عن الأمراض النفسية وعلاقتها بفكرة العزل والتهميش، وتأثرها بالصراعات الدموية والطبقية، تدور فكرة المعرض المقام حالياً في «مركز الصورة المعاصرة» في القاهرة تحت عنوان «مزمن». يضم المعرض أعمال فيديو وتركيب لفنانين من مصر وإيطاليا وسويسرا وإسبانيا. «ليا» هو عنوان الفيديو الذي يشارك به الإيطالي ألبرتو غريفي، وهو صانع أفلام تجريبية، ويعد من المخرجين المحوريين في بدايات حركة الفيديو في إيطاليا. تشتبك ممارسات غريفي الفنية مع الحركات الاجتماعية والسياسية البديلة، وله اهتمام خاص بالتعامل مع لحظات الفشل والتناقض التي مرت بها تلك الجماعات. مدته نصف ساعة، وهو عن أحد الاعتصامات التي نظمت خارج مؤتمر للطب النفــسي عـقد في إيطاليا عام 1977. يركز الفيلم على الفتاة ليا طالبة الطب النفسي وهي تشرح لمجموعة الأشخاص المتحلقين حولها أسباب رفضها لفكرة العزل الذي يمارس بحق الأشخاص المصنفين مرضى نفسيين، وعن حق هؤلاء المرضى في التعبير عن أنفسهم كأشخاص ذوي سمات خاصة وليس كمرضى. تتطرق ليا في حديثها الذي يتسم أحياناً بالفظاظة والتهكم إلى ضرورة وضع تعريف جديد للمرض النفسي. تفرض حال الجدل المحتدم بين ليا والأشخاص المشاركين لها في الاعتصام حالاً من الفوضى، أو العبثية المصطنعة بين الحال الخطابية الجادة التي تتحدث بها ليا وسلوكها الفظ وغير العقلاني أحياناً في إدارة الحوار. يهتم ألبرتو غريفي بحالات التمرد على الأنماط السائدة ويرصد في أعماله جانباً من حالات الاحتجاج المجتمعي من طريق الدخول إلى التفاصيل والتركيز على ملامح الوجه والتعابير، في العمل المشارك تدخل الكاميرا إلى قلب الحدث، يفرض علينا هذا الاقتراب نوعاً من الشعور بالحميمية والتضامن مع ليا ورفاقها ويلفت انتباهنا إلى تساؤلات عدة حول ما يعنيه المرض النفسي. على النهج ذاته، يتناول عمل الفيديو للفنانة الإسبانية دورا غارسيا المعروض تحت عنوان «الغالبية المنحرفة» بعض التجارب الخلاقة في التعامل مع أصحاب الأمراض النفسية. يتضمن الفيديو لقاءات مع مجموعات من ثلاث دول من بينها أعضاء «أكاديمية الجنون» المكونة من مرضى وعاملين في مستشفى «تريستي» النفسي في إيطاليا، ومن ثم مركز «مسرح المقهورين» في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، ولقاء آخر مع كارمن رول الناشطة السابقة في مجموعة المرضى الاشتراكيين الألمان. «كل ذلك يشعرني بالإهانة»، هو عنوان العمل الذي شاركت في إعداده مجموعة من المرضى السابقين في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية في حي العباسية، وهو أحد أشهر مستشفيات الطب النفسي في مصر. العمل نتاج مجموعة من ورش العمل التي أقيمت بالقرب من المستشفى وتضمنت حض المشاركين على التعبير عن أفكارهم وتخوفاتهم التي ربما يصنفون بسببها مرضى، مثل الخوف، والاضطهاد، والاكتئاب المزمن، وصعوبة التكيف مع المجتمع. العمل الرابع للفنان للمصري محمد شوقي وهو فيديو بعنوان «كومبوس مينتيس». يبدو العنوان هنا بلا معنى محدد، غير أن مشاهد الفيديو تفرض على العنوان بعداً تهكمياً في طريقة تناوله عدداً من السلوكيات كطقوس وتفاصيل اعتيادية على رغم كونها تتسم باللامعقولية. يشمل الفيديو مشاهد لطقوس دينية وكرنفالات وعروض سيرك ومقاطع صوتية. المشاركة الأخيرة للسويسري أوريال أورلو بعمله المعروض تحت عنوان «فيلم غير منتج» أو غير مكتمل. يتضمن العمل مجموعة من الأجزاء المعدة لتكون فيلماً وثائقياً: سرد صوتي لرحلة في قرية دير ياسين الفلسطينية، مجموعة من الصور الفوتوغرافية المعروضة على شرائح، كتيب يضم عدداً من رسوم أطفال دار الطفل العربي. وعرض السرد الصوتي في حيز منفصل، وهو عبارة عن وصف لرحلة في قرية دير ياسين وشرح لمشتملات مستشفى «كفار شاؤول» وهو مستشفى للأمراض النفسية أنشئ في عام 1951 لمعالجة اليهود من ضحايا الهولوكوست. الصور الفوتوغرافية تشمل أنقاضاً وبقايا معالم القرية، إضافة إلى مشاهد من داخل المستشفى، أما رسوم الأطفال فهي مجموعة رسمها أطفال دار الطفل العربي، وهي دار ومدرسة للأيتام أنشأتهما المناضلة الفلسطينية هند الحسيني لرعاية أيتام القرية بعد المذبحة. الرسوم تم تنفيذها خلال ورشة عمل في آذار (مارس) عام 2013 وتأمل فيها المشاركون إمكان عمل فيلم خاص بتاريخ مدرستهم. حال التناقض والارتباك التي يحملها العمل تقودنا إلى تلمس الارتباط بين الخلل النفسي والمتغيرات والأحداث الدموية، هذه الأحداث نفسها التي قد تتسم أحياناً بالجنون واللامعقولية في أحداثها ونتائجها، فمن أقاموا المستشفى لمعالجة ضحايا الهولوكوست هم أنفسهم من ارتكبوا مذبحة دير ياسين، هنا يكمن الخلط والازدواجية والجنون.
مشاركة :