يحمل المهندس المعماري الإسباني مانويل سافيدرا إلى المغاربة، وإلى سكان طنجة تحديداً، مشروع مدينة محملة بثقل التاريخ الأندلسي، تستوعب ذرة من الآثار مجسدة على أرض الواقع، من مسجد قرطبة إلى صومعة الكتبية وحديقة قصر الحمراء وغيرها... من دون أن يلغي من حساباته إرث الحضارة القوطية. مدينة لكل الأزمنة، يطل فيها الحاضر على الماضي البعيد، منفتحة على المستقبل. ستكون عبارة عن متنزّه ثقافي، يضاهي في ألعابه ديزني لاند، لكن بأسلوب ومضمون أندلسيين، فيسافر بالأطفال والشباب نحو معالم حضارية وعوالم فكرية وأدبية وإبداعية وعلمية، تمنحهم بطريقة مرحة الاطّلاع على إرث شخصيات أندلسية مشهورة تركت بصماتها في مجالات الأدب وعلم الفلك والطب والفيزياء، بالإضافة إلى عروض مرئية للأماكن الخاصة بهذه الشخصيات. وسيتم التنقل في المشروع بواسطة مركبات سياحية وخدماتية تعتمد على طاقة متجددة، يتم توليدها من قطار متحرك يطوف حولها. يقول مدير المشروع مانويل سافيدرا لـ «الحياة»، إن فضاء الألعاب سيكون مفتوحاً للشباب والأطفال والسياح مجاناً، موضحاً أنه يراهن على تمويله من عائدات النشاطات التجارية والخدماتية. ويشير إلى أن المبلغ المتوافر للاستثمار بلغ حتى الآن 500 مليون يورو، ولا يزال البحث جارياً عن 200 مليون، ويراهن على جلبه من مستثمرين عرب، علماً أن الدولة المغربية ستوفر الأرض التي سينجز عليها المشروع، بثمن رمزي. وسيشمل المشروع استعادة الإرث الحضاري والمعماري للمرابطين والموحدين وعصر ملوك الطوائف وسلالات شمال أفريقيا ثم سلالة النصريين (بنو الأحمر)، فضلاً عن الإمارة الأموية، وأخيراً مجال التربية والترفيه. وستكون هذه المجالات متصلة ضمن مسار يقود الزائر إلى استيعاب تطور الثقافة الأندلسية، عبر تجسيدها المعماري والهندسي، إضافة إلى العروض المرئية. ومن نماذج ذلك مسجد قرطبة الذي سيعاد بناؤه وفق المواصفات التي بني بها مع احترام حجمه ومساحته الحقيقيين، مع إضافة قاعة للمحاضرات والندوات بمواصفات دولية. وما ينطبق على مسجد قرطبة ينطبق أيضاً على بقية المعالم العمرانية الأندلسية في مختلف عصورها، كصومعة الكتبية والجيرالدا وغيرهما. وستقام حديقة قصر الحمراء على أرضية أحد الفنادق الكبرى المدرجة ضمن المشروع. وستشكل «سوق الأندلس» حلقة وصل بين كل الفترات التاريخية، من خلال عرض بضائع تنتمي إلى حقب مختلفة، يصنعها حرفيون سيتم تأهيلهم لهذا الغرض. وسيحتوي المشروع على مركز لتنشئة اختصاصيين في مجال الترميم، فضلاً عن مراكز أخرى تهتم بالتراث الاندلسي والعلوم الانسانية ودراسات لغات الشعوب التي كانت تشكل المجتمع الأندلسي في مختلف حقبه التاريخية، فضلاً عن اللغات الحديثة. وسيسعى المشروع إلى إنشاء مركز للدراسات والأبحاث في تاريخ الأندلس وفي سير الحكام، وأيضا سير العلماء والمفكرين والمبدعين والمترجمين الذين ساهموا بعلومهم وفكرهم في إثراء الحضارة الأندلسية، إضافة إلى مراكز لتدريب الشباب على امتلاك المهارات والقدرات المعرفية لحوار الثقافات والحضارات وتنظيم لقاءات وحلقات دراسية ودورات للشباب والأجيال الناشئة لتعريفهم بالمظاهر الحضارية لهذا التاريخ. ويأتي اختيار مدينة طنجة للمشروع لانها تعد جسر عبور بين أفريقيا وأوروبا، ولأنها مدينة كوسموبوليتية، عرفت تعايشاً للعرب والأمازيغ، والوافدين إليها من الاندلس، كما عاش فيها أفراد من جنسيات مختلفة، وتعاقبت عليها حضارات منذ أيام الفينيقيين والرومان. يذكر أن مشروع «مدينة الأندلس» ساهم في وضع تصوره الإبداعي والفلسفي، عدد من المهندسين الإسبان، تحت إشراف مانويل سافيدرا. وامضى الفريق فترة في البحث والدراسة، وعلى مستوى الإنجاز سيعتمد على أفضل الشركات الهندسية ذات الخبرة المثبتة في مثل هذه المشاريع الكبيرة والمتخصصة، بما فيها المغربية والإسبانية، مع الاستعانة بمؤرخين ومستعربين في المغرب وإسبانيا. ومانويل سافيدرا، مهندس معماري إسباني مرموق، وباحث أيضاً في علم الاجتماع، ولد في أصيلة.
مشاركة :