الحصيلة السياسية والاقتصادية التي تمخضت عنها زيارة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان إلى روسيا، لا يمكن أن تمر أمام صانع القرار في الدول الغربية دون أن تستفز فضوله، وتحفز الجزء المسؤول عن تقديم المبررات في ذهنه حول ما آلت إليه العلاقة بين الرياض الحليف التقليدي لواشنطن وموسكو الغريم الأزلي لها. في البدء كان حجم الوفد السعودي وتنوعه موحياً بأننا بصدد تغير كبير في شكل التعاون والعلاقة بين المملكة وروسيا، وبالفعل كان ما أنجز خلال الزيارة التي اُستقبل سمو ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان خلالها من قبل القيادات والنخب الروسية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين مبرراً لذلك الحجم والتنوع. خرج الجانبان السعودي والروسي بست اتفاقيات تمس جوانب حيوية اقتصادية ولها أبعاد ودلالات سياسية كبيرة، تلك الاتفاقيات شملت الدفاع العسكري، والنفط، والطاقة النووية، والفضاء، والاسكان، والاستثمار. يأتي ذلك في وقت تقف موسكو موقف النِد من العقوبات الاوروبية والاميركية المفروضة عليها، فالمنتدى الاقتصادي الدولي الذي تستضيفه مدينة سانبطرسبرغ هذه الايام، ويحظى باهتمام أوروبي واسع يقول عنه رئيس الجمعية الاوروبية فيليب بايغورييه للأعمال في موسكو "سيكون لحظة للوقوف مع السلطات الروسية لنقول لهم إننا معهم على الرغم من الصعوبات وعلى الرغم من الاميركان". من هنا يمكن القول إن المصالح السياسية والاقتصادية هي التي ستشكل الرافعة التي تقوم عليها العلاقات السعودية الروسية، وأن التأويلات القلقة والتحليلات التي ستتوالى تباعاً بعد هذه الزيارة من الخبراء، ومراكز التفكير الغربية، ربما تصيب وقد تخيب، لكن الثابت أن المملكة اليوم بصدد البحث والعمل من أجل تحقيق مصالحها، وتقييم تحالفاتها، وخططها الاستراتيجية في المجال الاقليمي والدولي، يدفعها في ذلك الوضع الدقيق، والخطر في المنطقة التي تشهد تجاذبات كبيرة، واجتهادات لا يمكن الركون إليها أو الاستسلام لها، باعتبارها صواباً. إننا اليوم بصدد مرحلة جديدة في العلاقات بين الرياض وموسكو، تقوم على أساس العمل وتوافق وجهات النظر، والعزم على المضي قدماً لما يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة يدعم وجهة النظر تلك القلق الذي يتشاطره البلدان من أن تؤدي السياسات الدولية المرتبكة إلى عواقب قد تنعكس سلباً على البلدين والمنطقة بشكل عام. إن القلق الغربي الذي قرأنا بعضه وسنقرأه هذه الأيام عن التقارب السعودي - الروسي يجب أن يكون معتدلاً وغير مبالغ فيه، وأن يتم النظر إلى هذا التقارب في إطار بحث الدول عن مصالحها المشتركة بما يضمن الحفاظ على استقرارها وأمنها وتحصينه وتحقيق طموحاتها التي لاتتعدى من أجل تحقيقها على أحد أو تخاطر من أجلها بأحد.
مشاركة :