كشف القائد العام لشرطة دبي، اللواء عبدالله خليفة المري، أن مصدراً حرارياً بطيئاً، عبارة عن «عقب سيجارة» مشتعل، وراء الحريق الذي شبّ في برج الشعلة، يوم الرابع من أغسطس الجاري، لافتاً إلى أن «خبراء الحرائق بإدارة الهندسة الجنائية استطاعوا، خلال فترة زمنية قياسية، تحديد سبب الحريق». مكافحة الحرائق بأحدث التقنيات قال مدير عام الدفاع المدني في دبي، اللواء راشد ثاني المطروشي، إن «هذه المبادرة، الأولى من نوعها، تعزز الشراكة مع كل الدوائر الأمنية وشركات القطاع الخاص المعنية»، لافتاً إلى أن «سياسة الدفاع المدني في استشراف المستقبل تستند إلى مبدأ التطوير والتدريب المستمرين، واعتماد أحدث التقنيات في مكافحة الحرائق والوقاية منها». وأضاف أن «أنظمة الأمن والسلامة في مبانٍ تختلف عن مثيلاتها في دول أخرى متقدمة، إذ تعدّ أكثر تطوراً وتعتمد على تقنيات ذكية، منها الإنذار الصوتي للحرائق خلال ثوانٍ، مقارنة بدول تستخدم الأنظمة اليدوية والميكروفونات لتحذير الجمهور»، مشيراً إلى أن «عدد رجال الدفاع المدني في دبي لا يذكر مقارنة بعدد السكان، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الأنظمة الذكية بذاتها تمثل عشرات الإطفائيين في كل مبنى على مدار الساعة، وهو ما يعزز متانة البنية الأمنية في الإمارة». ملاحظات الإعلاميين حرص القائد العام لشرطة دبي، اللواء عبدالله خليفة المري، برفقة مدير عام الدفاع المدني، اللواء راشد ثاني المطروشي، ومساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي، اللواء خليل إبراهيم المنصوري، على الاستماع إلى ملاحظات الإعلاميين في جلسة عقدت تحت عنوان «دور الإعلام في رصد الحرائق ونقل الحقائق من خلال الإعلام الإيجابي والتوعية الهادفة»، مؤكداً ضرورة تحري الدقة ومراعاة ظروف العمل أثناء التعاطي مع الأزمات الكبرى. وقال المري لـ«الإمارات اليوم»، على هامش جلسة حوارية عقدت أمس، بالتعاون بين فريق إدارة الأزمات والكوارث ومسرعات دبي المستقبل، تحت عنوان «أسباب الحرائق واستشراف مستقبل طرق الوقاية منها» إن «فريق الهندسة الجنائية لم يكتفِ بمعاينة موقع الحريق وتحديد مصدره، لكنه أجرى تجارب محاكاة عدة لما حدث، بالتعاون مع إدارات أخرى ذات صلة، وكانت النتيجة واحدة بدقة نسبتها 100%». من جهتها، قالت مديرة إدارة الأدلة الجنائية التخصصية بالإدارة العامة للأدلة الجنائية، ابتسام العبدولي، إن «شخصاً رمى (عقب سيجارة) في أصيص زرع بشرفة في أحد الطوابق العليا بالبرج»، لافتة إلى أن «الأصيص كان جافاً ومهملاً، ويحوي سماداً سريع الاشتعال، ما هيأ بيئة خصبة للنيران التي انتشرت بعد ذلك في واجهة المبنى». وتفصيلاً، ذكر اللواء عبدالله خليفة المري، أن «فريق العمل من إدارة الهندسة الجنائية، وعدداً من الإدارات الأخرى بشرطة دبي، عملا على مدار الساعة حتى توصلا إلى سبب الحريق في زمن قياسي، على الرغم من أن النيران طالت عدداً كبيراً من الطوابق». وأضاف أن «خبراء الحرائق حددوا أولاً النقطة المحتملة لانطلاق النيران، ثم عملوا على التأكد من المصدر بوساطة تقنيات متطورة، وتأكدوا من أن مصدراً حرارياً بطيئاً، عبارة عن (عقب سيجارة)، وراء اشتعال النيران»، لافتاً إلى أن «التوصل إلى السبب خلال أيام معدودة، يمثل إنجازاً حقيقياً لكوادر بشرية متميزة بالإدارة العامة للأدلة الجنائية في شرطة دبي». وأشار إلى أن «فريق العمل لم يكتفِ بمعاينة الموقع والتأكد عملياً من نقطة النيران، لكنه نقل العينات إلى المختبر الجنائي وأعد بيئة مشابهة تماماً لتلك التي زامنت وقوع الحريق، وتم إجراء تجارب عدة، عاين إحداها بنفسه وانتهت جميعاً إلى النتائج ذاتها». وتابع أن «فريق العمل في معاينة الحريق والتوصل إلى أسبابه، لم يقتصر على خبراء الحرائق بإدارة الهندسة الجنائية، لكنه ضم خبراء من إدارات أخرى، قدموا الدعم واستجوبوا أشخاصاً ذوي صلة بالحادث حتى تأكدت النتائج بنسبة 100%». وأفاد المري بأنه وفق التجربة الأخيرة لحريق برج الشعلة والحرائق الأخرى المماثلة، تقرر عقد هذه الجلسة الحوارية الأولى من نوعها التي تجمع بين الدوائر الأمنية في إمارة دبي وشركات متخصصة في القطاع الخاص، بهدف التوصل إلى منهجية عمل تكاملية موحدة وأكثر عمقاً تستشرف طرق الوقاية من الحرائق ومكافحتها في الإمارة بين القطاعين الحكومي والخاص، واستخلاص مجموعة من المخرجات والمبادرات المشتركة، لنقدم للعالم النموذج الأمثل في إدارة الأزمات والكوارث، ونحقق هدفنا في جعل دبي الإمارة الأكثر أمنا وسعادة وسلامة بخدمات ذكية مبتكرة، منها استشراف مستقبل حرائق المباني الحديثة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وكشف أن «فريق إدارة الأزمات والكوارث لا يهتم فقط بالجوانب الإيجابية في التعامل مع الحوادث الكبرى، مثل حريق برج الشعلة، لكن يقف كذلك عند السلبيات، بهدف الحد منها وعدم تكرارها مستقبلاً، ومنها في الحادث الأخير غياب المسؤول الأمني عن البرج أثناء التعامل مع الحادث، ما دفع فريق العمل إلى التواصل مباشرة مع المطور العقاري للبرج»، معتبراً أن هذه ثغرة يجب تفاديها، لأن هذا المسؤول يجب أن تتوافر لديه كل المعلومات عن سكان المبنى، وخبرة كاملة بعمليات الإخلاء ينقلها لفريقه في المبنى، مشيراً إلى أن شرطة دبي ظلت، لمدة سبعة أيام متواصلة بعد الحريق، تتولى حراسة المبنى وتأمين ممتلكات سكانه واستقبالهم مجدداً. وأكد أن «هذه الجوانب محل نقاش في الجلسة الحوارية الموسعة التي تتضمن ثمانية محاور مختلفة، كما سيتم التطرق إلى كيفية طرح برامج وحملات توعية، سواء للمطورين العقاريين أو لأفراد المجتمع، حول أكثر أسباب الحرائق شيوعاً وكيفية تفاديها مستقبلاً، لأن الوقاية خير من العلاج». من جهتها، قالت مديرة إدارة الأدلة الجنائية المتخصصة بالإدارة العامة للأدلة الجنائية، ابتسام العبدولي، إن «المقارنات المرجعية بين مؤشر الاستجابة والتعاطي مع الحوادث الكبرى، بل وتحديد أسبابها، في دبي تتفوق بشكل لافت على دول أخرى مثل بريطانياً»، موضحة أن «حريق برج الشعلة، على سبيل المثال، شبّ في برج يضم 83 طابقاً، ولم يسفر عن أي وفيات أو إصابات بليغة، وتم تحديد مصدره خلال يومين فقط والانتهاء من التقرير خلال 10 أيام، فيما أن حريق برج جرينفيل في بريطانيا، على سبيل المثال، شبّ في 24 طابقاً فقط وأسفر عن وفاة قرابة 90 شخصاً، ولاتزال التحقيقات جارية منذ أكثر من شهرين لمعرفة أسبابه بدقة». وأشارت إلى أن فريق الخبراء بإدارة الهندسة الجنائية، وإدارات ذات صلة في شرطة دبي، واجه بعض التحديات خلال التعامل مع حريق برج الشعلة، منها أنه الحريق الثاني من نوعه في البرج ذاته، إضافة إلى ما صاحب الحادث من اهتمام عالمي، ومتابعة مستمرة من القائد العام لشرطة دبي، وإصرار على التوصل لنتائج سريعة ودقيقة، مضيفة أن «إدارة متخصصة بالإدارة العامة للأدلة الجنائية عملت على فحص العينات للتأكد من انتفاء شبهة العمد وتيقنت من ذلك تماماً، ثم واصل خبراء الحرائق عملهم على مدار يومين في الموقع وبوساطة تجارب المحاكاة في المختبر الجنائي، حتى توصلوا إلى المصدر بكل دقة، وهو (عقب سيجارة) ألقي في أصيص زرع داخل شرفة يحوي سماداً سريع الاشتعال، ومن ثم انتقلت النيران إلى واجهة المبنى». وأكدت أن «أسلوب المحاكاة يعدّ من التقنيات المستحدثة في المختبر الجنائي العصري بشرطة دبي، وليس من التجارب السهلة إطلاقاً، إذ يستلزم مطابقة البيئة التي حدث فيها الحريق، والظروف التي شبّ فيها، وإجراء التجربة مرات متتالية عدة، وهذا ما حدث في التعامل مع حريق الشعلة، حتى تطابقت النتائج كلياً وتأكدت دقتها بنسبة 100%».
مشاركة :