بعد أن نجح تطبيق نظام "ساهر" نوعاً ما في الحد من حوادث السرعة القاتلة، وبدا التزام الكثير من السائقين بالسرعة المعقولة، والتي كانت في السابق السبب الرئيسي في الحوادث الكوارثية، جاء القاتل الصامت "الجوال" الذي أصبح الآن السبب الرئيسي في الكثير من الحوادث البشعة التي راح ضحيتها الكثير من الشباب، وأصبحت نسبة الحوادث المرورية بسبب الجوال 78 %. ومع تهاون واستهتار الكثيرين في خطورة استخدام الجوال أثناء القيادة بل ظهور الكثيرين من مشاهير السناب شات وتطبيقات الجوال الأخرى، ومنهم من يفترض بهم أن يكونوا قدوات للمجتمع وهم يستخدمون الجوال وتطبيقات وسائل التواصل، وهم أمام قمرة القيادة وسط الطريق، بات الأمر يحتاج إلى وقفة من الجهات المختصة لزيادة التوعية وتفعيل الإجراءات الجزائية لمستخدمي الجوال خلال القيادة لاسيما أن الكثيرين من الشباب والمراهقين قد يتأثرون بهؤلاء القدوات الذين يسجلون مقاطعهم أثناء قيادتهم للسيارة بكل استهتار وتهاون. نسب مخيفة أكد د. محمد بادغيش -استشاري علم الأعصاب والعلاج الطبيعي- أن الانشغال بالهاتف أثناء قيادة السيارة يتسبب في حوادث قد لا تحمد عقباها، كانت في السابق أكثر نسبة الحوادث بسبب السرعة ومخالفات أنظمة المرور مثل قطع الإشارة والسرعة وعدم ربط الحزام، وبعد أن طبقت الأنظمة ووضع نظام ساهر يبدو أن المخالفات المرورية قلت، وهناك ظهور وتحسن في الانضباط والتقيد بالسرعة بنسبة 35 %، ولكن في المقابل ظهرت أسباب أخرى لزيادة الحوادث، وهي الانشغال بالهاتف أثناء القيادة، مما تسبب في الوفيات أو الإعاقات الدائمة مثل الشلل الرباعي أو النصفي السيارة السفلي نتيجة الإصابة في العمود الفقري أو نزيف في الدماغ، وهذا يكلف الدولة في العلاج والتأهيل المليارات. وتشير الإحصائيات أن معدل الإعاقات تزداد بنسبة 8 % في الأعوام الأخيرة، وأن عدد المعاقين بالمملكة تقريباً 900 ألف، وأسباب الإعاقة مختلفة، لذلك قد أرى أن تشديد العقوبات لمستخدمي الهاتف أثناء القيادة حفاظاً على القوى البشرية والممتلكات ومدخرات الدولة والسلامة المرورية مطلب أساسي فينبغي علينا الالتزام به. الوعي والتثقيف ويشارك مشعل الحارثي -مرشد نفسي ومستشار أسري- قائلاً: تُشير الإحصائيات أن الأسواق الخليجية تُعدّ الأكثر طلباً للأجهزة الذكية وخاصة أجهزة الجوال، ولما لهذه التقنية من إيجابيات فهناك مؤشرات سلبية كبيرة، حيث يمثل الشباب ما نسبته 65 % من الفئة العُمرية في مجتمعاتنا الخليجية، ونظراً للحوادث المميتة والمفاجئة التي أودت بحياة الكثير من قائدي المركبات، فإن الدراسات تشير إلى استخدام الجوال بطرق خاطئة وإجراء المكالمات أثناء السير، كما أن وجود الكثير من التطبيقات على هذه الأجهزة مثل الواتس أب وسناب شات وغيرها التي وصلت بالبعض إلى الإدمان عليها زاد من احتمالية تلك الحوادث بشكل كبير جداً، وللحد من ذلك ينبغي على الجهات الإعلامية والمرورية زيادة مستوى الوعي وثثقيف المجتمع حول سلبيات استخدام الجوال أثناء القيادة، ووضع ضوابط وعقوبات صارمة للحد من تلك السلوكيات المميتة. لا تكن أسيراً لجوالك يقول عبدالرحمن السيالي -إعلامي- عن ظاهرة استخدام الجوال أثناء القيادة أن ارتفاع نسبة الحوادث التي تقع بسبب استخدام الجوال أثناء القيادة أشغلت جميع الآراء الدينية والاجتماعية والنفسية والأمنية، ولعل أبرز رأي كان لعضو هيئة الإفتاء بفرع الرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية خلف المطلق، والذي حرم فيه استخدام الجوال أثناء قيادة السيارة، كما أن هناك عدداً من الحملات الاجتماعية ومنها الحملة التوعوية التي تحمل شعار "لا تكن أسيراً لجوالك"، وللأسف مع كثرة التحذيرات والحملات التوعوية نشاهد أن معدلات حوادث السير التي تقع بسبب استخدام الجوال في ارتفاع وإدارة المرور خلال الثلاث السنوات الأخيرة، تقوم بدور يذكر ويشكر، وهي تسجيل المخالفات المرورية تحت مسمى استخدام الهاتف المحمول باليد أثناء القيادة بقيمة 150 ريالاً، ونأمل من إدارة المرور رفع قيمة المخالفة كمخالفة قطع إشارة المرور والتفحيط والتي قيمتها 3000 ريال، لأن قيمة المخالفة الحالية لا تعتبر مبلغاً رادعاً لهؤلاء المستهترين. وطالب السيالي إدارة المرور بملاحقة مشاهير السناب شات الذين يستخدمون الجوال أثناء القيادة، هؤلاء الأشخاص يعززون هذه المشكلة داخل مشاهديهم من الشباب والمراهقين، داعياً خطباء المساجد والدعاة والكتاب الصحفيين والمثقفين ووزارة التعليم أن يكون لهم دور توعوي واضح في التحذير من خطر استخدام الجوال أثناء القيادة. وشارك عدد من المختصين في هذا الموضوع حيث قال خالد العتيبي- أخصائي نفسي-: أثبتت الدراسات الحديثة أن الدماغ لا يستطيع أن يقوم بعدة مهام في وقت واحد، فلابد أن يقل التركيز في أحد الجوانب، هو ذلك الحال عندما نقود السيارة ونستخدم الجوال، فلا يستطيع أي شخص مهما كانت قدرته على التركيز أن يجمع بين القيادة واستخدام الجوال، بالتأكيد سيكون أكثر عرضة لخطر الحوادث عندما يتحدث فقط حسب دراسة 4 مرات مقارنة بمن لا يقوم بذلك، وعندما يقوم بقراءة نص أثناء القيادة يكون أكثر عرضة للحوادث 23 مرة، وعندما يقوم بالرد على النص يستغرق كل 6 ثوان من القيادة 4.6 ثوان من التركيز البصري على الطريق بما يكفي لقطع مسافة طول ملعب كرة قدم بسرعة 55 ميلاً في الساعة، بما يعادل سرعة أقل من 90 كيلومتراً في الساعة، أتستحق تلك المواضيع كل هذا العناء والتعرض للخطر أليست حياتك أهم. تشتت الدماغ وأظهرت دراسة أخرى أن نشاط الدماغ المرتبط عادة مع القيادة ينخفض بنسبة 37 ٪ عندما يستخدم السائق الجوال أثناء القيادة مما يقلل من القدرة على الاستجابة السريعة للأخطار وردة الفعل المناسبة، ويزيد من احتمالية التعرض للحوادث، ولا يختلف الأمر كثيراً لمن يقودون باستخدام سماعة الأذن أو السماعة الخارجية، فلدى السائق اعتقاد أنه أقل خطورة، ولكن في حقيقة الأمر إن الدماغ يكون مشتتاً وأقل تركيزاً في الطريق، والبعض يرى أنه لا يختلف عن الحديث مع الركاب، فقد فسرت دراسة في كلية الطب بجامعة هارفرد أن السائق والركاب تكون ظروف الحديث غالباً حول الطريق، وقد يساعد الركاب السائق في التركيز، بينما المتحدث عن طريق الهاتف ليس لديه فكرة عما يحدث حول السائق، فلا يساعد السائق على التركيز، وعرض في إحدى القنوات الوثائقية شخص يتحدى بأن لديه القدرة على التركيز في عدة مهام أثناء القيادة بحيث يقوم بالمحادثة وكتابة رسائل نصية والقيادة، وتم عمل تجربة عملية بحيث قام أحد الأشخاص بمحادثته وطلب منه حل مسائل حسابية وإرسال الإجابة برسالة نصية أثناء القيادة وفِي نفس الوقت أمامه شاحنة تلقي كرات مملوءة بالهواء يجب أن يتجاوزها ولا يصطدم بها، لم يتجاوز عدة دقائق حتى توقف واعترف أنه لا يستطيع القيام بذلك - نعم حياتك أهم فلا تنشغل أثناء القيادة بما لا يستحق العناء. أرقام وإحصاءات أثبتت إحصاءات رسمية ونتائج توصلت إليها جامعة دويسبورغ/ايسن أن 300 ألف من أصل نحو 2,4 مليون حادثة سير كل عام سببها استخدام هاتف ذكي، وزيارة مواقع التواصل الاجتماعي أثناء القيادة. وينقل تقرير نشر على موقع "دويتشه هاندفيرك تسايتونغ" الألماني نقلاً عن نادي السيارات الألماني ADAC أنّ تشتت الذهن والحواس الناتج عن ممارسة عدة أشياء في وقت واحد هو سبب حاسم لواحد من كل عشرة حوادث سيارات. وهناك أشكال عديدة من السهو يمكنها أن تؤدي إلى عرقلة القيادة، ولكن سُجّل مؤخراً حدوث زيادة ملحوظة على الصعيد العالمي في استخدام السائقين للهواتف المحمولة ممّا أصبح يثير قلقاً متنامياً في مجال السلامة على الطرق. وبإمكان السهو الناجم عن استخدام الهواتف المحمولة عرقلة أداء السائق، وإسهامه في تمديد الوقت الذي يستغرقه رد الفعل (لاسيما الوقت الذي يستغرقه رد الفعل بالفرملة، بل كذلك رد الفعل حيال إشارات المرور)، والإنقاص من القدرة على المكوث في الممرّ الصحيح، وتقليص مسافات التتابع. وتتسبّب كتابة وقراءة الرسائل القصيرة أيضاً في الحد بشكل كبير من أداء السائق، علماً أنّ السائقين الشباب معرّضون بوجه خاص لآثار السهو الناجم عن هذا الاستخدام. ويواجه السائقون الذين يستخدمون الهواتف المحمولة، أكثر من غيرهم بأربع مرّات تقريباً، مخاطر التعرّض لحادث مرور. والجدير بالذكر أنّ الهواتف التي تتيح إمكانية التكلّم دون استخدام اليد لا تضمن قدراً أكبر من السلامة مقارنة بالهواتف المحمولة باليد. في حين لا يوجد، حتى الآن، إلاّ القليل من البيّنات على كيفية الحد من استخدام الهواتف المحمولة أثناء القيادة، فإنّه يجب على الحكومات اتخاذ إجراءات استباقية في هذا المجال، ومن الإجراءات التي يمكن اتخاذها اعتماد تدابير تشريعية؛ وإطلاق حملات للتوعية العامة؛ والعمل بانتظام على جمع البيانات الخاصة بالسهو أثناء القيادة من أجل تحسين فهم طبيعة هذه المشكلة.أوقفوا مشاهير السناب..! أصبح ظهور مشاهير التواصل الاجتماعي لمتابعيهم أثناء قيادتهم للسيارة ظاهرة تحتاج لردع لاسيما أن الكثيرين ممن يتابعونهم قد يتأثرون بهم ويرون فيهم قدوات، وفي هذه السلوكيات استهتار بالأنظمة وبأرواح الناس، وتهاون بخطورة هذا التصرف الذي يعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر. ويقول قاسم الحارثي: للأسف إن الكثير من قائدي السيارات يعتقد أنه يستطيع أن يتحدث بالجوال وفي نفس الوقت يستطيع أن يقود السيارة، وهذا خطأ؛ لأن الحوادث تأتي في لحظات وثوان، وتكون حوادث مميتة، وأقول هذا الكلام عن حادث سير وقع أمامي بسبب انشغال أحد السائقين بالجوال، وكان مؤلماً بما تعنيه الكلمة، وأتمنى أن يعي الجميع خطورة الجوال أثناء القيادة. ويضيف صالح بابقي: لا زلنا نحتاج إلى توعية على جميع المستويات بخطورة الجوال أثناء القيادة، والتي أصبحت من العادات المحببة للكثيرين من قائدي السيارات، ولا يكتفون بالحديث فقط، ولكن بالتصوير عبر "السناب شات"، وإرسال الرسائل، وكل ذلك أثناء قيادة السيارة، الأمر الذي يتسبب في مضايقة الآخرين، والأخطر من ذلك يتسبب في حوادث كارثية، متمنياً أن يكون هناك توعية أكبر على جميع المستويات سواء الإعلامية أو وسائل التواصل، وحتى في المساجد خلال خطب الجمعة. خالد العتيبي د. محمد بادغيش عبدالرحمن السيالي مشعل الحارثي صالح بابقي قاسم الحارثي
مشاركة :