الليبرالية الجديدة تحكم العالم!

  • 8/31/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ترجمة وإعداد محمد أمين| تخيل لو ان سكان الاتحاد السوفيتي لم يسمعوا أبداً بالشيوعية. فالايديولوجية التي تهيمن على حياتنا اليوم، تجد ان معظم الناس لا يعرفون اسمها، وإذا حدث ان ذكرتها في حوار ما، فانك ستفاجأ باللامبالاة ممن حولك، حتى إذا سمع هؤلاء بمصطلح «الليبرالية الجديدة» NEOLIBERALISM فانهم لن يعرفوا عم تتحدث! يمثل اختفاء هذا المصطلح عرضاً وسبباً لقوته، لقد لعب ذلك دوراً رئيسياً في مجموعة متنوعة من الأزمات مثل أزمة الانهيار المالي لعام 2008/2007 وأزمة «الأوف شور»، التي كانت فضيحة «أوراق بنما» جزءا بسيطاً منها، وأزمة الانهيار البطيء للصحة العامة والتعليم وعودة ظهور الفقر في أوساط الأطفال وانتشار حالة الشعور بالوحدة وانهيار الأنظمة البيئية، وصعود نجم دونالد ترامب، ولكن استجابتنا لهذه الأزمات جاءت وكأنها معزولة، غير مدركين على ما يبدو، انها حدثت بفعل أ و مساعدة فلسفة متسقة لها أو كان لها اسم، وما هي القوة الأكبر من قوتك إذا كنت تعمل بلا اسم؟ لقد أصبحت الليبرالية الجديدة نافذة لدرجة ان من النادر ان نعترف بها كايديولوجية، ويبدو اننا نقبل بالافتراض ان هذا المعتقد الفاضل والمنتمي للألفية الجديدة يصف قوة محايدة، انه أشبه بقانون بيولوجي مثل نظرية داروين للنشوء والتطور، لكن الفلسفة نشأت كمحاولة واعية لاعادة صوغ الحياة الإنسانية وتغير مكمن القوة. السوق أولاً الليبرالية الحديثة ترى ان المنافسة هي التي تصوغ شكل العلاقات الإنسانية، فهي تعيد تعريف المواطنين باعتبارهم مستهلكين يجسّدون خياراتهم الديموقراطية بأفضل صورة عبر البيع والشراء، وهي عملية تكافئ الجدارة أو الأهلية وتعاقب العجز وعدم الكفاءة، وتصر على أن «السوق» توفر الفوائد التي لا يمكن تحقيقها بالتخطيط. ويتم التعامل مع المحاولات للحد من المنافسة باعتبارها مناهضة للحرية، فالضرائب والقوانين يجب تقليصها إلى الحد الأدنى، والخدمات العامة يجب أن تخصص. أما تنظيم العمالة والمساومات الجماعية من قبل الاتحادات المهنية، فينظر إليها كتشويهات للسوق وتعيق تشكيل الهرمية الطبيعية للرابحين والخاسرين. ويعرض التميز باعتباره فضيلة ومكافأة لخدمة تؤدى ومصدراً للثروة التي تنساب لإثراء أي شخص، والجهود لخلق مجتمع متكافئ لها نتائج عكسية وتؤدي إلى التأكل على المستوى المعنوي. فالسوق هي التي تضمن أن يحصل كل شخص على ما يستحق! سباق فنحن نعمل على «تدخيل» (أي جعل الشيء دخيلاً) ونعيد إنتاج مبادئ السوق، والأثرياء يقنعون أنفسهم بأنهم اكتسبوا ما لديهم من ثروة بجدارتهم، متجاهلين الميزات التي حصلوا عليها كالتعليم والإرث والطبقة الاجتماعية والتي ربما ساعدتهم في الحصول على الثروة، والفقراء يبدأون بتوجيه اللوم إلى أنفسهم على الإخفاقات التي منوا بها، حتى حين كانوا قادرين على فعل «شيء ما» لتغيير ظروفهم. وبصرف النظر عن البطالة الهيكلية، فإذا كنت لا تعمل، فإن ذلك لأنك تفتقد حس المبادرة. ودع عنك التكاليف غير المعقولة للإسكان، فإذا بلغت بطاقتك الائتمانية حدها الأقصى، فإنك عاجز ومسرف. وبصرف النظر عن حقيقة أن أبناءك ليس في مدرستهم ملعب، فإذا أصيبوا بالسمنة، فأنت المسؤول. ففي عالم تحكمه المنافسة، يحكم على المتأخرين (في هذا السباق) ويحكمون على أنفسهم بأنهم عاجزون. ومن بين النتائج كما يوثقها بول فيرهاجي في كتابه بعنوان: «ماذا عني؟» والمترتبة على ذلك، إلحاق الأذى بالنفس واضطرابات في نظام الأكل والإصابة بالاكتئاب والوحدة والقلق والخوف الاجتماعي، وقد يكون من غير المفاجئ أن تصبح بريطانيا التي تطبق فيها الليبرالية الجديدة بشكل صارم أن تصبح عاصمة «الوحدة» في أوروبا، فنحن (البريطانيون) كلنا ليبراليون جدد الآن. الليبرالية الجديدة لقد برز مصطلح «الليبرالية الجديدة» أثناء اجتماع عقد في باريس عام 1938، وكان من بين الوفود رجلان تقدما لتعريف هذه الأيديولوجية هما لودويغ فون ميسيز وفريدريك حايك، وكلاهما مبعدان من أستراليا، واعتبرا أن الديموقراطية الاجتماعية التي جسّدها برنامج فرانكلين روزفلت الذي عرف بــ«الاتفاق الجديد» NEW DEAL والتطور التاريخي لدولة الرفاة البريطانية باعتباره مظهراً من مظاهر الروح الجماعية التي احتلت الطيف ذاته، الذي احتلته النازية والشيوعية. لقد جادل حايك في كتابه بعنوان «الطريق إلى العبودية» الذي نشره عام 1944، أن التخطيط الحكومي، بتحطيم روح الفرد، سيقود حتماً الى السيطرة الشمولية. وقد حظي الكتاب شأنه شأن كتاب ميسز بعنوان «البيروقراطية» بالقراءة على نطاق واسع. وقد لفت نظر بعض فاحشي الثراء الذين رأوا في هذه الفلسفة، فرصة لاعفاء انفسهم من الضرائب والقوانين. وحين أنشأ حايك عام 1947 أول منظمة لنشر مبدأ الليبرالية الجديدة تحت مسمى «جمعية مونت بيليرين»، حظيت بالدعم المالي من أصحاب المليارات ومؤسساتهم. سادة الكون وبمساعدة هؤلاء، بدأ حايك في إنشاء ما وصفه دانيال ستيدمان جونز في كتابه بعنوان «سادة الكون» بأنه «شكل من أشكال الليبرالية الجديدة العالمية»، أو شبكة عبر الأطلسي من الأكاديميات ورجال الأعمال والصحافيين والنشطاء. وقد مول مؤيدو الحركة سلسلة من مراكز البحث التي تعرف وتروِّج لهذه الأيديولوجية ومن هذه المراكز: معهد انتربرايز الأميركي ومؤسسة هيرتيج ومعهد كاتو ومعهد الشؤون الاقتصادية ومركز الدراسات السياسية ومعهد أدم سميث. كما قام هؤلاء بتمويل مراكز وإدارات أكاديمية خاصة في جامعتي شيكاغو وفيرجينيا. وكما يتبين لاحقاً، أصبحت الليبرالية الجديدة أكثر حدّة، إذ يرى حايك أن الحكومات يجب أن تنظم المنافسة لمنع الاحتكارات من التفكك، إذ يعتقد ميلتون فريدمان أن قوة الاحتكار تكمن في النظر اليه (أي الاحتكار) باعتباره مكافأة للكفاءة والفعالية. بديل جاهز لقد حدث أمر مختلف خلال هذا التحول، إذ فقدت هذه الحركة اسمها. في عام 1951، كان فريدمان سعيداً لوصف نفسه بأنه «ليبرالي جديد» أو NEOLIBERAL ولكن سرعان ما اختفى هذا المصطلح. والأغرب من ذلك، أنه حتى في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الأيديولوجيا أكثر هشاشة والحركة أكثر تماسكاً، فإن الاسم الذي اختفى لم يجد له بديلاً. في البداية، بقيت الليبرالية الجديدة على الهوامش على الرغم من التمويل السخي لها. فقد ساد إجماع شبه كامل بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تطبيق نظريات جون مينارد كينس الاقتصادية على نطاق واسع، وكان القضاء على البطالة والفقر هدفين مشتركين في الولايات المتحدة ومعظم أنحاء أوروبا الغربية. وكانت معدلات الضريبة مرتفعة وسعت الحكومات الى تحقيق أهداف اجتماعية معينة مثل تطوير خدمات عامة جديدة وشبكات أمان مستحدثة من دون الشعور بالحرج. ولكن في السبعينات، وحين بدأت سياسات كينس تنهار وضربت الأزمات الاقتصادية طرفي الأطلسي، عادت الليبرالية الجديدة الى التيار السياسي والثقافي العام. وكما اشار فريدمان، فإنه «حين حان وقت التغيير.. كان هناك بديل جاهز» وبمساعدة الصحافيين المتعاطفين والمستشارين السياسيين، تبنت ادارة كارتر وحكومة جيمس كالاهان في بريطانيا، بعض عناصر الليبرالية الجديدة، لا سيما وصفاتهم ذات الصلة بالسياسة النقدية. تاتشر وريغن وبعد وصول مارغريت تاتشر ورونالد ريغن الى الحكم، توالت بقية عناصر الرزمة، حيث خفض الضرائب على الأثرياء بشكل كبير، وتم تحطيم النقابات المهنية، ورفع القيود التجارية والخصخصة وإيكال مهام الإنتاج لجهات خارجية والمنافسة في الخدمات العامة. وتم فرض السياسات الليبرالية الجديدة عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومعاهدة ماستريخت ومنظمة التجارة العالمية. وتم ذلك أحياناً، دون تفويض ديموقراطي، على انحاء واسعة من العالم. والأغرب من ذلك ان تتبنى مثل هذه السياسات احزاب كانت يسارية ذات يوم مثل حزب العمال وحزب الديموقراطيين الأحرار في بريطانيا. وقد يبدو من الغريب لعقيدة تعد بالحرية والاختيار أن ترفع شعار أن «ليس هناك بديل». وكما أشار حايك أثناء زيارة لتشيلي إبان حكم الدكتاتور بينوشيه، حين كانت تشيلي الدولة الأولى التي يُطبق فيها البرنامج بصورة شاملة، «أميل إلى تفضيل دكتاتورية ليبرالية على حكومة ديموقراطية تخلو من الليبرالية». فالحرية التي تعد بها الليبرالية الجديدة تبدو كأنها حرية لعلية القوم وليست لصغارهم. فغياب النقابات والتفاوض الجماعي يعني حرية سحق الأجور، وغياب اللوائح يعني حرية تسميم الأنهار وتعريض العمال للخطر وفرض أسعار فائدة غير عادلة، وغياب النظام الضريبي يعني التنصّل من توزيع الثروة بشكل يقضي على الفقر. شكل بلا مضمون وتوثق نعومي كلاين في كتابها بعنوان «عقيدة الصدمة» لعدد من منظري الليبرالية الجديدة الذين طالبوا باستغلال الأزمات لفرض سياسات لا تحظى بشعبية في غفلة من الناس، كما حدث غداة انقلاب بينوشيه في تشيلي والحرب على العراق وإعصار كاترينا. وحين يتعذر تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة محلياً، يتم تطبيقها دولياً من خلال المعاهدات التجارية يتم من خلالها تمكين الشركات من تخطي إجراءات الحماية الاجتماعية والبيئية. وحين صوتت بعض برلمانات العالم على فرض قيود على مبيعات السجائر، أو حماية مصادر المياه من شركات التعدين، أو تجميد فواتير الطاقة أو منع شركات الأدوية من التحايل على الدولة، لجأت الشركات للقضاء للالتفاف على هذه القوانين ونجحت إلى حدّ كبير، وبذلك جعلت من الديموقراطية مجرد شكل بلا مضمون. النخبة الحاكمة لقد تراجع اقتصادا أميركا وبريطانيا في ظل الليبرالية الجديدة منذ عام 1950 أكثر مما كانا عليه في العقود السابقة، وإن لم يشمل ذلك فاحشي الثراء. وعدم العدالة في توزيع الدخل والثروة عاد إلى الارتفاع بسرعة خلال هذه الفترة بعد ستين عاماً على تراجعه، وذلك بسبب القضاء على النقابات المهنية والخصخصة ورفع القيود عن التجارة. لقد مكّنت عملية خصخصة الخدمات العامة من طاقة وحياة وقطارات وصحة وتعليم وطرق وتقاعد، الشركات من أخذ حصتها من الموجودات الأساسية سواء من المواطن أو من الحكومة. فمن يمتلكون الخدمات المخصخصة كلياً أو جزئياً في بريطانيا يحققون أرباحاً طائلة من خلال استثمار القليل وجني الكثير. وفي روسيا والهند، استحوذت النخبة الحاكمة على موجودات الدولة من عمليات بيع متعجلة لممتلكات الدولة. وفي المكسيك، تم منح كارلوس سليم السيطرة على جميع خدمات الاتصالات الأرضية والموبايل، وسرعان ما أصبح أغنى أغنياء العالم. نقل الأموال وكان للقيم التمويلية FINANCIALISATION كما وصفها أندرو سايور في كتابه «لماذا لا نحتمل الأثرياء؟» تأثير مشابه. وقال إن «القيم الإيجارية مثل الفائدة يجنيها الأثرياء منه من دون بذل أي جهد». ولما يصبح الفقراء أكثر فقراً والأغنياء أكثر غنى، يستحوذ الأثرياء على المزيد من الموجودات الأكثر أهمية، أي المال. فالفائدة ما هي إلا نقل للأموال من الفقراء إلى الأثرياء. ويجادل سايور بأن العقود الأربعة الماضية تميزت بنقل الأموال من إلى الأثرياء. أما في صفوف الأثرياء، فقد انتقلت من أولئك الذين يحققون ثروتهم من خلال إنتاج سلع أو خدمات جديدة إلى أولئك الذين يحققون ثروتهم من خلال الاستحواذ على أصول موجودة وتحصيل القيم الإيجابية أو الفوائد أو مكاسب رأس المال. وهكذا فقد حل الدخل غير المحصل محل الدخل المحصل! ذريعة وفرصة معاً وتعصف إخفاقات السوق بالسياسات الليبرالية الجديدة في كل مكان، وليست وحدها البنوك هي اكبر من ان تفشل، بل أيضا الشركات الكبرى المسؤولة عن تقديم الخدمات العامة. وكما أشار طوني جوت، فإن حايك نسي أنه لا يمكن السماح بانهيار الخدمات القومية الحيوية، وهو ما يعني ان المنافسة لا يمكن ان تأخذ مسارها، أي أن تأخذ الشركات الربح بينما تتحمل الدولة المخاطر. وكلما كان الفشل اكبر، اصبحت الايديولوجيا اكثر تطرفاً. فالحكومات تستغل ازمات الليبرالية الجديدة كذريعة وفرصة في آن، من اجل خفض الضرائب وتخفيض ما تبقى من الخدمات العامة ورتق الفجوات في شبكة الامان الاجتماعي وتحرير الشركات واعادة تنظيم المواطنين. فالدولة الان تغرز أنيابها في كل عضو من أعضاء القطاع العام. وربما يكون التأثير الاخطر لليبرالية الجديدة ليس الأزمات الاقتصادية التي تسببت بها، بل الازمة السياسية. ومع تقليص مدى الحكومة، فإن قدرتنا على تغيير مسار حياتنا عبر صناديق الاقتراع انكمش كثيراً. وتؤكد نظرية الليبرالية الجديدة على أن الناس يمكنهم ممارسة خيارهم عبر الانفاق، ولكن البعض لديهم قدرة على الانفاق اكبر من غيرهم. ففي ديموقراطية المستهلك أو مالك الأسهم، لا تتوزع الاصوات بالتساوي بين المالكين، وبالتالي تكون النتيجة إضعاف الفقراء ومتوسطي الحال. وما ان تتبنى الاحزاب اليمنية واليسارية السابقة سياسات ليبرالية جديدة متشابهة، فإن إضعاف التمكين يتحول الى حرمان، وهكذا، يتم استبعاد اعداد كبيرة من الناس عن الحلبة السياسية. استجابة للشعارات ويرى كريس هيرجيز أن الحركات الفاشية بنت قاعدتها ليس من النشطاء السياسيين، بل من غير النشطاء سياسياً، أو المهزومين الذين يشعرون (وهم غالباً، على حق) أن لا صوت لهم أو دور يلعبونه في المؤسسة السياسية. وحين لا نجد أنفسنا في الجدل السياسي، يصبح الناس أكثر استجابة للشعارات والرموز والعواطف، فالحقائق والجدليات لا تعنى شيئاً بالنسبة لأنصار ترامب على سبيل المثال. ويشرح جوت أنه حين تتقلص شبكات التفاعل بين الشعب والدولة الى سلطة وطاعة، فإن القوة الوحيدة المتبقية لكي تُلزم الناس هي القوة. وعلى الأرجح أن تبرز السلطوية التي حذر منها حايك حين تتحول الحكومات حين تفقد سلطتها المعنوية التي تمتلكها بحكم تقديمها للخدمات العامة، الى «استرضاء وتهديد وبالتالي، إجبار الناس على إطاعة أوامرها». وتبيّن ان تشارلز كوش قال لدى تأسيس أحد مراكز البحوث «من أجل تجنب الانتقادات غير المرغوب فيها، علينا عدم الكشف عن طريقة إدارة وتوجيه مؤسستنا الى العلن». والكلمات التي يستخدمها الليبراليون الجدد عادة ما تخفي أكثر مما تكشف، فمثلا، عبارة «ما يريده السوق» تعني بالنسبة لهم ما تريده الشركات ورؤساؤها و«الاستثمار» تعني أمرين مختلفين تماما، أحدهما، تمويل النشاطات الاجتماعية المنتجة والمفيدة، والثاني، شراء الأصول الراهنة واستخدامها لتحقيق الارباح. مفاهيم مقلوبة وقبل قرن مضى، كان أصحاب الثروة المتوارثة ينتقصون من قدر الأثرياء الجدد، أما الآن، فقد انقلبت المفاهيم، وأصبح الاثرياء الجدد أكبر قدرا في السلم الاجتماعي من الاثرياء التقليديين. وبالرغم من كل ذلك، هناك أمر يدعو للاعجاب في مشروع الليبراليين الجدد، لاسيما في مراحله المبكرة على الأقل. فقد كان فلسفة مميزة خلاقة تم تطويرها بواسطة شبكة متماثلة من المفكرين والنشطاء الذين كانت لديهم خطة واضحة للعمل. وقد اتصفت هذه المجموعة بالجلد والمثابرة. فقد أصبح كتاب «الطريق إلى العبودية» سبيلا للوصول الى السلطة. ويعكس انتصار الليبرالية الجديدة كذلك، فشل اليسار، فحين قادت نظرية عدم التدخل في الاقتصاد الى كارثة عام 1929، أعد كينيس نظرية اقتصادية جديدة لتحل محل النظرية الاولى (عدم التدخل). وحين انهارت الليبرالية الجديدة عام 2008، لم يظهر أي بديل لها. لهذا السبب، تعود الى الظهور مرة أخرى. فاليسار والوسط فشلا في الإتيان بأي إطار عام جديد في الفكر الاقتصادي على مدى ثمانين عاما. وأي محاولة استدعاء لفكر اللورد كينيس ما هي إلا إقرار بالفشل. ان اقتراح حلول «كينسية» لأزمات القرن الحادي والعشرين يعني تجاهل ثلاث مشكلات واضحة: أولاها: من الصعب حشد الناس حول أفكار قديمة، وثانيتها: المثالب التي كُشفت في السبعينات لم تختف تماماً، وثالثتها وهي الأهم انها لا تعالج العقبة الكبرى والمتمثلة بالأزمة البيئية. جورج مونبويث(غارديان)

مشاركة :