أزمة أخرى في لبنان عنوانها التطبيع مع النظام السوري

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انطلق «حزب الله» غداة «انتصاره» في معركة جرود عرسال بخطة سياسية هجومية متناغمة ومنسقة، من أهم بنودها تطبيع علاقات لبنان مع النظام السوري، مما يساهم في فك عزلة النظام عربياً وتأهيل رئيسه بشار الأسد ومساعدته في تثبيت شرعيته، وتكريس واقع سياسي جديد في لبنان تكون الغلبة فيه لراعيته إيران، مما يساهم في تحسين موقعها في الصراع الإقليمي والدولي الدائر في المنطقة حول النفوذ، وفرملة التسوية الأميركية – الروسية التي ترتكز على تقويض نفوذ اللاعبين الإقليميين، وفي مقدمها إيران والميليشيات التابعة لها. ويشارك «حزب الله» في مسعاه التطبيعي حركة «أمل» و «التيار الوطني الحر» و «تيار المردة» وحلفاء محور دمشق – طهران الآخرون. وباتت هذه المجموعة تشكل الأكثرية في لبنان، خصوصاً بعد نجاح الحزب، بعد معركة الجرود، في كسب تعاطف شريحة واسعة من المسيحيين، بوصفه قادراً على تشكيل منظومة أمان لها من الإرهاب «السنّي»، بعد أن كانت هذه الشريحة تعتبر على مدى عقود الجيش اللبناني وحده هو الضمانة. وظهر هذا الأمر جلياً بتبدل المزاج المسيحي من الحزب ما يوحي بانضواء المسيحيين في «تحالف الأقليات» الذي يخدم أهداف إيران. بدأ «حزب الله» مسيرة التطبيع بدعوته الحكومة اللبنانية إلى التفاوض مع النظام السوري في شأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وفرضه التنسيق القسري بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري في معركة جرود عرسال، وأخيراً زيارة وزراء القوى السياسية الحليفة لدمشق إلى العاصمة السورية في مسعى واضح لفرض أجندته المتناغمة مع دمشق وطهران على السلطة السياسية في لبنان، تمهيداً لالتحاق لبنان الرسمي بالمحور السوري - الإيراني. وتشكل زيارة الوزراء اللبنانيين الثلاثة دمشق للمشاركة في افتتاح معرضها الدولي مخالفة واضحة لقرار «النأي بالنفس» الذي تتبعه الحكومة اللبنانية، وتحدياً لرئيس الحكومة سعد الحريري وفرقاء سياسيين آخرين مشاركين في الحكومة. والتحدي الأبرز كان في إعلان الوزراء قبل الزيارة بأن زيارتهم رسمية، في دحض صريح لكلام الحريري من عدم اتسام الزيارة بأي طابع رسمي. وصحيح أن الوزير بعد اتفاق الطائف أصبح يتمتع باستقلالية سياسية، لكنها لم تبلغ مرة حدود تجاوز سلطة مجلس الوزراء. وشكلت الزيارة إسقاطاً فاضحاً لسياسة الحريري الرامية إلى النأي بلبنان عن الملف السوري، وتقويضاً لهيبة موقع رئيس الحكومة في الداخل، واستنزافاً له أمام طائفته ومناصريه الذين يعارضون بشدة النظام السوري، وإحراجاً عربياً ودولياً له، مما سبّبت له إضعافاً في بيئته وشارعه. ويوظف «حزب الله» الزيارة لإظهار الانتصار الداخلي لحلفاء دمشق، واستعادتهم الإمساك بالمشهد السياسي مستفيدين من انكفاء قوى 14 آذار ولهث بعض قادتها وراء السلطة وتراجع أوضاع القوى الإقليمية الداعمة لهم، ولكي يكون لبنان بوابة استعادة للتطبيع مع النظام عربياً وإقليمياً ودولياً. وتعتبر الزيارة بمثابة تعبيد لطريق بيروت – دمشق من الباب الاقتصادي تمهيداً لتعبيدها سياسياً، وستبدأ مفاعيل التطبيع تظهر تباعاً تمهيداً لفرض أمر واقع يضع الحكومة اللبنانية في موقع العاجز عن معارضته. ويستغل الحزب التسوية الرئاسية التي أتت بحليفه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وعدم إمكان قيام خصومه بالانسحاب منها نتيجة اختلال موازين القوى الداخلية وفي الإقليم لمصلحة محور طهران، في تحقيق المزيد من النقاط في سياق أجندته الإقليمية، وتكريس نفوذه الداخلي. وكما هو معلوم فإن إيران لا تتوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية وإثارة الاضطرابات والفتن فيها منذ ثورة آية الله الخميني، إما مباشرة بواسط حرسها الثوري كما يجري حالياً في العراق وسورية، وإما بواسطة ميليشيات شيعية محلية وإقليمية تشرف عليها وتمدها بالمال والسلاح. وأهم هذه الميليشيات «حزب الله» اللبناني، الذي بات قوة إقليمية مدعومة منها ويدها الطولى في المنطقة، ويأتي تدخل الحزب في الحرب السورية وفي شؤون دول مجلس التعاون الخليجي واليمن وزعزعة الاستقرار فيها من ضمن سياسة إيران التوسعية ومخططها الإستراتيجي في المنطقة. ويأتي في هذا السياق تورط «حزب الله» بدعم «خلية العبدلي» الإرهابية وفق التحقيقات الأمنية والأحكام القضائية الكويتية التي أثبتت ارتباطه بهذه الخلية ونوعية المساعدة التي قدمها أفراد منه للخلية، الأمر الذي أثار عتب الدولة الكويتية على لبنان وهي التي طالما وقفت إلى جانبه بكل محطاته وكل مناطقه من دون تفرقة أو تمييز، واستياءها الشديد من تدخل حزب لبناني يشارك في السلطة في دعم خلية إرهابية كانت تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الكويت. ويعود ارتكاب الحزب لأعمال تقع في خانة الإرهاب الى شعوره بفائض القوة، وعدم تصدي الدولة اللبنانية لتصرفاته التسلطية في الداخل ولتدخلاته ومغامراته في الخارج، ودعم عدد من أركانها الرئيسيين له. وفي الوقت ذاته فإنه لا يكترث بما ينتج من ممارساته من تداعيات على مصالح لبنان العليا وعلى مصير اللبنانيين الذي يعيشون ويعملون في الكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وعلى مصير العلاقات بين لبنان ودول الخليج. ويشير قيام الجيش اللبناني وحده من دون أي مساهمة من «حزب الله» وجيش النظام السوري بعملية «فجر الجرود» لتحرير جرود رأس بعلبك والقاع من مسلحي تنظيم «داعش» إلى كفاءة الجيش وقدرته على تطهير أراضي لبنان من الإرهابيين وحماية حدوده ومواطنيه، وإلى استعادة الدولة قرارها السيادي. كما أعاد تحرير جرود رأس بعلبك والقاع الاعتبار إلى الجيش اللبناني الذي كان محل انتقاد شريحة كبيرة من اللبنانيين لانكفائه عن تحرير جرود عرسال وترك هذه المهمة المنوطة به أصلاً إلى ميليشيا طائفية ذات ارتباطات وأهداف خارجية. وسيقوي انتصار الجيش في معركة «فجر الجرود» من موقف اللبنانيين المطالبين بحصرية السلاح بيد الجيش ويد القوى الأمنية، وبثبات الدولة على موقفها من مقاطعة النظام السوري التزاماً منها بالقرار العربي.     * كاتب لبناني.

مشاركة :