هل رأى الحبُّ دولارا؟ بقلم: محمد هجرس

  • 8/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الدولار.. الذي فاق جنون البقر وهوس الطماطم وكل نزلاء مستشفى الأمراض العقلية، كان في الأشهر الأخيرة بعد تحرير سعره شمَّاعة الغلاء الفاحش.العرب محمد هجرس [نُشر في 2017/08/30، العدد: 10738، ص(24)] ربما كان هذا ما لم تقصده أبدا سيِّدة الغناء العربي الرَّاحلة أم كلثوم: حينما شَدَت في رائعتها “الأطلال”، ولكن كان مرور السنوات كفيلا بتحريف بيت الشعر الشهير، ليصبح ترجمة لواقع استحى منه سَاخرُ قريتنا الضَّاحك دوما “العمّ أنور صوفان” رحمه الله، عندما تنفدُ سجائره، وهو “خَرْمَان” فيطلقُ العنانَ لصوته الشجيِّ “هل رأى الحبُّ سيجارا” فينتبهُ مَن حَوله، ويمنحه “سيجارة لفّ” يستمتعُ بأنفاسها مع ابتسامة شكر صافية! ومن “السِّيجارا” بصوت عمّ أنور، إلى “الدورارا” بلهجة البائعة البسيطة، كانت المفارقة على وقع الأغنية الكلثومية الشهيرة، إذ أصبحت أزمة الدولار الأخيرة في مصر، استنساخا لحالة عبثية كنا نعايشها منذ عقود وارتبطت دون أن ندري بسعر البندورة، أو “الطماطم” التي تغنَّت بتذبذبها ألسنة الباعة في الشوارع “يا مجنونة يا قوطة”.. وهي التسمية الشعبية المصرية للطماطم، لدرجة أن أحد القرويين في بلدتي الصغيرة، عاد بحمولة عربة نقل كبيرة ليفرغها على الطريق العام داعيا كل من يريد ليأخذ مجانا، بعد أن ذهب لبيعها في “البندر” فوجد سعرها لا يوازي حتى تكلفة “الأقفاص”! الدولار.. الذي فاق جنون البقر وهوس الطماطم وكل نزلاء مستشفى الأمراض العقلية، كان في الأشهر الأخيرة بعد تحرير سعره “شمَّاعة” الغلاء الفاحش، حتى بات حلم الملايين الباحثة عن الثراء السريع وفرق العملة، بغضّ النظر عن انعكاساته على الاقتصاد العام والحياة اليومية لغالبية الجالية المصرية الشقيقة في برّ المحروسة، إلى درجة أصبح فيها “اللي له واللي مالوش” يحلم باقتناء ورقة خضراء، يتحكم من خلالها في رقاب “الغلابة” والمعدمين. ولأن المصريين البسطاء.. أولاد نكتة ساخرة قد تصل حدّ الهجاء ولا تنتهي عند حدّ أو شخصٍ أو مكان ولا تستثني أحداً، كان على بائعة الجرجير في سوق الخضار إلقاء اللوم على سي السيِّد.. “الدُّورَارْ” كما تنطقه، بينما الشارع يعجّ بالآلاف من الانتهازيين يستحلُّون ما في جيبك بغرابة تصل حدّ “الهَبْش” العلني! في إشارة المرور، استوقفتني متسولة، وهي تردّد “حسَنَة لله”، ولما فتّشت جيوبي، لم أجد جنيها “فَكَّة” فنفحتها خمسة جنيهات مضطرّا، أمسَكتْ بالورقة الزرقاء في استغراب واستهزاء، ثم طرقت الزّجاجَ الأمامي بقوّة -كادت تكسره- وقالت بغضب “هيّ دي اللي ربنا قدّرك عليها؟”. ولما استفسرت منها، تابَعَت وعلى وجهها امتعاض بائس “باحسبك يا بيه ح تدّيني بالدولار”.. فانتفضتُ ذهولا قبل أن تصفعني “أمّا أنت راجل بخيل صحيح.. لو ما كنت راكب عربية، ح تشحت مني بأة؟”. محمد هجرس

مشاركة :