الحج ركن إسلام وسلام تسقط فيه كل الشعارات الزائفة

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مشهد الحجيج وهم ملتئمون بالملايين على جبل عرفات من كل عام، من جنسيات وأعراق ولغات وألوان مختلفة لأداء فريضة الحج .. إنه بحق أجمل مشهد في الوجود، وبذلك يعد فرصة عظيمة لنقل رسالة إسلامية للعالم أجمع، ففي الحج يتجرد الجميع من أيّ مآرب سياسية أو شعارات حزبية، إنما يكون هدفهم جميعاً تلبية نداء واحد هو «لبيك اللهم لبيك»! حيث تسقط كل الشعارات الزائفة، ولا تبقى سوى «راية التوحيد» راية الإسلام التي يتجمع حولها كل المؤمنين باختلاف لغاتهم وأجناسهم. هذا؛ وقد وصف العلماء هذا المشهد الرهيب بأنه أكبر جهاز إعلامي؛ حيث تعود هذه الملايين إلى ديارها بعد أداء الفريضة لتنشر ما تعلمته من أخلاق ومبادئ الإسلام، ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما جعل من عرفات منبراً يقرّ فيه المنهج الذي يصون للإنسانية حقوقها. راية التوحيد يؤكد المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة أنَّ موسم الحج يُعد مناسبة عظيمة تظهر تماسك الأمة الإسلامية، وإنه إذا أردنا أن نجمع الأمة على شيء تلتقي عليه القلوب وتتوحد فيه الجهود؛ فلتكن «عقيدة التوحيد»، ففي الحج تسقط كل الشعارات الزائفة من وطنية وقومية ومذهبية، ويلتئم شمل المسلمين تحت راية الإسلام التي يتجمع حولها كل المسلمين حتى لو اختلفت لغاتهم وأوطانهم، وهذا يعطينا دلالة قوية في أننا إذا أردنا أن نجمع الأمة على شيء فلن نجد مثل الدِّين، وعندما تجتمع القلوب على هذا الإيمان يسهل اجتماعها في شتى الميادين بعد ذلك سواءً كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية ... ولن يتحقق ذلك إلاَّ بإبقاء فريضة الحج بعيدة عن السياسة بصورة كلية، وينبغي أن ننظر إلى المسلمين الذين يجتمعون للحج باعتبارهم جاؤوا لأداء هذه الفريضة وحدها، والطريق الصحيح للاستفادة من الاجتماع فى هذه الفريضة، أنْ نبعث فى الناس روح الدعوة لكيْ يعودوا إلى بلدانهم دعاة إلى دين الله بدلاً من الإثارة والثرثرة الفارغة! ويضيف، بأن «الإيمان» هو الأساس الذي جمع عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - شتات الناس مكوناً خير أُمَّةٍ أُخرِجت للناس، فالحج ينبغي أن يُظهِر دروساً غالية للأمة؛ أولها: دروس التضحية والفداء، وأن آلام الأُمَّة وهمومها لن تعالج بالخطب الرنانة، ولا بقرارات الشجب والاستنكار، وإنما تعالج بالتضحية والفداء. والتضحية قد تكون بالنفس أو المال أو الوقت، والترفع عن الترف وزخارف الدنيا من أجل إعلاء راية لا إله إلا الله. أيضاً: من أهم الدروس التي ينبغي تأكيدها في الحج ثقافة الجهاد في تحقيق آمال الأمة وطموحاتها، أمَّا التخاذل فلا يأتي إلا بالهوان والمذلة، كما أن هناك درساً مهماً آخر هو أن عزة هذه الأمة في اجتماعها وتضامنها، وأن نصر الله لها في اجتماعها بالقلب قبل الجسد، واجتماعها بالعمل قبل القول، وهذه دروس مهمة ينبغي أن يعكسها الحج. أكبر جيش سلمي من جانبه، يرى المفكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد - أن الحج منهج وتطبيق في آنٍ واحد، بداية من الخروج وحتى المرور بالميقات وانتهاء بطواف الإفاضة، وهذا محدد شرعاً ومبيناً بكل تفاصيله، إذْ إنَّ المقصد الأول من الحج هو الربط بين أبناء الأمة الإسلامية واجتماعهم في مؤتمر عالمي. وجوهر الحج طاعة الله في النفس بتحمل المشاق بعيداً عن الشعارات، وعندما تتحقق الطاقة يكون التقدم، وفي الحج يتجمع قرابة أربعة ملايين مسلم يمثلون جنسيات وأعراقاً ولغات وألواناً شتى، فالحجاج يُمثلون أُمة مصغرة للأمة الأعظم أمة الإسلام، ففي الحج يكون بناء الفرد وتأسيس معنى الأخوة والتضحية، وفوق ذلك الاستعداد للقاء الله في أيّ وقت، فالمؤمن يدخل بنفسه في ثياب بيضاء غير مخيطة، وكأنه يدخل في كفنه بنفسه ويسعى ليقف ويلبي. وفي الحج فرصة عظيمة لنقل رسالة إسلامية للعالم كله؛ تنبِّههم إلى أن الإسلام لن يموت وأنه لا يمكن لقوة أن تقهره وتحبسه بين جدران محددة أو تحاصره في أنفاس المسلمين، ومن هنا فثقافة الحج ينبغي أن تشتمل على ما ينهض بالمسلمين ويُذكِّرهم بقوتهم، وتقوي عقيدتهم وإيمانهم وتشد أواصر الوحدة المتراخية بينهم وترفع معنوياتهم في وقت تلوح أمامهم حواجز اليأس. ويضيف: في الحج يصبح الحجَّاج أكبر جيش سلمي، بلْ أقوى من كل الجيوش المدججة بالسلاح، فبالإيمان وحده يملأون قلوب أعدائهم بالرهبة، وهكذا فإنَّ ثقافة الحج تعني التجرد لله، والتطهر بقلوبنا، وتمام الطاعة لله عزَّ وجل، واستحضار عظمة الإسلام وتاريخ الإسلام منذ آدم حتى إبراهيم ثم رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - كما أن فيه درساً إيمانياً للدفاع عن الأمة؛ حيث تقوى النفوس بعزة الله؛ لذلك فهو فرصة عظيمة لأنْ نستثمر هذا الموسم في شحذ همم المسلمين وتبصيرهم بقضايانا الإسلامية، كما أن الحج يعد أكبر جهاز إعلامي؛ حيث تعود هذه الملايين إلى ديارها لتنشر ما تعلمته من مبادئ سامية، ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما جعل من عرفات منبراً يقر فيه بالمنهج الذي يصون للإنسانية حقوقها. المؤتمر الرباني العالمي هذا، ويرى فضيلة الدكتور طه أبو كريشة - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر - أن الحج مؤتمر رباني للأمة الإسلامية تجتمع فيه قلوب المسلمين على بند واحد هو التوحيد، والتجرد من مظاهر الحياة الزائفة كافة. ففي الحج تتآلف قلوب المسلمين ويتعارف بعضهم على بعض، وفي الحج يتجرد الجميع من أيّ شعارات حزبية أوْ مآرب سياسية، ويكون هدفهم جميعاً رفع نداء واحد هو «لبيك اللهم لبيك». وإذا كان الحج كظاهرة إسلامية تجمع هذا الحشد الفريد من نوعه في العالم الذي تعجز أيّ أمة أن تجمع مثله في وقت واحد وبقعة واحدة، فهذا يجعلنا نفكر في أن نحاسب أنفسنا ونعود لرشدنا ونباهي بعقيدتنا، ونُوحِّد صفوفنا طاعة لله سبحانه وتعالى، وننبذ خلافاتنا، حتى لا «تتداعى علينا الأمم» كما حذَّرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ففي الحج حكمة الوحدة الربانية من الله لعباده تذكرهم دائماً بأن يعودوا ليلتفوا حول راية الحق. الحج جامعة عالمية ويرى الدكتور ناجح إبراهيم أنَّ الحج «رحلة العمر» وأنه «من أفضل العبادات» وأنه تذكير عظيم بقصة التوحيد، وبرحلة الحنيفية السمحة على الأرض، وأن «موسم الحج» جامعة يفِد إليها المسلمون من شتى أرجاء المعمورة، فتتلاقى أفئدتهم بعدما كانوا لاهين عن ذِكر الله، ما جعل قلوبهم مرتجفة وأياديهم مرتعشة؛ لأنهم نسوا الله فسلط عليهم أعداءهم، ومن هنا يأتي درس الحج لتتصافى الأرواح مع بارئها في أضخم حشد على وجه البسيطة، وهو الموسم الرباني. ويضيف، حبذا لو أن حكَّام المسلمين وأولياء أمور الأُمة اجتمعوا ليقرروا أمورهم بأنفسهم دون أن يتركوا الآخرين يزايدوا عليهم، ويا ليت أمة الإسلام تعي درس حكمة الحج وحكمته البعيدة.

مشاركة :