لايمكن إدراك دلالات كلمة رجل في موقع الملك عبد الله بن عبد العزيز، يخاطبُ العالَم من مهبط الوحي، البارحة إلا باستحضار الحساسية البالغة للموضوع الذي كان محور الكلمة، وللتوقيت الذي ألقيت فيه. لم نعد في عالمٍ تُعالجُ قضاياه الخطيرة بخطبٍ مُطوﱠلة تجترﱡ الكلمات وتُكرر المعاني دون أن تصل إلى لُب الموضوع وتعالج عناصره الجوهرية. خاصةً حين تصدر عمن يكونون في موقع المسؤولية. وهذا موقعٌ يُمكِّنُ صاحبه من معرفة حقيقة المشكلة ورؤية تفاصيلها الدقيقة وتداعياتها الحاضرة والمستقبلية أكثرَ من أي إنسانٍ آخر. ثمة شعورٌ عميقٌ في كلمات الملك بحجم (غول) الإرهاب الذي يمتد لا ليأكل المنطقة فقط، وإنما بما سيفعله هذا الغول بعالمٍ غارقٍ في فوضى عارمة ناتجة عن ازدواجية المعايير من جهة، وعن غياب الرؤية الاستراتيجية من جهةٍ أخرى. من هنا، تأتي الكلمة باختصارها وتركيزها أقرب ماتكون إلى (جرس إنذار) موجهٍ إلى كل من يهمه الأمر، وهؤلاء كثير. هناك معنىً معرفي كبير لوصف ظاهرة الإرهاب بـ (الفتنة)، وفي أن يبدأ الحديثُ عنها باستخدام هذا المصطلح. فالمعاني والدلالات التي تحملها الكلمة متعددةٌ وواسعة وشمولية. وهي لا تقف عند المعنى المباشر للحدث ونتائجه، وإنما تمتد في مساحات الزمان والمكان وتتغلغل في نسيج الاجتماع الإنساني الذي يوحي المصطلح بأنه يتأثر دائماً بمستتبعاتها. وقد يكون من المؤلم في مثل هذا المقام ألا تكون هناك كلمةٌ بالإنجليزية أو غيرها يمكن أن تحمل كل حمولتها المعرفية، فتكون قادرةً على إيصال الرسالة إلى شعوب الأرض قاطبةً. لاتكتفي (الفتنة) بأن تصيب حتى أولئك الذين سكتوا عنها. ولايقف الأمر عند كونها أشد من (القتل)، هذه الجريمة التي ربما تكون أكبر ما يمارسه (الإرهاب)، لكن القرآن يعتبرها، أي الفتنة، أكبر من تلك الجريمة. أكثر من هذا، تُظهر الكلمة البُعد الأخطر للفتنة متمثلاً في تشويه صورة الإسلام بأبشع طريقةٍ يمكن أن يمارسها بشر، وصولاً ليس فقط لحرمان أهل الحضارات الأخرى من كونه (رحمةً للعالمين)، وإنما لدفعهم إلى القناعة بأن (صراع الحضارات) هو المصير الوحيد المحتوم على البشرية. وفي ظل نظامٍ دولي فَقدَ أدنى إحساسٍ بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية، وصارت (الازدواجية في المعايير) سِمَتهُ الأساسية، تأتي الكلمة لتضعَ الأمورَ في نِصابها بالحديث الصريح والواضح عن المجزرة التي تشهدها غزة أمام سمع العالم وبَصَره. لايحصل هذا من باب (رفع العتب) بالحديث عن الموضوع، وليس فقط من مدخل الواجب، وإنما أيضاً لربطه منهجياً بفتنة الإرهاب التي يعيشها العالم. وهنا تأتي الإشارة صريحةً لايمكن أن يكون لها تأويل، فرغم أن أشكال الإرهاب كثيرة، وأن منها ما يأتي من أفراد وتجمعات، إلا أن منها مايأتي أيضاً من دول، في إشارةٍ واضحةٍ إلى إسرائيل، مع السير في طريق الصراحة إلى آخره والقول بأن هذا هو أخطر أنواع الإرهاب. لامواراة هنا. ولانظرَ إلى الأمور بعينٍ واحدة. وإنما الرؤية الشمولية التي تربط الظواهر بأسبابها، وتُشير بشكلٍ حاسم إلى جذور المشكلة، مدركةً أن التعامل معها لايمكن أن يتحقق بمعالجة عوارضها الخارجية. لا، للصمت على الإرهاب بأي شكلٍ من أشكاله. لا، للتغاضي عن إرهاب الدول أياً كانت. فكل ماسينتج عن مثل هذه الممارسات إنما هو من قبيل صبﱢ الزيت على النار ليزداد أوارها. بل إنها يمكن أن تكون سبباً لإشعال نارٍ لم تكن موجودةً أصلاً. ثم تمتدُ الرؤية أكثر من هذا. لا، لخداع النفس والآخرين من خلال تكبير (هوامش) الإرهاب وتسليط الضوء عليها في مقابل تصغير (مَتنهِ) الأصلي والتغاضي عنه. ولا، لاستخدام الإرهاب وسيلةً للمناورات والمكائد السياسية. وقد تكون مصيبة المصائب في هذا العالم (المتحضِّر) أنه في كثيرٍ من الأحيان لايكتفي فقط بألا يعمل لحل المشكلات، بل إنه يزهد في عمل من يريد حلَّها، ويضع العصي في دواليب المشاريع التي تهدف لذلك. من هنا، تُذكِّر الكلمة بمشروع (المركز الدولي لمكافحة الإرهاب) الذي أرادت له السعودية، ومنذ عشر سنوات، أن يكون مشروعاً يعالجُ الظاهرة بكل عناصر الرؤية الشمولية المُشارِ إليها أعلاه. لكن مثل تلك المعالجة كانت تتضاربُ فيما يبدو مع بعض أصحاب المصالح، ومع طريقتهم الخاصة، التي يرون أن التعامل مع الإرهاب من خلالها يُحقق مصالحهم.. هل يعني هذا التخلي عن المسؤولية؟ تؤكد الكلمةُ عكس ذلك. فهي إذ تهدفُ لأن تكون شهادةً على الآخرين في هذا الإطار، إلا أنها تعود لتدعو بصريح العبارة أهل القرار والرأي إلى تحمل مسؤوليتهم، مرةً أخرى إثرَ توضيح الصورة الشاملة للموضوع، بعد أن عَمَّت الفوضى في قراءته وفهمه. مرةً أخرى، تأتي الكلمة لتُظهر بشكلٍ متميز القدرة على حشد كل تلك المعاني الكبيرة في كلمةٍ وجيزةٍ ومركزة. ولعل هذا يأتي من الإحساس العميق بخطر الظاهرة التي تُعالجها على الجميع، ومن الحاجة إلى الحديث عنها بصدقٍ مع النفس والآخرين يتجاوز عادةً التطويل والتكرار. بل ومن شعورٍ بالمسؤولية يدفع إلى أن يكون (جرسُ الإنذار) هذا مقدمةً لممارساتٍ عملية تهدف إلى التعامل مع الظاهرة بكل مافي الرؤية المطروحة من دقةٍ وتكاملٍ وشمول. waelmerza@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :