لن يكون الشرق الأوسط بمعزل عن ما قامت به إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه روسيا مؤخراً، التي يبدو أنها تقف نداً ضد سياسات الولايات المتحدة التي ترغب في إكمال منظومتها الصاروخية في أوروبا من خلال إدخال أوكرانيا في حضن الاتحاد الأوروبي وهو ما يراه سيد الكرملين أمراً يهدد بقاء روسيا كأكبر قوة في مواجهة الولايات المتحدة. بعد استعادة القرم من قبل موسكو والذي رأت فيه واشنطن أسلوباً "عنجهياً" لا يليق بالقرن الواحد والعشرين، بدأ سيل العقوبات ينهمر على الاقتصاد الروسي والذي شهد خلال العقد الماضي نمواً لافتاً أسهم في استقطاب الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية. وجد الرئيس أوباما فرصة للانتقام من خصمه اللدود فلاديمير بوتين الذي فرض سياسته في الشرق الأوسط، وتسبب بشكل أو بآخر بإرهاق الدبلوماسية الأميركية، وفرض حلوله على الطاولة، بالرغم أن المنطقة في الذهنية الدبلوماسية الروسية ليست في نطاق النفوذ الروسي كالقوقاز أو البلقان مثلاً، إلا أن فلسفة بوتين منذ حوالي 15 عاماً في تكريس قدرة بلاده على المشاركة في قضايا العالم كقوة دولية لا يمكن تجاهلها، جعلته يستعيد بعضاً من الألق الذي يحلم به رجل ال(كي جي بي) القديم لروسيا القيصرية. أتت الفرصة لسيد البيت الأبيض بفرض العقوبات على قطاع السلاح الروسي والذي يعتبر أحد المحركات الرئيسية لعجلة الاقتصاد في روسيا، فمن جهة أراد الرئيس أوباما وضع حد للتمويل الذي يتلقاه الانفصاليون في شرق أوكرانيا والمدعومين من الكرملين، ومن جهة أخرى عرقلت صفقات السلاح الجديدة مع دول شرق – أوسطية من ضمنها مصر، والتي بدأت في النضوج، ويراقبها البنتاغون عن كثب منذ حوالي العامين، وبذلك يضرب أوباما عصفورين بحجر واحد.. إذ ونتيجة لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بدأت الدول المستآة من البيت الأبيض تنويع مصادر تسليحها بالتوجه نحو شراكات جديدة في فرنسا وروسيا والصين كأسلوب ضغط، وهو ما تراه أميركا أمراً سيؤثر على سياسات الرئيس أوباما لإصلاح اقتصاده الذي يحتل بيع السلاح فيه جزءاً لا يمكن الاستهانة به خصوصاً أن فوائد العقود الضخمة تعمل على تقليص أرقام البطالة في صفوف الأميركيين وهي أحد أهم أهداف الاجندة الاقتصادية للرئيس الاميركي. هل ستؤثر هذه العقوبات على صفقات السلاح مع روسيا؟ يمكن ان يكون ذلك في بعض المنظومات التي تحتاج لتأسيس مثل منظومات الصواريخ مثلا، إذ يرجح أن تبيع موسكو صواريخ (S400) لأحد الدول في الشرق الأوسط التي يمكن أن تتراجع إذا شعرت أن هذه الصفقة محفوفة بالمخاطر. كما أن صفقة السلاح مع مصر كذلك معرضة لمثل هذه العقبات، لكن الأمر ربما لن يطول كثيراً، إذا ما علمنا أن السوق الأميركي يعتمد كثيراً على واردات شركات الأسلحة النارية الروسية ومن ضمنها شركة "كلاشينكوف" والتي أدرجت ضمن الشركات الروسية المعاقبة، وهو أمرٌ من شأنه تأليب لوبي السلاح داخل أميركا، والذي يحظى بقوة كبيرة داخل دوائر صنع القرار في واشنطن، التي واجهت في السابق مشكلة مماثلة في عام 2006، عندما فرضت عقوبات على إحدى الشركات الروسية التي وُجد أنها تبيع التيتانيوم إلى شركة "بوينغ" وهو ما حدا بواشنطن إلى التراجع.
مشاركة :