادة الإنسان بينما الغرض الأساسي للفكر السياسي الإسلامي هو تحقيق العدالة الشاملة من خلال حكومة راشدة. وهذا هو باختصار جوهر الخلاف بين الفكرين السياسي الإسلامي واليوناني في ذلك السياق التاريخي القديم. مثال آخر عن المثالية السياسية الإسلامية يتجلّى في حالة الطرطوسي من خلال كتابه الشهير سراج الملوك. لقد اعتمد الطرطوسي في كتابه هذا على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، بالإضافة إلى تجارب تاريخية من أمم أخرى كالإغريق والفرس والهنود ليقدم بها جملة من النصائح للسلاطين والأمراء في السياسة والتنظيم الإداري للحكومات لتطبيقها في إماراتهم وممالكهم. كتاب سراج الملوك للطرطوسي يمكن مقارنته بكتب التراث السياسي الغربي في فصل مرايا الأمراء. المشكل في منهج الطرطوسي هذا هو أنه يأخذ بتجارب سياسية من سياقات سياسية ودينية وثقافية مختلفة ومتباينة كثيراً وكله ثقة بأن منهجه هذا صالح لكل زمان ومكان دون الأخذ بالاعتبار الخصائص المتميزة التي تميز كل سياق وتجربة عن سابقتها، وبالتالي ليس من الضروري اعتبار أنه كان صالحاً للتجربة الإسلامية الأندلسية. على أية حال، كتاب الطرطوسي لا يزال يملك بعض الصلاحية في مجال المطالعة والمشورة السياسية والاستفادة من دروس الماضي إجمالاً. ختاماً، تبدو الواقعية والمثالية وكيفية التعامل مع المواقف في الفكر السياسي الإسلامي جلية وواضحة إلى وقتنا الحاضر. لقد بدا واضحاً كيف تعاملت دولة قطر بدبلوماسية واقعية رزينة وهادئة مع الموقف في حين سبحت دول الحصار في بحور المثالية عبر مطالب غير واقعية ما لبثت أن أُلغيت بعد الكشف عن محاولات من الشقيقة الكبرى من التقرب لإيران؛ حيث كان يعتبر هذا المطلب الأول. هذا المطلب يُلغي المطالب التسعة الباقية التي على شاكلة لعبة الدومينو، إن سقطت الأولى تتوالى من بعدها الأخرى في السقوط تباعاً في أغلب الأحوال. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :