المراهقون البريطانيون أقل إقبالاً من أهلهم على صداقات عابرة للهويات

  • 9/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة قبل بدء العام الدراسي الجديد، حفلت المنطقة المواجهة لمحطة مترو أنفاق «ويمبلدون» في جنوب غربي لندن بحفنة من المجموعات البريطانية الشبابية المتنافسة على جمع أموال التبرعات لأغراض خيرية عدة. على يمين المحطة، أخذت المجموعة الأعلى صوتاً والأكثر مرحاً تنادي «تفضلوا لتروا كيف يرى الكفيف العالم في مقابل قطعة حلوى». مرح وضحكات وكلمات تنم عن وعي كبير بمشكلات من فقدوا نعمة البصر. ومحاولات مستميتة لجذب اهتمام المارة للتبرع للهدف السامي. وعلى يسار المحطة مجموعة أخرى أقل صخباً وأكثر جدية يبذل أعضاؤها جهداً جهيداً لغرض آخر لا يقل سمواً، ألا وهو العوائق التي تواجه مرضى الخرف. المشهد جميل وبالغ الإيجابية. والروح الشبابية السائدة في المكان انعكست مرحاً وتفاؤلاً على المارة في الحي الصاخب. وأروع ما في المشهد هو الأصول الإثنية والعرقية والثقافية المختلفة الواضحة تماماً على وجوه مجموعات الطلاب. الانطباع الذي حتماً تسلل إلى كثيرين هو أن هذه الأجيال البريطانية الشابة نجحت في دمج مبهر للأجيال الثاني والثالث والرابع لعائلات المهاجرين واللاجئين الذين انتقلوا للعيش في المملكة المتحدة. اتحاد الشباب والشابات من أصحاب البشرة السوداء والبيضاء وما بينهما، بالإضافة إلى الانتماءات العقائدية المختلفة والتي تعبر عن بعضها في شكل بالغ الوضوح حيث انتشار كبير للحجاب، يوحي بأن أمور الاندماج الثقافي والمعيشي من دون ذوبان الهويات والانتماءات تسير على ما يرام. لكن ما يبدو ظاهرياً على ما يرام ليس كذلك بالضرورة. وما قد يعتقده البعض من أن المراهقين والشباب الأصغر سناً لديهم قدرة وطاقة استيعابية أكبر لتقبل الاختلاف والاندماج مع أقران من إثنيات ومعتقدات وجنسيات وأصول مختلفة لا أساس منطقياً له، على الأقل في ضوء المجتمع البريطاني الشاب. المراهقون البريطانيون الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً أكثر ميلاً إلى المصادقة والاختلاط مع من يشبهونهم من حيث الشكل واللون والثقافة. الدراسة التي أجراها عدد من أساتذة علم النفس التجريبي في جامعة أكسفورد البريطانية لدراسة أثر التعددية الثقافية الكبيرة التي تنامت في شكل واضح جداً في بريطانيا في السنوات القليلة الماضية كشفت عن نتائج غير متوقعة. وعلى رغم الكم غير المسبوق من التنوع الذي يشهده المجتمع البريطاني والذي حدث جراء موجات هجرة وانتقال جماعية لم تحدث من قبل، إلا أن المراهقين البريطانيين حالياً لديهم أصدقاء من أصول وعرقيات مختلفة أقل بنسبة 30 في المئة مقارنة بمن هم أكبر منهم سناً، لا سيما من هم في العشرينات والثلاثينات من العمر. وإذا كانت الدراسة دقت جرس إنذار في شأن قدرة المدارس في بريطانيا على تحقيق الاندماج بين الطلاب والطالبات من خلفيات مختلفة، فإنها كذلك تطرح تساؤلات حول قدرة بريطانيا على «هضم» التنوع غير المسبوق والذي حدث في سنوات قليلة جداً في مجتمعها. زوجان بريطانيان (من الإنكليز) في السبعينات من العمر يقولان بصراحة شديدة: «بعضنا كان متضرراً من أعداد الهنود والباكستانيين الذين جاؤوا إلى بريطانيا على مدى عقود طويلة. وعلى رغم إن أغلبهم يحفر لنفسه فرصة عمل، ويساهم في تغذية الاقتصاد، إلا أنهم يظلون فئة مختلفة أكثر قرباً لبعضها بعضاً من بقية مكونات المجتمع». يضحك الزوجان ويقولان: «لم نكن نعلم أن ما نشكو منه هو تفاهات مقارنة بما نعيشه حالياً. بولنديون، بلغاريون، لاتفيون، وجنسيات لا أول لها أو آخر. لكن كل هذا في كفة، والعرب في كفة أخرى». الكفة التي أشار إليها الزوجان دارت حول صورة ذهنية لديهما وغيرهما من أن «داعش» والعرب كيان واحد. تقول السيدة بصوت منخفض وهي تشير إلى سيدة ترتدي الخمار تسير مع أطفالها الأربعة: «في كل مرة أرى مشهداً كذلك أشعر بخوف شديد من أن يتم تفجير المكان». لكن المكان الذي يحوي مخاوف واضحة ومفهومة ومنطقية من ارتباط بات شرطياً بين العرب والتطرف الديني يحوي كذلك أوجه أخرى ومظاهر مغايرة. كما يطرح تساؤلات كثيرة تستحق البحث والدراسة. لانا (16 سنة) طالبة مشاركة مع مجموعة المراهقين والمراهقات الصاخبة أمام محطة «ويمبلدون». ترتدي الحجاب، وتقف إلى جانب الطاولة الموضوع عليها أوراق التعريف بحياة المكفوفين. وفي مقابل صخب زملائها وزميلاتها، وقفت ملتزمة الصمت ومكتفية بمتابعة ما يجري من حركة وضحك. وبين وقت وآخر، يطلب منها أحد زملائها إعطاءها حفنة من الأوراق أو صحن من الحلوى. لانا وصلت لندن مع أسرتها قادمة من سورية قبل عامين ونصف العام عبر دول عدة. تقول إن مظاهر الحياة هنا جميلة، لكنها ما زالت تجد صعوبة في الاندماج مع زملائها. تقول: «أغلبهم على قدر كبير جداً من التفهم والقبول، لكني أجد صعوبة كبيرة في الاندماج معهم. في البداية كانت اللغة عائقاً، لكن سرعان ما تعلمتها. تخيلت أن الأمر سيكون سهلاً بعد ذلك، لكني اكتشفت أن عوامل نفسية عدة تمنعني من الاستمتاع بحياتي الدراسية». تنفي لانا أن يكون حجابها سبباً في شعورها هذا، وتقول: «بالعكس. معي في الفصل فتيات من أصول صومالية وباكستانية يرتدين الحجاب لكنهن أكثر اندماجاً مني». ويبدو أن الاندماج أو عدمه يتأثران في شكل واضح بعاملين مهمين، الأول يتعلق بحوادث الإرهاب المتفرقة التي ضربت عدداً من المدن الأوروبية وقبلها نشوء «داعش» والأخبار الواردة من الشرق الأوسط والتي يدور أغلبها في سياقات القتل والتفخيخ والتفجير لأسباب «دينية». والثاني يتصل بمظهر يختلف عن الغالبية، لا سيما بالنسبة إلى الفتيات والسيدات. تقول ن. ر. (أم عراقية تقيم في بريطانيا مع أسرتها منذ 15 عاماً)، إن مشاعر الخوف والقلق على ابنتها طالبة المدرسة الثانوية تزايدت في شكل كبير بعد حوادث الإرهاب الأخيرة، لا سيما أنها ترتدي الحجاب، لدرجة أنها فكرت في جعلها تتخلى عنه لحين هدوء الأوضاع. أوضاع تعرض المسلمين، لا سيما النساء والفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في بريطانيا موثقة في تقرير صدر عن جمعية «تل ماما» Tell MAMA، أو «قياس الاعتداءات الموجهة ضد مسلمين»، تشير إلى أن الإناث المحجبات يتلقين النسبة الأكبر من جرائم الكراهية ضد المسلمين لأن ملابسهن تعلن أنهن مسلمات. وفي ضوء الحوادث المبلغ عنها إلى الجمعية، فإن الشوارع والمحلات التجارية ووسائل النقل العام والمدارس هي الأماكن التي تشهد العدد الأكبر من هذه الحوادث. وأغلب المنتهكين هم رجال بيض. ويشير التقرير إلى أن 11 في المئة من حوادث الكراهية الموجهة ضد مسلمين جرت في مؤسسات تعليمية خلال العام الماضي، ما يعد جرس إنذار يدق في المدارس التي يفترض إنها المكان الذي يشكل وجدان وعي الصغار والمراهقين ويدربهم على الاندماج الصحي في المجتمع وقبول الاختلاف واحترامه والتعايش معه. وينصح التقرير بأن يدرج كل من وزارة التعليم ونقابة المعلمين حوادث الإساءة اللفظية والجسدية الموجهة ضد طلاب وطالبات مسلمين في تقويماتهما للمدارس المختلفة، مع الاهتمام بتنمية قدرات المعلمين على التعرف إلى هذا النوع من الإساءات ومواجهتها والتعامل معها. ويبدأ العام الدراسي، وتعج شوارع لندن بمراهقين ومراهقات سود وبيض وما بينهما. بعضهم يتواءم ويتصادق ويندمج، والبعض الآخر يلتزم مبدأ «الطيور على أشكالها تقع»، لكن المهم ألا تهاجم الطيور ذات الأشكال المختلفة بعضها بعضاً.

مشاركة :