أحزاب صغيرة تسعى لملء الفراغ السياسي في الأنبار والموصل، وسط انقسام سني بشأن أولويات مرحلة ما بعد داعش.العرب [نُشر في 2017/09/04، العدد: 10741، ص(1)]غياب الأحزاب الكبيرة عن المشهد بغداد- تحاول الأحزاب الصغيرة والثانوية، ملء الفراغ السياسي في المناطق “السنية” المستعادة حديثا من تنظيم داعش في العراق، بعد تراجع تأثير الشخصيات التقليدية والأحزاب الكبيرة، أو قلة اهتمامها بالأوضاع الميدانية. ومن أصل ثلاث محافظات مستعادة من داعش، استُبدِل اثنان من المحافظين، الذين ينتمون إلى قوى سياسية تعمل على المستوى الوطني، بآخرين ينتميان إلى حركات سياسية محلية. واعتقل محافظ صلاح الدين، أحمد الجبوري، الذي يتمتع بصلات وثيقة مع شخصيات سياسية بارزة في بغداد، على خلفية تهم بالفساد، فيما أقصي محافظ الأنبار، صهيب الراوي، الذي ينتمي إلى الحزب الإسلامي، من منصبه، بعد أشهر من استعادة المحافظتين. وبينما خلف الجبوري في منصبه، نائبه الذي ينتمي إلى حزب صغير في المحافظة، تمكنت حركة الحل، بزعامة رجل الأعمال جمال الكربولي، من دفع القيادي الشاب فيها، محمد الحلبوسي، إلى منصب محافظ الأنبار. وتحاول الأحزاب المحلية، استثمار غياب الشخصيات السنية التقليدية، عن المشهد في المحافظات المستعادة من داعش، لتثبّت أقدامها، قبيل الاستحقاق الانتخابي المقرر في 2018. ويسود الانقسام في الأوساط السياسية السنية، بشأن أولويات مرحلة ما بعد داعش. ويسعى المشروع العربي، بزعامة رجل الأعمال، الذي ينحدر من محافظة الأنبار، خميس الخنجر، إلى إيجاد موطئ قدم له في العاصمة العراقية، بعدما أمضى سنوات عدة في معارضة العملية السياسية من خارج البلاد. ووفقا لمصادر “العرب”، فإن “رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، يتجاهل الطلبات الملحة من الخنجر، للموافقة على قدومه إلى بغداد”. ويعتقد الخنجر، بحسب المصادر، أن استمراره في العمل من الخارج، لن يساعده في التأثير بقوة في المناطق السنية. وبسبب رفض العبادي التعامل معه حاليا، حوّل الخنجر بوصلته إلى زعيمي ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وتيار الحكمة الوطني عمار الحكيم. وذكرت المصادر نفسها، أن مشاورات أولية بين وسطاء قطعت شوطا متقدما، وربما يتلقى الخنجر دعوة قريبة للحضور إلى بغداد. ويعتقد الخنجر، وفريقه السياسي الذي يضم محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي، والقيادي البارز في “اتحاد القوى السنية”، ظافر العاني، أن الهيمنة على المناطق السنية تنطلق من بغداد، وأن القوى السياسية المحلية لن تستطيع مواجهة مدّ القوى السنية الكبيرة في حال حصلت على دعم الحكومة المركزية. ويعول الخنجر وفريقه على الدعم الخليجي والدولي الذي يتمتع به، للدخول بقوة إلى بغداد. ولكن مراقبين للتطورات الميدانية يعتقدون أن الأحزاب الصغيرة، تثبّت أقدامها فعليا على الأرض، وتستحوذ تدريجيا على المواقع الرسمية في المحافظات المحررة، ما يعني أنها تمتلك مدخلا حيويا للتأثير في نتائج الانتخابات. ويقول هؤلاء، إن القوى السنية الصغيرة، ربما تتحول إلى “واقع حال، إذا استمر غياب الأحزاب الكبيرة عن المشهد”. ولا تملك الأحزاب الصغيرة خطوط تواصل مع المحيط الإقليمي، ولكنها منفتحة على بعض الأحزاب الشيعية في بغداد، ويملك بعضها أموالا طائلة. وفي ظل العزوف الشعبي الواضح عن الهموم السياسية، ربما تكون انتخابات 2018 في كل من الأنبار وصلاح الدين، عملية لتوزيع أدوار، أكثر منها محاولة للتمثيل السياسي، كما يقول محللون. وبالنسبة لسكان مدينة محطمة بفعل الحرب كالرمادي، مركز محافظة الأنبار غرب البلاد، لا تشكل الأخبار السياسية مادة ملفتة للاهتمام. ويعيش سكان المدينة التي استعادتها القوات العراقية بمساندة التحالف الدولي، تحت وطأة تدمير معظم البنى التحتية، وما يزيد عن 50 بالمئة من المنازل، خلال عملية طرد تنظيم داعش. وينشغل سكان هذه المنطقة ومثيلاتها، بإيجاد حلول لمشكلاتهم اليومية المتعلقة بالحصول على سكن وكهرباء وتعليم وخدمات صحية. ويمكن أن يمثل هذا الواقع فرصة كبيرة أمام الأحزاب السياسية في المحافظة، لتوجيه أصوات ناخبيها في أي جهة تشاء باعتماد التزوير، وهو عملية شائعة في الانتخابات التي سبق أن شهدتها المنطقة. وخلال انتخابات العام 2014، حصل المالكي، وهو شيعي، على 97 بالمئة من أصوات منطقة سنية تقع بين بغداد والأنبار، في دليل صارخ على إمكانية تزوير أصوات الناخبين. وبعد تحري وسائل الإعلام عن سبب تصويت هذه المنطقة للمالكي، تبين أنها لم تشهد أي عملية اقتراع، وبقيت مراكزها الانتخابية فارغة في يوم التصويت، بسبب تعرضها لموجة أمطار كبيرة، في وقت سابق، أدت إلى غرق العشرات من المنازل وقطع الطرق. وفي الانتخابات نفسها، حصل وزير الدفاع السابق، سعدون الدليمي، على 100 بالمئة من أصوات ناخبي مناطق جزيرة الرمادي، التي كانت عمليا تحت سيطرة تنظيم داعش، ولم تشهد فتح أي مركز اقتراع. وتقول مصادر “العرب” إن “محافظ الأنبار الحالي، وهو قيادي في حركة الحل، التي يتزعمها جمال الكربولي، يتمتع بنفوذ كبير على مكتب مفوضية الانتخابات في المحافظة، وسبق له أن استغل نفوذه ليحصل على مقعد في مجلس النواب الاتحادي، العام 2014″. ويعتقد مراقبون، أن تزوير أصوات الناخبين العازفين عن المشاركة في الانتخابات بمحافظة الأنبار، ربما يصنع خارطة سياسية تناسب مقاسات بعض الأحزاب الصغيرة. ولا يستبعد مراقبون أن يضغط المشروع العربي، بزعامة الخنجر، بهدف تأجيل اقتراع 2018، حتى يتمكن من “تحقيق موازنة النفوذ السياسي في المحافظات السنية”.
مشاركة :