ثمة تعليقات كثيرة ذات معنى خاص على قرارات الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة، قد يكون من أطرفها أن أكثر من انتقدها هو الإعلام الإيراني والإعلام الرسمي السوري وبعض الإعلام اللبناني التابع لهما بالضرورة. وحين تكون هذه الجهات هي الأكثر انتقاداً للقرارات المذكورة فإن هذا يجعل كل من يهمه خيرُ المملكة، ومعها خيرُ العرب والمسلمين، يبقى مطمئناً قرير العين. المفارقةُ الأكبر أن القرارات تهدف تحديداً، على المدى الاستراتيجي، إلى تأمين مقومات الاستقرار بشكلٍ يؤكد حجم الشعور بالمسؤولية تجاه حاضر السعودية ومستقبلها. فالواضح أن هذا الهم يكمن وراء هذه المراسيم وماسبقها، من حيث ترتيب شؤون البيت السعودي على مستوى القيادة، بما يضمن الانسجام الكامل وفق رؤيةٍ واضحةٍ ومحددة تحقق مصالح البلاد. ولما كانت القضية استراتيجية الأبعاد، كما ذكرنا، فقد حملت القرارات جملة مُعطيات تصب في خدمة الهدف المطلوب. وهي مُعطياتٌ تنطلق من الواقعية أولاً، لكنها أيضاً تعتمد الحسم منهجاً للتعامل مع الحاضر والمستقبل. فالمتغيراتُ التي تُحيط بالمملكة في الإقليم وفي العالم متسارعةٌ وحساسة، ولاينفع التعامل معها بتكتيكاتٍ مرحلية، لامن حيث السياسات نفسها، ولامن حيث القائمين على ضمان استمرارها وتنفيذها. لهذا، جاء منطقياً أن تلحظ المراسيم قبل كل شيء المزج بين عنصري الشباب والخبرة بشكلٍ مدروس. فمع أن الانسجام بين كلٍ من ولي العهد وولي ولي العهد الجديدين أمرٌ معروفٌ سابقاً للمتابعين، إلا أنه ظهرَ بشكلٍ واضح للجميع في تجربة (عاصفة الحزم) وماتلاها، وعلى كل المستويات. وتجتمع في وصولهما إلى الموقع كل عناصر المعادلة الكامنة فيما باتَ يمكن تسميته فعلاً بـ (عقيدة سلمان): الخبرة والشباب والانسجامُ بمدخلي الإيمان بالرؤية من جانب والتكامل من جانبٍ آخر. وفي هذا الإطار، يأتي تعيين وزيرٍ للخارجية من خارج الأسرة الحاكمة ليحمل أكثر من رسالة. فمن جهة، تتأكد بهذا القرار قاعدة انفتاح الأفق أمام أصحاب الإمكانات المتميزة من المواطنين للوصول إلى مناصب في غاية الأهمية والحساسية، وهذا معنىً يؤكد قاعدة المُشاركة بشكلٍ ملحوظ. ومن جهةٍ أخرى، يبدو الحرصُ على قاعدة (التغيير من أجل الاستقرار) التي يمكنُ إبصارُ ملامحها في كثير من القرارات. لايمكن أيضاً فصلُ التعيينات الجديدة في المواقع العليا عن مجمل القرارات التي جاءت أيضاً تحملُ رسائل تتعلق بمسألتي الانسجام والأهلية. فحين يتعلق الأمر بسير عمليات التطوير والتنمية الراهنة والمستقبلية وفق الرؤية الاستراتيجية التي وضعها الملك سلمان، والتي بات واجباً أن يعرفها الوزراء وكبارُ المسؤولين، بعد إذ باتت ملامحها واضحةً للجميع داخل المملكة وخارجها، لامجال للتردد والحسابات التقليدية. من هنا، لم يكن هناك ولن يبقى مكانٌ لمن لاينسجم مع الرؤية ويُثبتُ أهليته لتنفيذ مايخصهُ منها. لامجال هنا للتسويف وانتظار مرور فترةٍ طويلة للحكم على القدرات وأصحابها. فالمطلوبُ واضح، والأدوات مُتاحةٌ للعمل، والإنجاز ممكنٌ ومطلوب، وبالإمكان إظهار النتائج أو ملامحها على الأقل دون حاجةٍ للانتظار الطويل. لامجال أيضاً للأقاويل والشائعات التي تنهلُ من معين طريقةٍ تقليديةٍ في التفكير بات مطلوباً أن تصبح من الماضي. فحين تأتي زيارة الملك سلمان برفقة ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعدد كبيرٍ من الأمراء والمسؤولين، قصر ولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبد العزيز، وفي نفس يوم صدور القرارات، فإن هذا يُرسلُ أيضاً رسائل حاسمة سيفهمها، بالتأكيد، كل المَعنيين. بمعنىً آخر، المملكةُ ماضيةٌ في طريقها الجديد بكل أبنائها دون أن تنظر إلى الوراء. waelmerza@hotmail.com
مشاركة :