العراقيون يشعرون بوجود خديعة. ولأول مرة نسمع من شيعة العراق لعنات وهجوما قويا ضد حزب الله والمشروع الإيراني. هناك شعور بالذنب بحق الموصل.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/09/03، العدد: 10740، ص(5)] القادة العراقيون غاضبون، وخصوصا ضباط الجيش العراقي، فقد اقترحوا الإبقاء على منفذ لفرار الدواعش إلى مدينة الرقة لإنقاذ مدينة الموصل التي تعتبر ثاني أهم حاضرة من حواضر العراق. والذي عطل الصفقة هو خطاب حسن نصرالله الشهير، حيث طالب العراقيين بعدم السماح للإرهابيين بالفرار وحث الميليشيات على قطع الطريق المؤدي إلى سوريا وجعل الموصل محرقة للجميع. الآن جنرالات الجيش في حالة احتقان لأنه حين وصل الأمر إلى القلمون وجرود عرسال ومصير بعض الأسرى اللبنانيين تفاوض حسن نصرالله وسمح للدواعش بالانسحاب نحو دير الزُّور والبوكمال على الحدود العراقية. هذه رسالة لبنانية إلى ضباط العراق تقول إن الموصل كلها و650 ألف طفل عراقي مصاب بصدمة الحرب لا تساوي رفات جندي لبناني واحد. البيان الذي أصدره حسن نصرالله لتهدئة الغضب العراقي كان تأثيره عكسيّا، فهو يقول “كانت لدينا في لبنان قضية إنسانية وطنية جامعة هي قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين من قبل داعش منذ عدة سنوات، وكان الإجماع اللبناني يطالب بكشف مصيرهم وإطلاق سراحهم إن كانوا أحياء أو استعادة أجسادهم إن كانوا شهداء، وكان الطريق الوحيد والحصري في نهاية المطاف هو التفاوض مع هؤلاء المسلحين لحسم هذه القضية الإنسانية الوطنية”، وهنا يلاحظ تسمية الدواعش بـ”المسلحين” للتخفيف. ويقول إن نقل 310 داعشي منهك ومهزوم بالباصات التي وفرها حزب الله إلى دير الزُّور لا مشكلة فيه.سقطت جميع أقنعة حزب الله الاحتجاج بالنسبة إلى العراقيين ليس هو نفسه بالنسبة إلى الولايات المتحدة. الكولونيل ريان ديلون متحدثا باسم التحالف قال إنه “لمنع القافلة من التقدم شرقا، أحدثنا فجوة في الطريق ودمّرنا جسرا صغيرا وأن داعش يشكل تهديدا عالميا، ونقل الإرهابيين من مكان إلى آخر كي يتعامل معهم طرف آخر ليس حلا دائما”. فالولايات المتحدة ضد عقد صفقات من أي نوع مع الإرهابيين، لهذا نفذت غارات جوية داخل سوريا لمنع الدواعش من الوصول إلى الحدود العراقية، بينما العراقيون غاضبون لتدخل حسن نصرالله واعتراضه على توفير أي منفذ لهروب الدواعش من الموصل. هناك معلومات تشير إلى صفقة سابقة مع الدواعش في تحرير الفلوجة، حيث قاد حزب الله العراق المفاوضات معهم وتم انسحاب الدواعش إلى الصحراء. شهود عيان ذكروا خروج الدواعش حينها من مدينة الفلوجة وعبورهم عند سيطرة الرزازة التي تسيطر عليها ميليشيا حزب الله. سيدة لبنانية تابعة لإعلام حزب الله تقول إن حسن نصرالله خط أحمر لا يحق للعراقيين أن ينتقدوه، فهو يفهم بأمور الحرب أكثر من الجميع. ولا نعرف هل يفهم حسن نصرالله بأمور الحرب أكثر من جنرالات العراق الذين فكروا بإنقاذ المدينة من خلال ترك منفذ للهرب وليس عقد صفقة كما فعل الغادر حزب الله؟ لا شك أن إنقاذ حياة مليون طفل عراقي ومدينة عظيمة بحجم الموصل يعتبر سببا إنسانيا أكبر بكثير من رفات جندي لبناني. السيد مقتدى الصدر قال إن على الحكومة نشر قوات على الحدود السورية مع البوكمال وعرض المساعدة، في إشارة إلى استيائه من غدر حسن نصرالله بالعراقيين. فهو بنظرهم غادر مرتين: مرة حين أمر الميليشيات العراقية، لقطع الطريق وإفشال أي خطة لإنقاذ الموصل وأهلها، بتوفير طريق هروب للدواعش خارج المدينة التاريخية؛ ومرة ثانية لأنه في لبنان لم يسمح بفرار الدواعش فقط بل عقد معهم اتفاقا لنقلهم بالقرب من العراق. العراقيون يشعرون بوجود خديعة. ولأول مرة نسمع من شيعة العراق لعنات وهجوما قويا ضد حزب الله والمشروع الإيراني. هناك شعور بالذنب بحق الموصل، فما كان يجب تدميرها بهذا الشكل الرهيب ولا كان يجب تشريد أطفالها بهذه القسوة. جنرالات العراق يشعرون بأنه كان من الممكن ترك الإرهابيين يهربون ومطاردتهم في الصحراء أو في مكان آخر بعيدا عن الناس والمدينة لولا أن حسن نصرالله قد خدعهم، فأيادي القادة العراقيين ملطخة بالدماء ويشعرون بالوجع فقد سقط الكثير من الأبرياء في تلك المعركة. يقولون لماذا دم العراقيين رخيص إلى هذه الدرجة بنظر حسن نصرالله؟ شيعي عراقي يقول لماذا لا يعجبنا كلام رجل على فراش الموت يقول “لئن سلمني الله لأدَعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي”، ويضيف “الكوفة جمجمة العرب وكنز الرجال”. ويعجبنا بالمقابل كلام رجل يتمنى لو يصرفنا صرف الدينار بالدرهم، يستبدل عشرة من العراقيين برجل واحد من أهل الشام؟ من حق الناس أن تتساءل في كل شيء بعد خديعة حسن نصرالله للعراقيين. فتح المسلمون العراق عام 14 هجرية وبعد 22 عاما فقد سقط 10 آلاف قتيل من البصريين في “معركة الجمل”، حيث قرر الصحابة نقل خلافاتهم العائلية إلى البصرة، وبعد عام من ذلك التاريخ سقط 40 ألف قتيل من العراقيين في “وقعة صفين” التي هي أبشع حرب أهلية في تاريخ العرب. منذ البداية والعراقيون حطب لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل. يبدو العراق اليوم نتيجة لصراع صفوي عثماني، فالإسلام السياسي معناه خضوع العراق لاحتلال إيراني أو تركي. في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف انتقد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي ما أسماه “النظرة الاستعمارية” لدى كل من إيران وتركيا تجاه العرب. إن هذه الأعمال الاستعمارية أصبحت واضحة من خلال نقل الإرهابيين من مكان إلى آخر بشكل علني ودعمهم والتفاوض معهم لأغراض سياسية تخدم الهدف الاستعماري التركي والإيراني معا. هناك ملامح انشقاق واضح بين العراقيين وحزب الله بعد فضيحة التفاوض مع الدواعش ونقلهم إلى العراق. لم يكن ممكنا لهذه الحقائق أن تكون مكشوفة لولا إبعاد قطر من قبل الدول العربية، فالدوحة كانت الطرف الرئيسي الذي يقوم بالوساطات ويشوّش الصورة القبيحة لتحالف إيران وعملائها مع الإرهابيين لتدمير العرب وسحق مدنهم. يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، قال “الأمر ليس عزلا أو تهميشا لقطر بل هو لحماية أنفسنا منها”. دون اللاعب القطري تبدو إيران أضعف بكثير وكذلك الإرهاب وتحركاتهما مفضوحة. إن استبعاد قطر بهذا الشكل أربك جميع اللاعبين المعادين للسلام وأصبح العراق يضع ثقته أكثر بالعرب وبالسيد مقتدى الصدر وفضح خبث حسن نصرالله وعملاء طهران. كاتب عراقيأسعد البصري
مشاركة :