بيروت – فايزة دياب: * شركاء النظام السوري في لبنان لم ينتظروا يوماً تفويضاً أو قراراً من سلطة تنفيذية أو تشريعية، لزيارة سوريا. * فايد: العلاقة بين لبنان وسوريا مجمدة وهناك قرار لبناني بعدم تغييرها لا إلى الأفضل ولا إلى الأسوأ. * أي طرح لعودة العلاقات مع النظام السوري سيخلق معارضةً شعبية ورسمية كبيرة لن تسمح بتشريع هذه العلاقة. بعد أشهر معدودة على اندلاع الثورة السورية في 2011، تمكّنت قوى الثامن من آذار من تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. حكومة أطلق عليها معارضوها آنذاك تسمية حكومة اللون الواحد و«حزب الله» والقمصان السود، بعدما أطاح فريق الثامن من آذار بحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى وأرهبوا النواب عبر احتلال بيروت برجال القمصان السود. هذه الحكومة انتهجت حينها سياسة «النأي بالنفس» كسياسة عامة للحكومة في المحافل العربية والدولية، لتحييد لبنان قدر الإمكان عن الأزمة السورية. وعلى الرغم من أنّ المكون الأساسي للحكومة التي ابتدعت سياسة «النأي بالنفس» هو «حزب الله»، فإنه الأول الذي خرق هذه السياسة عبر تدخله العسكري العلني إلى جانب النظام في الحرب السورية، وبعد ست سنوات قرّر الفريق نفسه أن يخرق جدار التفاهم والاستقرار في حكومة «الوحدة الوطنية» التي استمرت في انتهاج سياسة «النأي بالنفس» في بيانها الوزاري تفادياً للتصادم داخل الحكومة، هذا الخرق سجّله وزراء «حزب الله» وحلفائه عندما طرحوا زيارة بعض الوزراء إلى سوريا بصفة رسمية وبتكليف من الحكومة اللبنانية. هذا الطرح خلق جدلاً داخل مجلس الوزراء، إلا أنه حسم عندما قام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بشطب بند زيارة بعض الوزراء إلى سوريا عن جدول أعمال مجلس الوزراء. انتهى الجدل داخل أروقة السراي الحكومي لينتقل إلى وسائل الاعلام عبر تصريحات الوزراء ونواب الفريقين الموالي والمعارض للزيارة. لم يعطِ مجلس الوزراء الصفة الرسمية لهذه الزيارة إلا أن ثلاثة وزراء من الحكومة تابعين لـ«حزب الله» وحركة أمل وتيار المردة ذهبوا إلى دمشق مدّعين أنّ زيارتهم رسمية بصفتهم وزراء.معين المرعبي تعبيد طريق بيروت – دمشق ليس بجديد على هؤلاء فهم لم يتوقفوا يوماً عن زيارة أولياء نعمتهم في دمشق على الرغم من اختلال العلاقة بين بيروت ودمشق في أكثر من مفترق، خصوصاً بعد انتهاء زمن الوصاية السورية على لبنان واتهام دمشق باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وعمليات اغتيال متتالية طالت مسؤولين مناهضين للنظام السوري في بيروت. شركاء النظام السوري في لبنان لم ينتظروا يوماً تفويضاً أو قراراً من سلطة تنفيذية أو تشريعية، لزيارة سوريا؛ فلماذا قرروا في هذا التوقيت بالذات طرح هذه القضية الخلافية على طاولة مجلس الوزراء؟ وهل سيشهد لبنان تطبيعاً للعلاقات مع النظام السوري قبل تبلور الصورة في دمشق والوصول إلى حلّ سياسي؟ وزير الدولة في الحكومة اللبنانية معين المرعبي جزم في حديث لـ«المجلة» أنّ «الحكومة اللبنانية لا يمكن أن تتعامل مع نظام مجرم وقاتل»، وأضاف: «ذهاب الوزراء الثلاثة إلى سوريا قرار فردي وليس قراراً حكومياً، لأن أي زيارة رسمية لأي وزير تحتاج إلى تكليف من مجلس الوزراء لذلك فإن ادعاءهم بأنّ زيارتهم رسمية بصفتهم وزراء هي ادعاءات باطلة، فمجلس الوزراء لم يكلف أحداً في هذا الشأن». وتابع: «هذا الموضوع أخذ أكثر من حجمه، خصوصاً أنّ الهدف مما فعله وزراء الثامن من آذار واضح، وكأنّ النظام السوري يستجدي العلاقات مع الحكومة اللبنانية ليكتسب شرعية ما أمام المجتمع الدولي… ولكن ذاكرة اللبنانيين ما زالت حتى اليوم مليئة بالصور والمشاهد للخراب الذي تسبب فيه النظام السوري من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إضافة إلى الشهداء الذين اغتيلوا وقتلوا وعذبوا على يد النظام السوري، لذلك فإن تطبيع العلاقات مع النظام مستحيل، فهناك معارضة شعبية لبنانية كبيرة لهذا الأمر، إضافة إلى أنه لا مصلحة للبنان لا اقتصادية ولا سياسية في هذه العلاقة».راشد فايد بدوره رأى عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل والكاتب السياسي راشد فايد في حديث لـ«المجلة» أنّ «سياسة النأي بالنفس ولدت ميتة فهي نظرية تبنتها حكومة الرئيس ميقاتي ولم تطبقها، بدليل أن (حزب الله) ذهب ليقاتل في سوريا، على الرغم من أنّه كان شريكاً أساسياً في هذه الحكومة. وبالنسبة لزيارات نواب ووزراء من قوى الثامن من آذار إلى سوريا فهي لم تنقطع يوماً، ولكن من الواضح أنّ المطلوب الآن هو الإعلان عن هذا الأمر، فنحن في لحظة تتحضر فيها الأطراف المعنية بالأزمة السورية، أي المعارضة بمنصاتها الثلاث (الرياض والقاهرة وإسطنبول) للمشاركة بحوار مع النظام السوري لأجل وضع خطة خروج من الحرب، هذه الخطة يبت بها الأميركيون والروس وتركيا، إيران خارج النقاش، حتى النظام يشارك بوفد يمثله، لذلك فإن الكلام عن الزيارات هو تأكيد على هيمنة إيران على قرار (حزب الله)، وبالتالي إعطاء إيران قوة لفرض حضروها في التفاوض حول تحديد مراحل إنهاء الحرب السورية، والتحضير للمرحلة الانتقالية للحكم». وتابع فايد: «الضغط من قبل (حزب الله) باتجاه الإقرار بالعلاقة اللبنانية مع النظام السوري هو ضمناً إقرار بالدور الإيراني في الملف السوري والدور الإيراني على الحدود السورية مع لبنان، لذلك طرح موضوع الزيارات في مجلس الوزراء للإعلان وبالتالي إحراج الحكومة، على الرغم من أنهم يعلمون أنّ الحكومة لا يمكن أن توافق على هذه الزيارة وأن تضفي عليها الصفة الرسمية، وأيضاً هم على علم أنهم لم يحققوا أي اهتزاز للاستقرار الذي تتمتع به الحكومة، وأيضاً على الرغم من تصريحاتهم عن مصالح اقتصادية بين البلدين فإنهم لن يحرجوا الحكومة بتوقيع اتفاقات مع النظام السوري والوزارات السورية، فهم يعلمون أن من صلاحيات رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء عدم إقرار هذه الاتفاقات، وعدم وضعها من الأساس على جدول أعمال مجلس الوزراء». وعن علاقة لبنان بالنظام السوري قال فايد: «العلاقة بين لبنان وسوريا، ليست علاقة مقطوعة بل هي علاقة مجمدة، فنحن لم نسحب السفير وهم أيضاً، ولكن هناك قرار لبناني بعدم تصعيد العلاقة مع سوريا لا إلى الأفضل ولا إلى الأسوأ، هم في زيارتهم إلى دمشق يحاولون الترقي بالعلاقة إلى ما كانت عليه سابقا، وأيضاً يحرصون دائماً على طرح موضوع اللاجئين السوريين والتنسيق مع الحكومة السورية لعودتهم، وهذا الأمر الرد عليه واضح من قبل الجهة المناهضة لهم، الحكومة السورية لم تنسق مع لبنان حين طردت أهالي سوريا. أمّا التنسيق فيجب أن يكون مع الذين يرعون وجود اللاجئين السوريين في لبنان، فهم الأطراف الذين يجب على الحكومة اللبنانية محاورتهم أي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، عدا عن أنّ التنسيق مع سوريا هو بند خلافي على مستوى جامعة الدول العربية، فجميع الدول العربية باستثناء العراق والجزائر علاقتها مع النظام السوري مجمدة، وبالتالي لبنان ليس مضطراً لاتخاذ موقف مخالف لقرار الأغلبية العربية لكنه لا يصعد من جهته منفردا فهو يجمد الأمور عند هذا الحد». إصرار «حزب الله» على تطبيع العلاقات مع النظام السوري ظهر أيضاً في معركة «فجر الجرود» التي أطلقها الجيش اللبناني أخيرا في جرود رأس بعلبك والقاع شرق لبنان، لطرد مسلحي «تنظيم داعش» عن الحدود اللبنانية، فـ«حزب الله» الذي يخوض معركة بجانب النظام السوري ضد داعش من الجهة السورية يصرّ عبر إعلامه ورواده بث أخبار وصور مفبركة تفيد بأنّ الجيش اللبناني ينسق مع «حزب الله» والجيش السوري في المعركة ضدّ داعش على الرغم من نفي قيادة الجيش وتأكيدها أن الجيش اللبناني يخوض هذه المعركة من الجانب اللبناني وحده دون التنسيق مع الحزب أو النظام السوري، وفي هذا السياق يرى فايد إصرار «حزب الله» على وجود تنسيق مع الجيش اللبناني «هو فرصة فعلية وجدية، يريد (حزب الله) اغتنامها لهزّ شعار ثلاثيته الخشبية (جيش وشعب ومقاومة)، فهم يفبركون الصور ويوزعونها على منصات التواصل الاجتماعي، للإيحاء للرأي العام بأن دور (حزب الله) في حماية لبنان أساسي إن لم نقل أكثر من الجيش فمثله، فإنهم قاتلوا في جرود عرسال، وشاركوا مع الجيش في القاع ورأس بعلبك، لأن الجيش لا يمكن أن يقوم بهذه المهمة لوحده… ولكن من الواضح أنّ الجيش اللبناني حريص على تنقية صورته وإبقاء الأمور واضحة بأنه يقاتل منفرداً، ويبدو أنّ القوى الدولية المعنية باستقرار لبنان تقدم للجيش أقصى ما تستطيع من قدرات لمساعدته في العملية لأنها حريصة على القول إن لبنان دولة المؤسسات وليست دولة الميليشيات». وبالعودة إلى زيارة الوزراء اللبنانيين، يقول قايد: «هذه الزيارة لم تقدم ولم تؤخر في وضع النظام السوري، فقط أضفت شعوراً معنوياً بالاطمئنان، وإذا راقبنا طريقة استقبال الوزراء اللبنانيين في سوريا نرى أنّ الزيارة لم تكن رسمية فالعلم اللبناني كان غائباً عن الاستقبال الرسمي بعكس العلم السوري. أمّا اللافت فهو تفاني رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدفع نحو هذه الزيارة، خصوصاً عندما صرّح الوزير غازي زعيتر بأنّ بري قال له: لو اضطررت بأن تذهب سيرا على الاقدام إلى سوريا فعليك أن تذهب. كذلك إعلانه من طهران حرصه على زيارة الوزراء إلى دمشق، هذه المبالغة لم يكن مضطراً إليها ولكن من الواضح أن هذه الزيارة هي مطلب إيراني». قبل 12 عاماً خرجت الوصاية السورية من لبنان لتوقع شرخاً كبيراً بين فئة كبيرة من الشعب اللبناني والنظام السوري الذي لم يوفر وسيلة إجرام لم يستخدمها بحق اللبنانيين من مجازر ارتكبها إبان الحرب الأهلية بحق الجيش اللبناني واعتقالات عشوائية حصلت بحق آلاف اللبنانيين الذين ذاقوا مرّ الاعتقالات في سجون النظام السوري الذي لا يزال يخفي آلاف اللبنانيين الذين اعتقلوا في زمن الوصاية ويرفض الكشف عن مصيرهم حتى اليوم، إضافة إلى جرائم القتل والاغتيالات وغيرهما من الممارسات. من جهة أخرى يشهد اللبنانيون يومياً على الظلم الذي لحق بالشعب السوري الذي لجأ إلى لبنان هرباً من بطش النظام وإجرامه في سوريا، عدا عن المجازر التي يرتكبها النظام بحق المدنيين في سوريا منذ سنوات، لذلك فإنّ أي طرح لعودة العلاقات مع النظام السوري سيخلق معارضةً شعبية ورسمية كبيرة في لبنان، لن تسمح بتشريع هذه العلاقة.
مشاركة :