أدى أكثر من مليوني حاج ركن الحج الأعظم بنجاح وفي سهولة ويسر، إذ وقفوا على صعيد عرفات الطاهر في مشهد إيماني مهيب، مردّدين التلبية والدعاء طلباً للمغفرة والسلام. وبدا جبل عرفات، صباح أمس، وقد طغى عليه اللون الأبيض لون لباس الإحرام لدى الحجاج من الرجال حتى لا تكاد ترى صخوره. وجلس حجاج آخرون في خيم بسيطة أو على فرش على جنبات الطرقات. وتردّدت في الأرجاء كلمات التلبية والدعاء ورفع الأيدي إلى السماء. وحلّقت مروحيات عدة فوق المكان منذ ساعات الصباح الأولى، فيما كان الحجاج يتوافدون منذ الفجر على جبل عرفات لأداء ركن الحج الأعظم. وفاقت درجات الحرارة في الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت مكة المكرمة 36 درجة، فيما خصّص قسم في المستشفى الواقع قبالة جبل الرحمة للعلاج من ضربات الشمس. ولم تسجل أي حالات إصابة بضربات الشمس. وأدى حجاج بيت الله الحرام صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً، واستمعوا إلى خطبة عرفة اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث امتلأت جنبات مسجد نمرة في مشعر عرفات بضيوف الرحمن. وحضّ المستشار بالديوان الملكي السعودي عضو هيئة كبار العلماء، د. سعد الشثري، في خطبة يوم عرفة حجاج بيت الله على تقوى الله بالتزام شرائعه وترك نواهيه للفوز بمحبة الله ومعيته والفلاح في الدنيا والأخرة، لافتاً إلى أنّ من تقوى الله التزام أعظم ما أمر الله به، وهو التوحيد بإفراد الله بالعباد حيث لا يصلى إلا لله ولا يدع إلا الله. وذكر الشيخ الشثري أنّ التوحيد هو دين رسل الله جميعاً صلوات الله عليهم، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله فلا يعبد بحق إلا الله، مشيراً إلى أنّ الشهادة الأخرى التي يحصل بها مع شهادة التوحيد الفوز والنجاة والفوز الكبير هي شهادة أنّ محمد رسول الله الذي أرسله الله لهداية الخلق، وأوحي إليه بحيث يصدق في خبره ويطاع في أمره ولا يعبد الله إلا بما جاء به. وقال: «طريقة المسلم عدم تجاوز ما أمر الله به من الوفاء بالعهود والمواثيق وملتزم بما أمر الله به من طاعة ولاة الأمور، بما يحفظ النظام العام وينتج عنه استقرار البلدان وأمنها»، مضيفاً: «المسلم يمقت الاعتداء على الآمنين من المسلمين وغيرهم في مختلف البلدان ويدين الاعتداء والجماعات الإرهابية». مشيراً إلى أنّ الشريعة الإسلامية جاءت بما يحفظ الأمن والاستقرار في كل المجالات، فحفظت الأمن العقدي والأمن الفكري والأمن السياسي والأمن الأخلاقي، كما جاءت بحفظ الأمن في الدول والأوطان وزراعة محبة الخير في القلوب. وحذّر الشثري من جعل موسم الحج من أوامر الجاهلية بجعله موسماً للمزايدات، أو مكاناً للشعارات أو التظاهرات أو الدعوة للأحزاب والتجمعات، مؤكداً أنه لا مكان للشعارات الحزبية ولا للدعوات المذهبية ولا للحركات الطائفية التي نتج عنها تشريد الملايين. جاهزية من جهته، أكّد مسؤول أمني سعودي، أمس، جاهزية منشأة الجمرات لاستقبال حجاج بيت الله الحرام اليوم الجمعة عبر منظومة أمنية مكوّنة من قوات الطوارئ الخاصة الموكل إليها تنظيم المشاة والمنتشرة في مداخل المنشأة ومخارجها. وأوضح قائد قوات أمن الحج السعودية الفريق أول ركن، خالد الحربي، أنه تمّ وضع العديد من الخطط لتسهيل حركة تفويج الحجاج التي تكفل الحفاظ على أمنهم وسلامتهم. وأشار الحربي إلى أنه سيتم توزيع الحجاج القادمين إلى منشأة الجمرات من مختلف الجهات والطرق على مختلف الطوابق بالمنشأة، وفق خطط وآليات أعدت منذ وقت مبكر بما يضمن نجاح وتسهيل عملية دخولهم إليها. لافتاً إلى أنّه ستتم مراقبة حركة الحجاج في منشأة الجمرات عبر مركز للقيادة والسيطرة الذي توجد به أكثر من 500 كاميرا تعمل على مدار الساعة، ومرتبطة مباشرة بمركز القيادة والسيطرة للأمن العام، وتعمل على إدارته كوادر وطاقات بشرية مؤهلة أعلى درجات التأهيل في مجال مراقبة وإدارة الحشود. جهود سلطات بدوره، أوضح قائد قوات الطوارئ الخاصة في الحج، اللواء محمد العصيمي، أن عمل قوات الطوارئ في منشأة الجمرات سيكون مركزاً في إدارة حركة الحشود وتنظيم رمي الجمرات في كل الطوابق بهدف تحقيق التوازن في سهولة الحركة. وأكّد العصيمي قدرة وجاهزية هذه القوات على تأدية أعمالها عبر الخبرات المتراكمة التي حققتها في مواسم الحج السابقة، وجاهزية منشأة الجمرات لاستقبال الحجاج للقيام برمي الجمرات من خلال ستة طوابق تتوافر فيها كل الإمكانات. وأشار العصيمي إلى ما يتوافر في المنشأة من خدمات وإمكانات مادية متطورة من كاميرات مراقبة وغيرها من المكانات المادية، إلى جانب العنصر البشري المدرب أفضل تدريب على التعامل مع الحشود، وسبل تقديم الخدمات لضيوف الرحمن والسهر على راحتهم. منظومة متكاملة إلى ذلك، أكّد وزير الحج والعمرة، محمد بن صالح طاهر بنتن، أنّ أكثر من مليوني حاج تمكّنوا من الوصل إلى صعيد عرفات الطاهر بيسر وسهولة، بتضافر جهود منظومة متكاملة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وثمّن بنتن جهود رجال الأمن في تسيير ما يزيد على 20 ألف حافلة، ومثلها من السيارات الخاصة، مشيراً إلى أن المملكة تبذل جهوداً كبيرة تبدأ مع الحاج قبل وصوله إلى أرض المملكة، حيث تشرع في تقديم التسهيلات مع الحصول على التأشيرات، حيث استحدث نظاماً إلكترونياً متكاملاً يسمح لبعثات الحج أو الحجاج أنفسهم، بتسجيل جميع معلوماتهم قبل وصولهم، ومواعيد رحلاتهم، والخدمات التي تقدم لهم في مساكنهم. النفرة إلى مزدلفة وبدأ حجاج بيت الله الحرام بعد غروب شمس الخميس التاسع من شهر ذي الحجة التوجه إلى مشعر الله الحرام مزدلفة، بعد أن منّ الله عليهم بالوقوف على صعيد عرفات، وقضاء ركن الحج الأعظم، قبل التوجه إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى والاحتفال بأول أيام عيد الأضحى الجمعة، ثم يرمون غداً الجمرات الثلاث في أيام التشريق. وأدّى ضيوف الرحمن عقب وصولهم إلى مزدلفة صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتقطوا بعدها الجمار، وباتوا ليلتهم في مزدلفة، ثم توجّهوا إلى منى بعد صلاة فجر اليوم لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي. وشهدت الطرق الفسيحة التي سلكها حجاج بيت الله الحرام في طريقهم إلى مزدلفة، انتشار رجال المرور والأمن والحرس الوطني والكشافة لمساعدة الحجاج وتسهيل حركتهم. واتسمت تحركات قوافل حجاج بيت الله الحرام بالانسيابية باستخدام قطار المشاعر والحافلات، في حين سلك المشاة من الحجاج المسارات التي خصصت لهم المزودة بجميع احتياجاتهم.
مشاركة :