لم تكن أحداث تشارلوتسفيل في ولاية فرجينيا الأميركية، التي أشعلها عنصريون ونازيون جدد و«كوكس كلان»، سوى إشارة لوجود فاشية جديدة، نتيجة فوز دونالد ترامب في الرئاسة، ولم تكن حادثة معزولة، إذ تلتها صدامات في ولايات أخرى، تدل على أن ظرف الأزمة الاقتصادية العميقة، كان سبباً لانتخاب رئيس عنصري يلبي مشاعر العنصرية والعداء القومي للغير، مثلما حدث في ثلاثينات القرن الماضي، عندما ولّدت الأزمة الاقتصادية عام 1929 الفاشية في ألمانيا وإيطاليا واليابان، لإعادة اقتسام النفوذ في العالم عن طريق الحروب. بيد أن الظرف التاريخي الآن يختلف عنه في الثلاثينات، خصوصا بعد دخول الاتحاد السوفياتي الحرب العالمية الثانية، وأثر ذلك في نهوض حركة التحررالوطني في الدول المستعمرة والاقطاعية، وما نتج عنه من تشكيل منظمات أممية وقوانين دولية، تحفظ بعض حقوق الإنسان والدول، وهذا ما يفسر هتافات العنصريين ضد الشيوعية والماركسية من دون مسوغ لذلك، هذا فقط يعكس العداء التاريخي للشيوعية التي قضت على النازية. في بدايات القرن الماضي لم ينتشر الوعي لدى الشعوب، وفي الوقت نفسه رزحت دول العالم «الثالث» تحت قيود الفقر والعبودية، أما الآن فالوضع يختلف، وهذا قد يمنع حروبا عالمية كونية، لكنه بالتأكيد لن يمنع الأفكار اليمينية المتطرفة وحركات النازية الجديدة من الظهور، وتغذيتها من الإمبريالية مثلما حدث في أوكرانيا، وكما أفرزته الانتخابات في أوروبا، حيث ظهرت بوادر الفاشية في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا... كما أن الموازين تختلف في هذه الفترة، إذ أفرز الوعي بالتحررالوطني قوى مناهضة للفاشية أكبر من القوى المؤيدة لها، وقد حظيت تغريدات باراك أوباما بمتابعة الملايين، حيث اقتبس كلمات المناضل الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا الذي قال: «لا يولد الإنسان وهو يكره إنسانا آخر بسبب لونه أو عرقه أو دينه، فالناس يتعلمون الكراهية، وإذا كانوا قادرين على تعلم الكراهية فإنهم سيقدرون على تعلم الحب، لأن الحب أكثر قرباً إلى طبيعة قلب الإنسان». صحيح أن الإمبريالية لن تستطيع إشعال حرب كونية جديدة، إلا أنها استطاعت اشعالها وبأبشع ما يكون من خلال الفاشية الدينية، التي خلقتها وغذتها واستعملتها كآلة حصد لأرواح البشر، وتحققت لها غايات الحرب بين الدول، من خلال التفتيت الطائفي وإضعاف الدول، ونهب الثروات عن طريق وكلائها، وقريباً سينتهي دورهذه الفاشية الوحشية، وستبحث عن وسيلة أخرى لإدامة السيطرة والنهب وبقاء نظامها الاقتصادي الآيل إلى السقوط. osbohatw@gmail.com
مشاركة :