يتميز الفكر الفلسفي السياسي عند اليونان والرومان بقدر كبير من المثالية التي لا تعني الخيال أو التحليق في السماء، من أجل أفكار خيالية أو وهمية، يحلم الفلاسفة بتطبيقها على الأرض، كما يشاع عنهم خطأ؛ بل المثالية التي تعني محاولة تحقيق الكمال على الأرض بقدر المستطاع؛ لأن الفلاسفة بطبيعة الحال كان لا يروق لهم الفكر السياسي التقليدي أو النمطي، الذي تدور في فلكه النظم السياسية والدساتير القائمة والمعمول بها في مدنهم، فمما لا شك فيه أن فلاسفة اليونان والرومان يتصفون بالمثالية فيما عرضوه من أفكار سياسية بغض النظر عن التفاوت الكبير بين نظرياتهم وأفكارهم، فلا يختلف أفلاطون في السعي إلى المثالية عن أرسطو إلا في الوسائل، ولا يختلف عنهما الرواقيون والإبيقوريون والكلبيون، إلا في الوسائل أيضاً. ويغطي هذا العمل الضخم الصادرة ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، تحت عنوان «الفكر السياسي عند اليونان والرومان»، جميع النظريات الفلسفية السياسية في الحضارتين اليونانية والرومانية، دون التركيز على سقراط وأفلاطون وأرسطو والمدارس الهللينستية الكبرى، لا سيما الرواقية والإبيقورية؛ بل يفتش أيضاً عن الفكر السياسي في كل مكان، فالفصل الخامس الذي يتناول الفكر السياسي عند ديموقريطوس على سبيل المثال، يبذل فيه كاتبه جهداً كبيراً من خلال دراسة شذرات ديموقريطوس في إثبات أن هذا الفيلسوف الذي كان من بين الطبيعيين الأوائل عند اليونان، والذي لا يعرف عنه سوى أنه رائد المذهب الذري في الفلسفة، وصاحب فكر سياسي لا يستهان به، كما كان ملهماً لأرسطو في هذا المجال، ولا نعرف ماذا يمكن أن يحدث لو اتسعت الشذرات عن ذلك، أو وصلنا مؤلف كان من مؤلفات ديموقريطوس.
مشاركة :