الكاتب المسرحي عملة نادرة بقلم: عواد علي

  • 9/9/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

الممارسة المسرحية بكل أشكالها لا يمكن أن تستغني عن النص الذي ينتجه الكاتب المسرحي، وسيظل أحد الأعمدة التي يقوم عليها المسرح إلى جانب المخرج والممثل والمتلقي.العرب عواد علي [نُشر في 2017/09/09، العدد: 10746، ص(16)] يكاد يكون تاريخ المسرح الأكثر حضورا وتأثيرا في العالم هو التاريخ المرتبط بالكاتب المسرحي، أي ما أنتجه من نصوص، فالظاهرة المسرحية في التراث الإغريقي، مثلا، أسسها كتّاب المسرح الكبار أسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس وأرستوفانيس. وحين استنبط أرسطو نظريته عن التراجيديا والكوميديا، وعرض قواعدهما، إلى جانب الملحمة، اعتمد كليا على نصوص هؤلاء الكتّاب. وكان نموذجه المثالي في البناء الدرامي للتراجيديا نص “أوديب” لسوفوكليس. وخلص إلى أن عناصر التراجيديا تحتوي الملحمة وتزيد عليها بالمؤثرات البصرية، على الرغم من إمكانية إحداثها الأثر نفسه قراءة فقط دون تمثيل، ما يعني أن إبداع الكاتب المسرحي له القدح المعلى. يُضاف إلى ذلك أن هؤلاء الكتّاب الرواد كانوا يضعون في اعتبارهم صورة العرض المسرحي، وتفاصيل الأداء والحركة والتعبير في إطار ما يُعرف الآن بـ”الإرشادات المسرحية”. لذلك، ظل الكاتب المسرحي النجم الأول في التجربة المسرحية طوال قرون، فهو منتج النص، والموجّه لأداء الممثلين، والمسؤول عن صياغة العرض المسرحي بجميع عناصره السمعية والبصرية. في منتصف القرن الثاني عشر حدث تحول سلبي في المسرح، فأصبح الممثل النجم هو المهيمن على العملية المسرحية برمتها، ما أفسد مسيرة المسرح، وشوهه نصا وعرضا حتى منتصف القرن التاسع عشر، حينما ظهر المخرج المتخصص، متمثلا بالألماني الدوق جورج الثاني، الذي ألهمت أفكاره بعد ذلك المخرجَين أندريه أنطوان في فرنسا، وستانسلافسكي في روسيا. ويمكن أن نستثني شكسبير وموليير من حقبة هيمنة الممثل النجم، فقد جمعا بين التأليف والتمثيل، وكذلك غوته وجولدوني اللذين جمعا بين التأليف والإخراج. لكن بسبب طغيان سلطة المخرج، التي جاء بها ألفريد جاري، ودعوة أنطونين آرتو إلى تهميش النص المسرحي، وظهور بعض التيارات المسرحية التي توجهت إلى إعادة النظر في موقع الممثل في العملية المسرحية وفي شكل أدائه، بل إن بعضها أراد إلغاء الممثل، بوصفه إنسانا، وعدّه آلة، أو دمية خارقة يتحكم بها المخرج كما يشاء، أو تغييبه وتقليص وجوده في فضاء العرض، بسبب ذلك كله حدثت ردة فعل لاحقة، فعاد الممثل ليصبح الوسيط الأول في عملية التواصل مع المتلقي، والعنصر الأساسي في تشكّل العرض المسرحي. لكن هذه العودة لم تهمّش مكانة منتج النص أو الكاتب المسرحي، فمع جاك كوبو وجاستون باتي وبرتولد بريخت، الذين جمعوا بين التأليف والإخراج، تعززت هذه المكانة، على الرغم من اختلاف توجهاتهم الفنية والفكرية. وحتى أكثر المخرجين المعاصرين تنظيرا لاقتران المسرح بالممثل، وأعني به بيتر بروك، مارس التأليف المسرحي، من خلال نصه الشهير “نحن والولايات المتحدة”، ما يشير إلى أنه لا يلغي أهمية الكاتب المسرحي، وأنه يندرج ضمن خانة “المخرج المؤلف” التي تستعيد أحد تقاليد المسرح الإغريقي. وفي المسرح العربي، أيضا، تمثّل عدد غير قليل من المسرحيين هذا التقليد، جامعين بين الـتأليف والإخراج. إن الممارسة المسرحية بكل أشكالها، اليوم وفي المستقبل، لا يمكن أن تستغني عن النص الذي ينتجه الكاتب المسرحي، وسيظل أحد الأعمدة التي يقوم عليها المسرح إلى جانب المخرج والممثل والمتلقي، مهما أباح المخرجون “المتطرفون” لأنفسهم حرية التصرف في النص المسرحي كيفما يشاؤون، حذفا، واختزالا، أو تحريفا وتشويها، وشرعنة ذلك على أساس أن لكل مخرج طريقته، ورؤيته. ويشهد تاريخ المسرح أن أغلب التجارب المسرحية التي تُعدّ علامات فارقة في هذا الفن اتكأت على نصوص ذات قيمة فنية وفكرية عالية المستوى. الكاتب المسرحي، إذن، عملة نادرة، ففي كل مجتمع، من مجتمعات العالم، نجد عشرات القصاصين والروائيين والشعراء، لكننا لا نجد إلاّ عدداً قليلاً من كتّاب المسرح. كاتب عراقيعواد علي

مشاركة :