عادات وتقاليد تقوم بها العائلات في المدن والبوادي المغربية، خصوصا منها تلك التي تعايشت مع اليهود المغاربة خلال القرن الماضي، فتأثرت بعاداتهم وتقاليدهم التي اختلطت مع الموروث الثقافي الضارب بجذوره في الحضارة العربية، حتى أضحوا يستثمرونها في حياتهم اليومية، في مدن فاس وآسفي والصويرة ومراكش، ومنها ثقافة تمليح السمك واللحوم، وهي ثقافة يهودية، جعلت من “العيد الكبير” (عيد الأضحى) في المغرب مناسبة لصناعة “القديد” و”الكرداس” ، اللذين يغنيان المطبخ المغربي على مدار العام. ومن تلك العادات والتقاليد، عادة صناعة القديد والكرداس، وتجفيفهما مُملحين مُتَبَّلَيْنِ مؤونة لأيام الشتاء الباردة. في الشتاء تقوم العائلات المغربية بطهي طواجين القديد والكرداس المغربية اللذيذة. واستعدادا لذلك تقوم سيدات البيوت المغربية، مباشرة بعد تقطيع لحم الأضحية في اليوم الثالث للعيد، وبعد تزكية الأضحية بصدقة ثلثها على الفقراء والمحتاجين، تقوم سيدات البيوت بتجميع شرائح اللحم في آنية كبيرة ورشها بالملح والتوابل والبهارات وتخليطها جيدا وتركها بعض الوقت جانبا حتى يتسرب إلى داخلها مفعول التوابل والبهارات. وبعد قيام السيدات الماهرات في شؤون المطبخ بغسل الأمعاء والأحشاء جيدا، يقمن بتجميع قطع اللحم وربطها وشدها بشرائط الأمعاء، وجعلها على شكل كرات من مختلف الأحجام.عادة إعداد المؤونة عن طريق تجفيفها بدأت تزول شيئا فشيئا مع تطور أجهزة التبريد وانتشارها، وانشغال المرأة المغربية بالعمل خارج المنزل، فقد أصبحت المغربيات يفضلن تقطيع اللحم ووضعه في أكياس بلاستيكية ثم تخزينه في الثلاجات وتقوم السيدات المغربيات بصنع حبل يمددنه فوق السطوح في الجهة المقابلة للشمس، وفي ظروف تهوئة سليمة نظيفة، ثم يبدأن في تصفيف قطع القديد، وترتيب كرات الكرداس على الحبل، وهن يحرصن أشد الحرص على نظافة المنطقة من هجوم البكتيريا السلبية، مكثرات من رش الملح على قطع اللحم وكُراته، خوفا من تولثها فيكون لها الأثر السلبي على صحة المستهلكين. ومثلما فعلت النسوة بكرات الكرداس المشحمة المملحة، يفعلن كذلك بقطع القديد، فيقمن بنشر اللحوم المُتبلة على شريط خاص بجوار حبل الكرداس، وفي بعض الأحيان، وإذا لم تسمح مساحة السطوح الضيقة بنشر كل اللحم المصنع يدويا، تقوم السيدات المغربيات بتجميع كرات الكرداس إلى جانب قطع القديد في شريط واحد تاركات هذه المؤونة الشتوية للفح أشعة الشمس لعدة أسابيع حتى تجف ويتغير لونها، فتبدو شهية شهيا لعشاق المطبخ المغربي الذي صار له رواده خاصة من الدول الأوروبية المجاورة. تقول السيدة السعدية، من إقليم آسفي، لـ”العرب”، إن للكرداس والقديد في المغرب دورا غذائيا كبيرا، خصوصا أيام الشتاء الباردة في البوادي والقرى النائية، حينما يصبح الوصول إلى الأسواق للتسوق عملية صعبة بأقاليم خنيفرة بجبال الأطلس، والناظور بجبال الريف، وحاحا وتافراوت وتنغير بجبال درن الأطلسية أيضا، في تلك المناطق الوعرة التي تتساقط بها الثلوج وتقطع الطرقات، تعود النسوة إلى مخزون الكرداس والقديد، الذي يضفي أجواء شهية في الطقس القارس برائحة الطواجين المُحمرة المُجمرة، وكؤوس الشاي المُنعنعة، التي تقي الناس من برودة الصقيع بتلك الجبال الشاهقة، والمناطق النائية. ويصنع من القديد أيضا “الخليع” وهو مزيج من القديد والدهن المذاب والبهارات يوضع في علب بلاستيكية، ويتناوله المغاربة بعد تسخينه وإضافة البيض المقلي إليه. وهناك من المغاربة من يعتبر القديد والكرداس قاهرين للجوع في فصل الشتاء، لأنهما يوفران لهم وجبة فيها الكثير من البروتينات التي تحميهم من البرد. عادة إعداد المؤونة عن طريق تجفيفها بدأت تزول شيئا فشيئا مع تطور أجهزة التبريد وانتشارها، وانشغال المرأة المغربية بالعمل خارج المنزل، فقد أصبحت المغربيات يفضلن تقطيع اللحم ووضعه في أكياس بلاستيكية ثم تخزينه في الثلاجات وإذا احتاجت السيدة المغربية إلى إعداد وجبة غداء أو عشاء تأخذ كيسا من اللحم المجمد وتستعمله في طبختها. ومن الأسباب التي تجعل هذه الطريقة إلى زوال هي أن السيدات المغربيات من الأجيال الشابة لا يحسنّ تجفيف اللحوم وإعداد الكرداس كما أن الوعي الصحي جعلهن يخفن من مخاطر عملية التجفيف والتمليح خاصة إذا تمت بطريقة غير محكمة.
مشاركة :