كلمة-خادم-الحرمين-تعبر-عن-أزمة-حقيقية

  • 8/6/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

كل ما قدمناه من قراءات عن زمن الصحوة وتبعاتها وملحقاتها لا يتجاوز حدود الاسترجاع الحدثي والزمني لها، مع بعض الإلماحات، لارتباطاتها الآيديولوجية والحركية لقاعدتها والمبشرين بها، كانت الإشارات المتضمنة في سلسلة المقالات عن الصحوة السعودية الملتاثة بانسحاب كامل وتبعية مطلقة لقطب خارجي استطاع بجدارة استمالة القلوب ذات التلقائية المفرطة تجاهها، وتعبئتها بأساليب ديماغوجية بكل قيمها،لا تعدو كونها إلماحات. اليوم نستشعر مرارة الندم المتضمنة في كل بلاغاتنا الخطابية المفرطة بلقلق. اليوم نسأل هل يمكن لنا أن نعيد اعتبارنا واحترامنا، ونخرج من حيز المخدوعين أو حتى المنتقمين، إلى حيز الواعين المدركين لحقائق ما جرى ويجري حولنا لاستدراك ما فاتنا وما فرطنا في حق أنفسنا التي ملكناها غيرنا، وعلى ما قدمناه من أنواع المساعدات للفصائل المتناحرة في أقطار العالم العربي وأصبح وقودها زمرة من شبابنا المنغمسين بقتل بعضهم البعض تحت مظلة احتراب جماعات تسوغ القتل على مقاس فهمها للدين؟ برأيكم ماذا فعل علماء الأمة وموجّهوها وقادتها لمنع الخديعة الكبرى التي انطلت علينا حتى تمكّن المغرضون والمؤدلجون من برمجة شبابنا بكفاءة عالية وفق غاياتهم وأهدافهم، ونجحوا أيما نجاح في غضون أعوام محسوبة في تجهيز فصائل القتال ودفعهم في أتون معارك خاسرة لا يراق فيها سوى الدم العربي المسلم؟ هذا تحديداً ما كان يشير إليه خادم الحرمين الشريفين في خطابه الأخير موجهاً لومه إلى علماء الأمة وفقهائها، واضعاً نفسه في درجة عالية من المسؤولية تجاه كل القضايا التي يتناولها، فقد عبّر بوضوح ومباشرة عما تجيش به نفسه ويشغل فكره إزاء الأحداث، فقد أنحى باللائمة على علماء الأمة بتقاعسهم عن المشاركة في لملمة هذه الفوضى التي يبوء بتبعاتها الدين وتتلوث بمآزقها قيمه العليا، وحق لخادم الحرمين وكل المعنيين مباشرة عن مواجهة ما لحق بالأمتين الإسلامية والعربية من عطب، وأصبحنا في أتعس صورة مأسوية لا يمكن إلا أن تعبّر عن مآس ومساوئ لا يمكن أن يبرأ منها أي مسؤول، كما لا يمكن أن يتملص منها السياسيون ذوو العقول المدبرة والعلماء ذوو الأفهام الموجهة، الذين غضوا الطرف عن تمرير توجهات حركية دينية لا يمكن أن تنتمي إلى دولة كالسعودية تودين التحزب ولا تقره أو حتى تباركه، ومع ذلك وبتسليم مطلق، تم ترك الحبل على الغارب لتخترق اللحمة الوطنية، ويسحب البساط من علماء الدين ويوجه الشعب إلى صيرورة إخوانية تؤلب المجتمع ضد بعضه البعض، حتى تشظت هذه الكرة الإخوانية المتدحرجة إلى أكثر من فيلق يدرج نفسه تحت منظومة الجهاد، الجهاد بمفاهيمه الإقصائية والتدميرية، وهذا لا يمكن أن يحدث بمعزل عن جماعات تؤمن بسياسات مركزية الحزب، وتنفصل تماماً عن الأمة الواحدة، ولكي نفهم حقيقة هذا الانقسام وكيف تشكّل، لا يمكن أن ننسى ما كانت تذكرنا به أدبيات الصحوة بكثير من الاعتزاز والتباهي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين التاريخي للقضية الفلسطينية ومناصرتها بالعدة والعتاد، بدءاً من جمع السلاح للمناضلين، ومروراً بدفع أعداد كبيرة من متطوعي الجماعة، فقد انضموا إلى صفوف الفدائيين أثناء الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى المسماة حرب فلسطين 1948، كلواء مستقل يعمل بآلية خاصة وموجهة من الحزب، فقد استخدمت القضية الفلسطينية لتحقيق وجودها بطريقة براغماتية، وهذا ما يبرر انفصالها عن القضية الفلسطينية من خلال الكفاح المسلّح ردحاً من الزمن، حتى قيض لهم من يحمل عنهم هذا اللواء بتأسيس حركة حماس وإعلانها حركة إخوانية عبر ميثاق أغسطس 1988 الذي وقّعه عدد من الدعاة العاملين في الحركة الجهادية ضد الوجود الصهيوني وعلى رأسهم أحمد ياسين، لتشطر بذلك العمل الفدائي الفلسطيني إلى معسكرين خلقت معها حالة صراع مستديم، ليس مع إسرائيل فحسب، بل مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية. يتغاضى الإخوانيون عن حقيقة تجاهلهم للقضية الفلسطينية عقب انغماسهم في ما يسمى الجهاد الأفغاني ضد الروس المحتلين، والأغرب أن ثمة من ترك المواجهة مع إسرائيل واتجه إلى أفغانستان ملتحقاً بالفصائل الجهادية الأفغانية، أمام كل هذا التمحور والتكتل التنظيمي، وقف علماء الفتيا والشريعة عاجزين عن فهم محتوى هذه التنظيمات، ولم يستطع مجارتها وتفكيك قواعد ومنطلقات هذه الجماعات الفكرية، وتحليلها وفق الرؤية الإسلامية الصحيحة، وإصدار بيانات توجيهية وتحذيرية، هذا الغياب أتاح لتنظيم القاعدة، المنتشر في بقاع العالم خصوصاً في مناطق الربيع العربي، فرصة إقناع الشباب بما يشبه غسيل الأدمغة، وحقنهم بفايروس الموت من خلال أحزمة ناسفة، وعربات مفخخة، وقد أثبتوا نجاحه في ذلك أيما نجاح، بما يحيّر العقول، إذ تحول الشباب المسالمون إلى آلات للموت، مثبتين قدرتهم على القتال بجسارة لم يكن لها مثيل على مرّ التاريخ، ولديهم استعداد للموت في أية لحظة متخلين عن أية قيمة دينية صحيحة، مستهترين بالأرواح البريئة التي ستتمزق أمامهم بكثير من التشفي، لم يستطع الفقهاء أن يعيدوا إلى الشباب بصيرتهم ويوجهوهم إلى الطريق الجهادي الصحيح، وإعادة تدوير مفهوم الجهاد نحو العدو الصهيوني، لم يقدم علماء الأمة حجة بالغة على هؤلاء «الجهادين» الذين تخلوا آنذاك عن الأراضي المحتلة، وذهبوا إلى أفغانستان. فشل أهل الفتيا في فضح حقيقة «المجاهدين» متعددي الجنسيات، والميليشيات المتصارعة في سورية والعراق الذين غضوا الطرف عن غزة التي تطحن تحت الآلة الإسرائيلية، وهو العدو التاريخي المغتصب للأرض والعرض، فليست إسرائيل بأقوى من الاتحاد السوفياتي، ولا أعتى من الجيش الصربي.

مشاركة :