أخرجت قطر لعبة كرة القدم وسوق الانتقالات الصيفي عن حدود العقل والمنطق، وجعلت الملايين تذهب يميناً ويساراً بين الأندية في لاعبين ربما لا يتسقون نصف ما حصلوا عليه، ما أضر وسيضر كثيراً بلعبة كرة القدم حول العالم. وأنفقت أندية كرة القدم الأوروبية مبالغ طائلة على الانتقالات هذا الصيف وصلت إلى مستويات لم تعهدها سابقاً، بسبب صفقة نيمار التي مولتها الخزائن القطرية المالكة لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، الذي دفع قيمة فخ اللاعب لعقده مع ناديه السابق والتي بلغت 222 مليون يورو، والتي كانت حبة الدومينو التي فرطت بعدها الحبات والعقد كاملاً، وصارت الأسعار من جنون لأكثر جنوناً مما تحتمله العقول والخزائن أيضاً، ما يطرح أسئلة عن العقلانية والمخاطر التي تقدم عليها أندية اللعبة الشعبية الأولى. ولاقى الإنفاق الأوروبي انتقادات من بعض مسؤولي الأندية أنفسهم، ومنهم رئيس نادي ليون الفرنسي جان ميشال أولاس الذي اعتبر أن «التطور الراهن للأسعار، كما الرواتب، يهدد استقرار كرة القدم الفرنسية وربما حتى كرة القدم الأوروبية». وشكل نادي باريس سان جرمان الفرنسي المملوك من هيئة قطر للاستثمارات الرياضية، أبرز الناشطين في فترة الانتقالات الصيفية التي تنتهي في غداً. فهو حطم الرقم القياسي العالمي بدفعه 222 مليون يورو لضم البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني، ويستعد - بحسب التقارير الصحافية - لإنقاق 180 مليوناً لضم المهاجم الشاب كيليان مبابي من موناكو. وبعملية حسابية بسيطة، يتبين أن نيمار (25 عاماً) الذي تردد أنه سيتقاضى راتباً سنوياً صافياً يقارب 30 مليون يورو، كلف النادي الفرنسي أكثر من كلفة بناء «أليانز أرينا»، ملعب نادي بايرن ميونيخ بطل ألمانيا، والذي يعد من أشهر ملاعب كرة القدم عالمياً. وقال الرئيس التنفيذي للنادي الألماني كارل هاينتس رومينيغيه «من الواضح أن أليانز أرينا هو أكثر أهمية بالنسبة إلينا». أضاف في تصريحات لصحيفة «بيلد» الألمانية «كوننا بايرن ميونيخ، علينا أن نتمتع بفلسفة مختلفة، لا نريد أن نجاري ذلك (هذا النسق السائد في الإنفاق على اللاعبين) ولا يمكننا مجاراة ذلك». إلا أن بايرن نفسه، حامل لقب بطولة ألمانيا في المواسم الخمسة الماضية، وجد نفسه يحطم هذا الصيف رقمه القياسي السابق في سوق الانتقالات، بدفعه 41,5 مليون يورو (إضافة إلى ستة ملايين كحوافز ومكافآت) لضم لاعب الوسط الفرنسي كورنتان توليسو من ليون، علماً أن اللاعب شارك في مباراة دولية واحدة فقط، وهو الأمر الذي يرجع بالتأكيد لحالة التسونامي التي خلفها زلزال نيمار ومبابي والتي رفعت أسعار جميع اللاعبين في الميركاتو الصيفي. سوق «واعدة» ويرى الباحث في المركز الدولي للدراسات الرياضية لويك رافنيل أن «سوق (الانتقالات) لم تصبح مجنونة، لكنها واعدة بشكل كبير». يضيف «هذا قطاع يشهد نمواً دائماً، والمستثمرون يشعرون أنهم قادرون على تحقيق الأرباح فيه»، متابعاً «لا أرى أن ثمة أسباباً قد تدفع إلى توقف نموه. هذه رياضة (كرة القدم) في ختام مسار تعولمها الشامل، وتثير الاهتمام حالياً في آسيا وحتى في أميركا الشمالية». ويعتبر رافنيل أن ما تقوم به الأندية الأوروبية البارزة، ومنها برشلونة وريال مدريد الإسبانيان، قطبا مدينة مانشستر الإنجليزية، أو حتى يوفنتوس الإيطالي، هو «التنافس بالملايين لاستقطاب النجم المقبل، عدم تفويت فرصة الحصول عليه، وحرمان المنافسين منه». ويرى أن ذلك يحصل من منطلق كروي ورياضي يقوم بالدرجة الأولى على إحراز لقب المسابقة القارية الأهم، أي دوري الأبطال، ولكن أيضاً من منطلق قدرة هذا النجم على توفير عائدات ترويجية وحقوق بث تلفزيونية وعائدات دعائية، ما يساهم أيضاً في رفع سعره. وطور مركز الدراسات الرياضية برنامجاً خوارزمياً قادراً على تقييم أسعار اللاعبين بناء على معطيات عدة، منها أداؤه على أرض الملعب، وهامش التطور الذي يتمتع به، وقدرته الترويجية، وغيرها. وبموجب هذا البرنامج، تبين أن «سعر» نيمار على سبيل المثال يصل إلى 247,3 مليون يورو، وهي قيمة مستندة بشكل كبير إلى موهبته الكروية وقدرته الإعلانية والترويجية، لاسيما لكونه يتمتع بعشرات ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. أما مبابي الحديث العهد على الساحة الكروية، إذ يبلغ الـ 18 من العمر وشارك في موسم واحد فقط مع موناكو، فبلغ سعره «فقط» 101 مليون يورو بحسب هذا البرنامج. لم يكن باريس سان جرمان النادي الوحيد الذي أنفق بشكل كبير في سوق الانتقالات هذا الصيف. فالأندية الإنجليزية التي تستفيد من عائدات اتفاق ضخم بشأن البث التلفزيوني، أنفقت هذا الصيف مبلغاً قياسياً وصل إلى 1,17 مليار جنيه استرليني (1,57 مليار دولار)، بحسب ما أفادت الأسبوع الماضي شركة «ديلويت» للتدقيق. وفي ظل هذه الأرقام الخيالية، تطرح الأسئلة حول مصير الأندية الصغرى وحتى المتوسطة، غير القادرة على المنافسة مالياً. ويسأل الباحث رافنيل «هل يجب أن تؤول كل الأموال التي يتم إنفاقها في سوق الانتقالات، إلى اللاعبين ووكلاء أعمالهم، أم يجب البحث عن عملية إعادة توزيع منطقية» تضمن للأندية الأصغر عائدات معينة تتيح لها البقاء في دائرة المنافسة على الأقل. 180 إلى ذلك كشف أدريان رابيو لاعب وسط نادي باريس سان جرمان الفرنسي لكرة القدم، أن انضمام زميله في المنتخب كيليان مبابي إلى النادي الباريسي سيصبح «رسمياً» في غضون ساعات، وذلك في تصريحات أدلى بها على هامش معسكر للمنتخب حيث يوجد اللاعبان. وأفادت التقارير الصحافية في الأيام الماضية أن نجم موناكو مبابي (18 عاماً) سينتقل إلى نادي العاصمة في صفقة تبلغ قيمتها 180 مليون يورو. إلا أن رابيو، الموجود مع مبابي في معسكر المنتخب في كليرفونتين، كشف لصحيفة «لو باريزيان» أن النجم الشاب «أبلغني أن انتقاله إلى باريس سان جرمان سيصبح رسمياً». أضاف: «هذه أنباء جيدة بطبيعة الحال»، معتبراً أن مبابي «لاعب شاب وناضج يتمتع بقدرة هائلة ومتحدر من منطقة باريس». ويعسكر المنتخب الفرنسي منذ الاثنين في مقره بكليرفونتين، استعداداً للقاءين هذا الأسبوع (الخميس والأحد) مع هولندا ولوكسمبورغ ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى كأس العالم 2018 في روسيا. ويعد مبابي من أبرز المواهب الصاعدة في كرة القدم الأوروبية. وفي حال انضمامه إلى سان جرمان، سيكون ثاني صفقة كبرى يبرمها النادي الباريسي المملوك من هيئة قطر للاستثمارات الرياضية هذا الصيف، بعد ضم البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني في صفقة قياسية عالمية بلغت قيمتها 222 مليون يورو.
مشاركة :