بعد أن كانت رنا تعتمد على بطاقة ائتمان والدها لشراء ما يعجبها على الإنترنت، تحوّلت اليوم إلى شقيقتها هبة التي تزوّجت وانتقلت للعيش في السويد قبل سنة. وتقول رنا (14 سنة): «تصل البضائع في السويد أسرع من لبنان وأشعر بأن جودتها أفضل. كذلك فإن كلفتها أقل، إضافة إلى أن أختي تزورنا باستمرار، فتجلب ما أطلبه معها وتجنّبني تأنيب والدي». لكنّ هبة تشتكي من هذا الوضع وتقول: «تتسوّق رنا كثيراً من دون أي مسؤولية. لكني لا أستطيع أن أردّ لها طلباً، خصوصاً عندما أكون بعيدة عنها، فهي الصغيرة واعتادت الحصول على كل ما تطلبه». وبعد أن ارتفعت نسبة البضائع الخاصة بالأطفال في الأسواق اللبنانية، لا سيما الملابس، وفق ما تشير إحصاءات لـ «بنك البحر المتوسط»، يلاحظ ارتفاع نسبة الأطفال الذين يتسوّقون إلكترونياً. فلم يعد هؤلاء مضطرون إلى انتظار أهلهم لمرافقتهم إلى المتاجر ومساعدتهم على الشراء، إذ أصبحت الخيارات أمامهم واسعة ومتنوّعة بفضل ما تتيحه لهم مواقع وشركات التسوّق الإلكترونية، كما أنّهم أصبحوا أكثر وعياً بعالم التكنولوجيا والإنترنت. علي فتى في الـ14 من عمره، طلب قبل شهرين مجموعة من لعبة «سبينر» التي انتشرت عالمياً عبر الإنترنت من الصين بمفرده، ثمّ باعها لأطفال في قريته بسعر أقلّ من السعر الذي تباع فيه في الأسواق اللبنانية، محققاً نسبة جيّدة من الأرباح. وتقول الاختصاصية في علم نفس الطفل أنجليك رحموش لـ «الحياة»، إن «للتسوّق الإلكتروني سلبيات وإيجابيات. ومن إيجابياته، شرط استخدامه بطريقة صحيحة ومن قبل البالغين أو بوجود الأهل في حال كان المتسوّق طفلاً أو مراهقاً، سهولة هذا النوع من التسوّق الذي يمكننا القيام به خلال جلوسنا في المنزل وشراء البضائع من أي مكان حول العالم، إضافة إلى الاستفادة من العروضات الحصرية التي تقدّمها بعض المواقع. لكن ذلك لا ينفي أنه يحمل أخطاراً عدة، خصوصاً إذا استخدم بطريقة غير مدروسة، لا سيما من قبل الأطفال». إعلانات مغرية ودائماً يقع اللوم على شركات الإعلان والتسويق التي تقدّم المنتجات والبضائع بطريقة مغرية للأطفال، فيتورّط الأهل الذين لم يعد لهم في بعض الأحيان حتى دور أخذ القرار عن أولادهم في ما إذا كان هذا المنتج يناسبهم أم لا. «بالتأكيد ستزداد نسبة الأطفال الذين يتسوّقون أو يطّلعون على البضائع والمنتجات على الإنترنت طالما أن معظمهم أصبحوا يمتلكون «آيباد» (جهاز لوحي) وهواتف ذكية. هم بالتأكيد هدف للشركات طالما أنها تنتج بضائع ومنتجات للأطفال، وأصبحت لدى معظم الشركات العالمية أقسام مخصصة للأطفال وتريد الترويج لبضائعها»، يقول روي بو عبسي المدير في شركة «ميماك أوغلفي- بيروت»، الوكالة العالمية الناشطة في الإعلان والتسويق والعلاقات العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضيف: «لكن من الظلم أن يقع اللوم فقط على شركات الإعلان والتسويق. فهؤلاء الأطفال لا يمتلكون بطاقات يدفعون بها، ولا يحقّ لهم أصلاً امتلاكها قبل بلوغ سنّ الـ21. اللوم إذاً يقع بالدرجة الأولى على الأهل الذين يسمحون لأطفالهم بأن يستخدموا بطاقاتهم من دون رقابة فعلية من جانبهم». بدورها، تعتبر رحموش أن «وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها تساهم مساهمة أساسية في الترويج للتسوّق الإلكتروني، إذ إنها تغري الأطفال بطرق عدة من خلال الصور ومقاطع الفيديو والعروضات التي تقدّمها، بالتالي تجذبهم إلى شرائها، خصوصاً إذا كانت هذه السلع جديدة. كما أنّ المحيط الذي يعيش فيه الطفل أو المراهق يلعب دوراً أساسياً في تشجيعه على التسوّق إلكترونياً، لا سيما إذا كان هذا المحيط يضمّ مجموعة أطفال يشجعون بعضهم بعضاً على شراء الألعاب والملابس الحديثة التي تتوافر دائماً إلكترونياً قبل أن تصل إلى المحال التجارية في لبنان». وتتابع رحموش أن «اللوم لا يقع على طرف واحد، ففضلاً عن المحتوى الذي تقدّمه شركات التسويق والإعلان هناك مسؤولية على الأهل. فمواقع التسوّق الإلكتروني لا رقابة عليها ويمكن شراء أي سلعة بكبسة زر. وهنا يجب الالتفات إلى أنه من السهل جداً أن يقع الأطفال في هذه الحالة ضحية عروضات غير واقعية ومحاولات غشّ واحتيال، خصوصاً إذا ظهرت أمامهم أثناء تصفّحهم مواقع التواصل الإجتماعي، صفقات وعروضات مغرية بالنسبة لطفل ليست لديه معرفة واسعة وقدرة على التمييز. لذا من الضروري تحديد عمر المستهلك على مواقع التسوّق الإلكتروني، وطلب بطاقة هوية للتأكّد من عمره، من أجل ضبط عملية الشراء». ولا ينفي بو عبسي أن هناك مسؤولية تقع على عاتق شركات الإعلان والتسويق تتمثّل «في حال تقديم هذه الشركات إعلاناً لا يتناسب مع أعمار الأطفال أو يتضمّن محتوى غير أخلاقي. وغير ذلك، لا لوم على شركاتنا فهي في النهاية تؤدّي وظيفتها»، مؤكّداً «ضرورة وجود اختصاصيين اجتماعيين ونفسيين يشاركون في الإشراف على محتوى الإعلان قبل إطلاقه، وهذا ما نعتمده في عملنا». قرارات غير منضبطة تحذّر رحموش من خطورة هوس الشراء العشوائي على شخصية الطفل، موضحة أنه «إذا فُتح المجال أمامه للتسوّق الإلكتروني من دون موافقة الأهل ووجودهم قد يؤدّي ذلك إلى أن يصبح عشوائياً وغير منضبط في قراراته المستقبلية، إضافة إلى اكتسابه عادة حبّ كل ما هو جديد وامتلاكه. وقد تتطلّب هذه العادة علاجاً في المستقبل للتخلّص منها». وتكشف هبة: «أبي كان يسمح لشقيقتي بالتسوّق على راحتها ظناً منه أنها تشتري أموراً بسيطة تتناسب مع عمرها، لكنه عندما لاحظ أن تساهله معها أدّى بها إلى شراء أغراض ليست لسنها ومن وراء ظهره، منعها من استخدام بطاقته، ولكنها لم تتوقّف ولجأت إلي وأنا متساهلة معها إلى الآن في هذا الموضوع». وتوضح أن «على الأهل توجيه أطفالهم على عدم شراء أي شيء من دون العودة إليهم، من أجل تعويد الطفل على الاستئذان قبل القيام بأي عمل كالشراء على الإنترنت أو أخذ أي غرض من شخص غريب. وهناك دور يجب أن تلعبه المؤسسات التربوية إلى جانب الأهل من أجل تحذير الطفل من المغريات التي يشاهدها. كذلك من الضروري أن يشتري الوالدان لطفلهم حصالة نقود (قجّة) من أجل تعزيز روح المسؤولية المالية عنده وحضّه على شراء ما يحتاجه فقط».
مشاركة :