مفكر سنغالي يدرس العلاقة بين إقبال وبرغسونالكثير من الفلاسفة في العالم تناولوا قضايا الأخلاق والدين بالتفكر والبحث في كنهها، حتى أن العديد منهم تشابكوا في أطروحاتهم وأفكارهم إلى حد التشابه والتطابق أحيانا، وهو ما دعا مفكرين لاحقين إلى تتبع أركان التشابه والتعارض بين مختلف الأفكار الفلسفية حول القضيتين الإنسانيتين الأكثر تعقيدا ألا وهما الدين والأخلاق.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/09/07، العدد: 10744، ص(15)]سليمان بشير ديان: العودة إلى فكر إقبال ضرورية في حوار أجرته معه مجلة “الفلسفة” الفرنسية في عددها الصادر مطلع شهر سبتمبر 2017، عقد الفيلسوف السينغالي سليمان بشير ديان صاحب كتاب “التفكير الفلسفي في الإسلام”، الذي ترجم إلى لغات عدة، مقارنة مثيرة للاهتمام بين الباكستاني محمد إقبال والفرنسي هنري برغسون، بشأن رؤيتيهما الفلسفيّتين للدين. وكان الفيلسوفان قد التقيا في باريس عام 1932. وقد يكون الزمن هو موضوع النقاش المسهب الذي دار بينهما. في بداية حديثه يشير سليمان بشير ديان إلى أنه أثناء دراسته لآثار محمد إقبال، الذي درَسَ الفلسفة في جامعة ميونيخ الألمانية، وتأثر بنيتشه وهيغل، عاين أن هناك “وشائج” بين إقبال وبرغسون صاحب كتاب “مصدرا الدين والأخلاق”. لذلك شرع في بلورة مقارنة بين رؤيتيهما للدين، وللزمن. إذ يقول “كان إقبال يدافع عن رؤية ديناميكية تخصّ القرآن، بعيدا عن كل شكل من أشكال الجمود والتحجر. وقراءتي له جعلتني أشعر أنني أمتلك فكرا يمدني بالكلمات التي تعكس أفكاري، وتتناغم مع تساؤلاتي الشخصية”. ويضيف سليمان بشير ديان قائلا إن هناك ثلاث أفكار كبيرة يلتقي فيها محمد إقبال مع برغسون. الأولى هي أن إقبال لم يكن يفصل القرآن عن التطور الذي يشهده العالم، ليظل محبوسا دائما في الماضي البعيد. وهذه الفكرة تلتقي مع فكرة برغسون بشأن التطور الخلاّق. فعندما نكون في عالم مفتوح، وغير مُكتَمَل، فإننا لا نتعامل مع الزمن كما لو أنه عدو يدمر كلّ شيء، وإنما هو يمنح الكائن القدرة على إبراز الجديد، وتحقيق ما لم يكن قد تحقق من قبل. ومعنى هذا أن إقبال كان يرى أن القرآن يساير التطور الزمني، ويواكب كل ما هو جديد في الحياة البشرية. وإذن يمكن القول إن القرآن يتضمن فكرة الانطلاق الحيوي، والاندفاع الخلاق. أما الفكرة الثانية التي يلتقي عندها كلّ من محمد إقبال وهنري برغسون فهي الفردانية. ويرى سليمان بشير ديان أن فلسفة إقبال هي فلسفة الذات، وفلسفة الموضوع، وفلسفة الفرد في طور التكوّن، أو هو يكتشف نفسه في لهب الفعل. وكان برغسون يرى أن الكائن الوحيد الذي يتمتع بالاكتمال هو الله. أما الفرد فهو دائما يعمل على بلوغ الاكتمال دون أن يتحقق له ذلك. لذلك يرى برغسون أن الحياة الإنسانية تتضمن ما يمكن أن ينفي الفردانية. فالفرد وحده من دون الآخرين يجد نفسه عاجزا عن تحقيق ذاته وبلوغ ما يطمح إليه. وكان إقبال يرى أن القرآن أيضا كان ينظر إلى الفرد بنفس نظرة برغسون، أي أن الفرد عندما يبتغي العيش منعزلا عن الجماعة، فإنه يجد نفسه عاجزا عن إنجاز أي عمل يطمح إلى إنجازه.كان إقبال يدافع عن رؤية ديناميكية تخصّ القرآن، بعيدا عن كل شكل من أشكال الجمود والتحجر. وقراءتي له جعلتني أشعر أنني أمتلك فكرا يمدني بالكلمات التي تعكس أفكاري، وتتناغم مع تساؤلاتي الشخصية ويعتبر سليمان بشير ديان أن الفكرة الثالثة التي يلتقي عندها كل من إقبال وبرغسون هي الأكثر إثارة للاهتمام. ففي كتابه “مصدرا الدين والأخلاق”، يفرّق برغسون بين الأخلاق المفتوحة، والأخلاق المنغلقة، وبين الدين الحيوي، والدين الساكن والجامد. واعتمادا على هذا هو يفرّق بين نموذجين من المجتمع. وبالنسبة إليه، المتصوف هو ذاك الذي يبحث في الانطلاقة الحيوية عما يمكن أن يبعث الديناميكية في مجتمع ما لكي لا يصبح منغلقا. وإذن يمكن القول إن المتصوف هو مُبْتَكرُ قيم ومبادئ. ولم يكن محمد إقبال يختلف عن هنري برغسون في هذا المجال. فبالنسبة إليه، المتصوف ليس ذاك الذي يغرق في التأمل مهملا العالم من حوله، وليس ذاك الذي يتحصّن في برجه العاجي ليذوب ذوبانا كليا في حبّ الله، وعجائب الكون، وإنما هو ذاك الذي يشعر بمسؤولية إزاء مجتمع أصابه التفسخ، ونخره الفساد، وهيمن عليه الاستبداد لينتفي كل شكل من أشكال الحرية، سواء أكانت فردية أم جماعية. لذا هو يرغم نفسه على النزول من العلياء بهدف إصلاح ما يتوجب إصلاحه. وبخصوص تحديث الإسلام، وجعله منسجما مع مبادئ العصر، يرى سليمان بشير ديان أن العودة إلى فكر إقبال ضرورية لتحقيق مثل هذا الهدف. فعنده يكاد “الاجتهاد” يكون له معنى”برغسوني”، أي معنى الخلق والابتكار من أجل التجديد ومن أجل الحيوية والديناميكية. ومعنى هذا أن “الاجتهاد” هو “الربيع المتجدد الفكر كلما أدركه الشتاء، وتجمد فما عاد قادرا على أن ينطلق، وأن يندفع إلى الأمام ليكون مسايرا لحركة التاريخ”. ويعتقد سليمان بشير ديان أن الجواب الأمثل للإرهاب الأصولي الذي بات يهدد العالم راهنا هو البحث في التراث الإسلامي عما يمكن أن يعارضه وينفيه، ويفتت الدعائم التي يقوم عليها. ونذكر أن سليمان بشير ديان دَرَسَ الفلسفة في دار المعلمين العليا بباريس التي تخرج منها سارتر، وسيمون دو بوفوار، وميشال فوكو، وجيل دولوز، وجاك دريدا، ورايمون أرون، وآخرون. وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، تزامنا مع انتشار الأصولية التكفيرية في السنغال، وفي العالم الإسلامي عموما، بادر بإنشاء قسم في جامعة داكار لدراسة الفكر الفلسفي في الإسلام باعتبار الإسلام دين تفتح وتنوير، وليس دينا يحث على التطرف والانغلاق والعنف.
مشاركة :