أفاد مسؤولون تربويون وخبراء في مجال التعليم بأن الإرهاب محصلة ونتاج للتطرف الفكري الذي يعدّ العدو الأول للإنسانية، مشيرين إلى محاولات الجماعات المتطرفة استغلال التعليم كمنصة للعبث بمدارك أجيال الغد، حيث عمدت هذه الجماعات إلى تشويه تعاليم الدين أولاً، وغرس أفكارها المسمومة ثانياً، على نحو يستهدف جرّ الشباب إلى دوامات التطرف والعنف. دمج حوار الأديان شرحت المدير التنفيذي لقطاع التعليم المدرسي بالإنابة في مجلس أبوظبي للتعليم، الدكتورة كريمة المزروعي، كيف استغلت الجماعات المتطرفة النظام التعليمي لاستقطاب أتباع لها من خلال محاولة جذب المعلمين ذوي الولاء، وإعداد مناهج تدعم أيديولوجياتهم. وأشارت إلى أهمية الاستفادة من أفضل الممارسات التي نجحت في مجال مكافحة التطرف في دول أخرى، مثل الإشراف على أنشطة ما بعد المدرسة، وتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، وإعداد برامج تدخّل مجتمعية، وإعادة تصميم المناهج، ودمج حوار الأديان. مناهج تُعزز التطرف قال الأكاديمي والإعلامي، الدكتور خليفة علي السويدي، إن المشكلة التي يعاني منها التعليم تكمن في وجود مناهج تُعزز التطرف، ولذلك لابد أن تعمل المناهج على تعزيز الاعتدال، من خلال ربط التعليم بالأهداف الوطنية، التي منها الانتماء إلى الوطن والولاء لقيادته، وتحويل مادة التربية الإسلامية إلى مادة تزكية للأخلاق وغرس معاني الوسطية. وأكد عدم حصر المواطنة والوطنية في مادة واحدة، مشيراً إلى أن رخصة المعلم أصبحت ضرورية لكل من يرغب في امتهان هذا الدور في المجتمع، كما تجب متابعة ومراقبة المدارس الخاصة. جاء ذلك في ندوة نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أمس، تحت عنوان «التعليم والتطرف والإرهاب»، بحضور وزير التربية والتعليم، الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي، ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، الدكتور طارق شوقي، ووزير التربية والتعليم رئيس مجلس التعليم العالي في البحرين، الدكتور ماجد بن علي النعيمي، وكتّاب وصحافيون ورجال إعلام، ومثقفون ومهتمون بقضايا التربية والتعليم. وقال مدير عام المركز، الدكتور جمال سند السويدي، إن التطرف والإرهاب باتا يشكلان تهديداً عالمياً عابراً للحدود، على نحو يرفد المنظومة التعليمية في المنطقة بمخرجات من شأنها دعم جهود القطاع التعليمي لكي يكون جزءاً لا يتجزأ، بل مفصلاً محورياً، في التصدي للفكر المتطرف ودسائس قوى الشر والظلام التي لا تكفّ عن محاولاتها اختراق المؤسسات التعليمية في المنطقة، وبث سمومها في عقول وأفئدة الطلبة من النشء والشباب. وأكد أن الدولة تنبهت، وشقيقاتها من دول المنطقة الملتزمة مكافحة الإرهاب، إلى النتائج الكارثية التي تسببت فيها سنوات ما عرف بـ«الربيع العربي» في العديد من دول المنطقة، وأدركت باكراً محاولات جماعات الفتن والضلال استغلال التعليم كمنصة تعبث من خلالها بمدارك أجيال الغد، حيث عمدت هذه الجماعات إلى تشويه تعاليم الدين أولاً، وغرس أفكارها المسمومة ثانياً، على نحو يستهدف جرّ الشباب إلى دوامات التطرف والعنف. وأضاف السويدي أن الإمارات، انطلاقاً من وعيها بأن التعليم سلاح ذو حدين، عملت على استخدام التعليم منارةً لبث الوعي، وأداة فاعلة ومؤثرة لتحصين النشء والشباب من الأفكار الهدامة، وتعزيز انتمائهم وولائهم للوطن، وترسيخ اعتزازهم وفخرهم بهويتهم الوطنية. وأشار إلى المبادرة الكريمة التي أطلقها ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية، التي كان لها دورها العظيم والمؤثر في دعم جهود تطوير المنظومة التعليمية والعمل بشكل مبكر ووقائي على حماية شبابنا من الانزلاق إلى براثن التطرف والإرهاب، وهو ما جاء على نحو أثرى الخبرة والتجربة الإماراتية في هذا المجال، وجعلها نموذجاً يحتذى في المنطقة. وذكر السويدي أن المركز سيسعى، من خلال دوره في دعم صانع القرار وتقديم المشورة إليه، إلى أن تصل هذه الأفكار والرؤى والمقترحات إلى مختلف الجهات المعنية، سواء في الدولة، أو في دول مجلس التعاون الخليجي العربية، أو الدول العربية كافة، من أجل الاستفادة منها ووضعها موضع التنفيذ العملي. وأكد الحمادي أهمية التعليم في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة التطرف والإرهاب، قائلاً إن منظومة القيم الأخلاقية السائدة، والأفكار التي تتضمنها منظومة التعليم في مجتمع ما، هما ما يحدد موقع هذا المجتمع على خريطة العالم، ولا يمكن الحديث عن تقدم قائم على أسس صلبة ومستدامة، من دون تعليم عصري يجمع بين الجوانب المادية المتمثلة في العلوم والمعارف الحديثة، والجوانب القيمية المتمثلة في نوعية التعليم. وأشار إلى أن الإرهاب محصلة ونتاج للتطرف الفكري الذي يعدّ العدو الأول للإنسانية، متابعاً لابد من وجود معالجة شاملة لهذه الظاهرة تقوم أولاً على التنمية المستدامة، وثانياً على التربية والتعليم، مضيفاً أن التعليم لابد أن يكون مبتكراً وإبداعياً. وأشار إلى أن الإمارات كانت سباقة في التصدي للفكر الإرهابي من خلال التعليم والتنبيه إلى خطورة تسلل هذا الفكر إلى المنظومة التعليمية، ومن هنا جاءت المبادرة الرائدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتدريس مبادرة التربية الأخلاقية في المدارس، وهي المبادرة التي تهدف إلى غرس القيم الأخلاقية الإيجابية القائمة على التسامح والاعتدال والانفتاح والتعايش. واستعرض الدكتور طارق شوقي، جهود الحكومة المصرية في سبيل الرقي بالمنظومة التربوية بوجه عام، حيث وضعت، أخيراً، رؤية متعددة الأبعاد تشترك فيها جميع مؤسساتها ذات الصلة، لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله المادية والفكرية، مشيراً في هذا الصدد إلى قرار رئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، القاضي بإنشاء «المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف». وأكد ضرورة أن تتعاون مؤسسات المجتمع العربي كافة لنشر معاني الرحمة وقبول الآخر، ومحاربة جميع أشكال التعصب والتحزب، لافتاً إلى أبرز ملامح النظام التعليمي البديل الذي تعكف عليه وزارة التربية والتعليم، الذي سيبدأ تدريسه في شهر سبتمبر الجاري، ويستهدف إيصال الشباب إلى مستويات عالمية، بدءاً من تدريب النشء على فهم الآخر، والعمل على المزج بين الهوية المصرية والانفتاح على الآخر. ومن جانبه، تحدث الدكتور ماجد بن علي النعيمي عن تجربة مملكة البحرين في مواجهة الإرهاب عبر التعليم، مشيراً إلى أربعة محاور رئيسة تتمثل في مسيرة التعليم بالبحرين، والاعتداءات الإرهابية على التعليم منذ أحداث عام 2011، وتجربة التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في مواجهة الاعتداءات الإرهابية، ثم استعرض أخيراً مشروع المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان. وعرض مشاهد من الاعتداءات الإرهابية التي تعرض لها قطاع التعليم منذ عام 2011، التي استهدفت الإنجازات التي حققتها البحرين، مستعرضاً الجهود التي قامت بها الدولة والمجتمع لمعالجة هذه الظاهرة، لافتاً إلى أهمية المناهج، وأنه تم إجراء تطويرات كمية ونوعية فيها، بما يعزز تنمية التفكير العلمي ويغرس قيم العمل والتنوع والاختلاف وحقوق الإنسان، ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله. وتناولت فعاليات ندوة «التعليم والتطرف والإرهاب» محورين رئيسين، الأول بعنوان «أهمية التعليم في مكافحة التطرف والإرهاب»، وناقش الدور الذي يلعبه التعليم في بناء أجيال تملك فكراً منفتحاً، وعقولاً واعية قادرة على مواجهة الأفكار الهدّامة التي تبثها جماعات التطرف والإرهاب. وأكد المدير التنفيذي لمركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، مقصود كروز، أن مكافحة التطرف تتطلب نشر ثقافة «التفكير الإيجابي» وتعزيزها، وممارسة قيم «التسامح» و«التعددية»، وتعزيز مبدأ «الوسطية» وقيم «الاعتدال»، وتعزيز دور المرأة في الأسرة والمجتمع، وتعزيز دور التنشئة الأسرية والرعاية الأبوية. وأفاد الكاتب والخبير في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، بأن التعليم لا يكفي وحده لهزيمة الإرهاب، بل لابد أيضاً من زيادة «الجرعة الدينية» في منظومة التعليم، وضرورة إدراك أن التعليم لا ينفصل عن الثقافة، مؤكداً ضرورة مراجعة ليس المناهج فقط، بل طرق التدريس أيضاً. وسلط المحور الثاني «تطوير مناهج التعليم لغرس فكر معتدل» الضوء على أهمية تطوير المناهج التعليمية، ورفدها باستمرار بمواد تساعد على نشر الوعي في المجتمع، بما يسهم في سدّ أي ثغرات تحاول أن تنفذ منها جماعات التطرف والإرهاب إلى عقول الشباب.
مشاركة :