لماذا يحتاج الكاتب إلى قارئ بقلم: وارد بدر السالم

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القارئ الشرقي نتاج ثقافة أخرى ليس لها رصيد كافٍ فيما نقرأه من تصورات نقدية واستجابات متعددة لقارئ آخر يرى في التطبيقات والنظريات في هذا الموضوع ما يلزمه ويوجّه خطاب القراءة عنده.العرب وارد بدر السالم [نُشر في 2017/08/31، العدد: 10739، ص(14)] في عصر الإنفوميديا والميديا والاتصالات عابرة السديم، لا يمكن للمنظّر الناقد أن يوجِد قارئاً على مزاج تنظيراته وتطبيقاته القسرية على النصوص واستخلاص نوايا نقدية بهدف تعميمها كنظرية أو استنتاج. ولا يمكن للنقد بوصفه حلقة بين القارئ والكاتب أن يتحول الى مُوجّه أبوي دائم بلغة سامية ومترفعة هي أقرب إلى خيال الكتابة منه إلى واقع الكتابة النصيّة ذاتها. وواضح أن نظريات القراءة واستجابات القارئ هي نظريات يُحسب لها أنها وطّدت الصلة بين القارئ والمؤلف ولكنها منحت القارئ امتيازات نظرية – استثنائية، نراها بعيدة الصلة عن واقع التأليف والكتابة بشكلها العام. فالقارئ يتحول على مر الزمن لينتمي إلى أجيال وثقافات متعددة وأزمان تتغير باستمرار، تحمل معها الكثير من الحلول والآراء والتقييمات والرؤى النظرية والميدانية، وبات من المسلّم به أنها حلول فنية – جمالية، وأن القارئ أينما يكن هو تجربة ذاتية خالصة لا علاقة لها بالتنظيرات المتسارعة التي صدّرها الغرب النقدي وتداولها الشرق النقدي بحماسة. فالقارئ الشرقي نتاج ثقافة أخرى ليس لها رصيد كافٍ فيما نقرأه من تصورات نقدية واستجابات متعددة لقارئ آخر يرى في التطبيقات والنظريات في هذا الموضوع ما يلزمه ويوجّه خطاب القراءة عنده، ولا يلزمنا بشيء سوى أن تكون نظريات ومحاولات في استثمار ثيمة القارئ التي باتت ثيمة مكررة بتطبيقاتها الغربية وشفراتها المختلفة التي يتبارى فيها كبار النقاد والأكاديميين بإنشاء مدارس قراءة في كل حقبة زمنية. المفهومات النظرية الغربية تطرح أيضا قارئاً تخييلياً يفترعه الوهم في الكثير من الأحيان، وحينما يحدد فولفانغ آيزر بأن للعمل الأدبي قطبين -فني وجمالي- ويرى أنّ الفني هو نص المؤلف فإنه يضع “الجمالي” في عهدة القارئ ويكتفي له بهذا الدور من دون أن يزيد عليه، على العكس من جاك دريدا الذي يرى بأن القارئ هو الذي يكتب النص مانحاً له سلطة كبيرة على المؤلف، وربما هذا وهم نقدي يرفع من شأن قارئ لا علاقة له به، ولهذا يرى الناقد كارل هاينز شتيرله بأن القارئ في هذه الحالة يؤدي دوراً كبيراً غير مرتبط بسياق حياته الشخصية، إذا تمثلَ ثقافة اجتماعية ثانية أو رؤية شخصية حساسة في أي نص يقرأه. بدورنا نرى من المستحيل تفعيل كل شخصية روائية تحت لافتة قارئ متعدد القراءات خاصة القارئ الضمني كما يسمى نقدياً أو القارئ الكفء بتعبير كلر أو الفائق بتعبير ريفانتير، فهذا وهم نقدي ملتبس كثيراً، لهذا قال تودوروف بأن على القارئ أن يبني الشخصية نفسها، شخصية النص، وهذا أمر مكلف بالحسابات الفنية والجمالية، فإدراك النص بهذا المستوى يحتاج إلى قارئ – مؤلف، بما يعني شيوع وهم القارئ بهذا المستوى، أو بأعلى تقدير يصفه الناقد كارل هاينز من خلال وهم يخلقه هذا القارئ نفسه إذا تم تجاوز حدود النص بهذا المعنى. تودوروف بدوره يرى أن الروايات تبدع الواقع وتعيد إنتاجه بخلق عالم روائي محدد وعالم خيالي آخر يخلقه القارئ فيتداخل هذان العالمان في لحظة القراءة وبالتالي يستطيع الروائي أن يغير من طريقة استقبال القارئ بألا يتعدى حدود النص كثيراً مع إطلاق مخيلته في التأويل والتفسير وإنشاء علاقاته المعقولة مع النص الذي يجب ألا يُحوّر كثيراً لصالح القراءة وألا يكون الخيال ولا التأويل عبئاً على النص لكي لا يتبعثر كثيراً ويفقد جمالياته أكثر من المطلوب من أجل استقلاليته بشكل تام، فكل عمل أدبي مكتفٍ بذاته، وهذه حدوده الواقعية والتأويلية. كاتب عراقي وارد بدر السالم

مشاركة :