يعد المتحف الجيولوجي المصري واحدا من أهم المتاحف الجيولوجية في العالم، فهو يضم بين جنباته كما هائلا من الكنوز المعرفية والثروات المعدنية وهياكل عظمية لحيوانات ونباتات وأحجار ونيازك وحفريات انقرضت منذ آلاف السنين وبقيت حفائرها. أُنشئ المتحف الجيولوجي المصري في عام 1901 عقب إنشاء الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية المصرية عام 1896، والتي أمر بإنشائها الخديوي إسماعيل، واستمر المتحف يشغل مبنى شارع الشيخ ريحان المتفرع من ميدان التحرير بالقاهرة، بهيئته المتميزة ذات الطراز الفريد، واعتُبر أحد المعالم الحضارية والمعمارية لمدينة القاهرة. وفي عام 1982 انتقل المتحف وهدم مبناه لإنشاء مترو الأنفاق ونقل إلى منطقة "أثر النبي" على كورنيش النيل ليضمُّ مقتنيات توزّع على صالات العرض الموجودة به، ويضمُّ كنوزا لا تُقدَّر بثمن تؤرّخ لطبيعة مصر الجيولوجية على مدار التاريخ، حيث ترجع أهمية المتحف إلى كونه يحتل المركز الرابع على مستوى العالم من حيث مقتنياته، والمركز الأول على مستوى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فهو يضمُّ بين ثناياه أكثر من 50 ألف قطعة من الحفريات والصخور والمعادن والأحجار الكريمة وشبه الكريمة التي تعود إلى آلاف السنين، بالإضافة إلى كتاب "اكتشاف منابع النيل"، والذي يعود تاريخه إلى عام 1790، وكتاب "وصف مصر" الذي يصف الطبيعة الجيولوجية لمصر. • مركز بحثي وعن أهم مقتنيات المتحف يقول حجاج لطف الله، مدير عام المتحف الجيولوجي: إنه عبارة عن صالة عرض مفتوحة تتكوّن من ثلاث أقسام؛ الأول يعرض حفريات لا فقارية، وهي تبرز لنا طبيعة الحياة وبدايتها على وجه الأرض، مقسّمة طبقا للعصور الجيولوجية التي مرَّت على مصر. أما الجزء الثاني فهو يضمُّ الحفريات الفقارية، والتي تتكوّن من 14 رتبة أشهرها حيوان الأرسنوثرين، والذي يبلغ عمره 35 مليون سنة، وقد تمَّ اكتشافه في الفيوم، وحيوان "بالتيد"، والذي تمَّ اكتشافه في الواحات البحرية، ويبلغ عمره 97 مليون عام، وطوله 34 مترا. أما عن الصالة الثالثة والأخيرة فهي تشمل الصخور والمعادن الموجودة على القشرة الأرضية، والتي من أبرزها أحجار المرمر والجرانيت والديوريت المنحوت منها تماثيل الملك خفرع والمسلات الفرعونية، والحجر الإمبراطوري المنحوت منه أعمدة كنائس روما، كما يضمُّ مجموعة من أبرز النيازك التي سقطت على الأرض، ومنها نيزك بمدينة إثنا بمحافظة قنا، ونيزك النخلايت بمدينة أبو حمص بمحافظة البحيرة، بالإضافة إلى نيزك جبل كامل بالواحات البحرية. ويشير لطف الله إلى أن المتحف يُعدُّ من أهم المتاحف الموجودة في مصر، فهو يضمُّ بين ثناياه المواد الخام التي يستخرج منها بودرة التلك، والتي تستخدم لصناعة بودرة الأطفال وبعض المساحيق الخاصة بالتجميل، وحجر الجبس الشفاف الذي يستخرج منه مواد البناء، كما توجد به مجموعة من المواد الرصاصية التي تُعرف باسم "ناجيا"، والتي يستخرج منها كحل العين، بالإضافة إلى بعض المواد الملونة التي كانت تستخدمها الملكات الفرعونية للتجميل، هذا بجانب ما يضمّه المتحف من صخور الذهب الموجودة بمنجم السكري، ويحوي أقدم خريطة لمناجم الذهب في مصر، والتي أعدَّها ورسمها قدماء المصريين، ويتخذ المتحف من حيوان “الأرسينوثيريوم” المنقرض شعارا له لما له من خصوصية مصرية، فهو كائن منقرض كان يعيش في الفيوم قديما، واكتشف شبيه له في إثيوبيا وتركيا. ويوضح أن أهمية المتاحف الجيولوجية ترجع إلى دورها في تنمية الوعي الثقافي لدى الشعوب، بالإضافة إلى أن وجود المتاحف يُعدُّ دليلا حيا على ارتقاء وتحضر الأمم والشعوب على مر الزمان، باعتبار أن ما يعرض في المتاحف هو توثيق للتاريخ الذي يعمل على توطيد الانتماء والذاكرة الوطنية، هذا بجانب أن المتحف الجيولوجي يُعدُّ مركزا بحثيا استكشافيا يُسهم بالتعاون مع المراكز البحثية الأخرى والجامعات العلمية المتخصصة في اكتشاف العديد من الحفريات ومعرفة المزيد عن الطبيعة الجيولوجية لمصر، مشيرا إلى أن اكتشاف حفريات الديناصور المصري "المد والجزر" يُعتبر أحد أهم الإنجازات التي حقّقها العاملون بالمتحف، حيث اكتشف عام 2001 في الواحات البحرية، وكان يصل طوله إلى 33 مترا، وكذلك اكتشاف حفريات "الباسيلويورس" عام 2007 بالتعاون مع جامعة ميتشجان، حيث اكتشف جنس جديد من أجداد فرس النهر في الفيوم عام 2015، واكتشاف جنس جديد في الصخور الطباشيري الأعلى عام 2015. ويؤكد مدير عام المتحف الجيولوجي أن دور المتحف لا يقتصر فقط على عرض المعروضات الموجودة به وإرسال البعثات إلى الصحاري فقط، بل إنه يشمل أيضا تطوير اتفاقيات التعاون العلمي مع الجهات الأجنبية العالمية، والجامعات والمتاحف العالمية، فالمتحف يشمل بين جوانبه مكتبة نادرة تحتوي على ما يزيد على 6 آلاف كتاب متخصص في علوم الجيولوجيا و500 مرجع عن الحفريات الفقارية، كما تضمُّ موسوعات ومجلات نادرة مثل المجلة الجيولوجية البريطانية من عام 1818، ومجلة المساحة الهندية التي ترجع إلى عام 1861، ومجلة المعهد البلجيكي عام 1900، بالإضافة إلى أن المتحف يحتوي على غرفة خاصة مجهزة لعرض الأفلام العلمية المجسّمة وقاعة للمحاضرات العلمية.
مشاركة :