«المرء على دين خليله»، «قل لي من صديقك أقل لك من أنت»، لا يزال الآباء والأمهات مشغولون على صداقات أبنائهم وبخاصة في مرحلة المراهقة لما قد تتركه هذه الصداقات من سلبيات على الأبناء وربما تؤدي بهم إلى الانحراف وربما يحدث العكس، فالصديق يؤثر في المراهق أكثر مما يؤثر الوالدان والمعلم في المدرسة. نناقش من خلال التحقيق التالي تأثير الصداقة في المراهقين والنصائح التي يقدمهما الخبراء في مجال تربية الأبناء وأولياء أمورهم فإلى نص التحقيق: يقول، صلاح العمدة، 16 عاماً: أتأثر بأصدقائي أكثر من تأثري بوالدي، فأنا أقضي وقتاً طويلاً مع الأصدقاء، فضلا عن أنهم يتفهمون شخصيتي ويتعاملون معي بطريقة سلسلة بخلاف أبي الذي ينهرني دائماً كما أنه كثير النقد، فالصداقة حق مكتسب للأبناء، ولي زملاء كثيرون وليس لي غير صديق واحد، هو من أحب أن أجلس معه وأصحابه، والدي دائما ما كان يساعدني على اختيار أصدقائي، وهناك علاقات متصلة بين صديقي وأسرته بأكملها والعكس صحيح. ويمضي صلاح قائلاً: علاقتي الجيدة بصديقي هي التي دفعت الأسرتين لأن يتعارفا، وهذا شيء عظيم، فأنا أرفض فرض الصداقات، فليس إلزاماً أن أتعرف على ابن صديق والدي أو يكون جاري بمثابة الصديق، فعلاقة الصداقة تحتاج إلى توأمة بين الشخصيتين وهذا لا يتوافر إلا بين أثنين أحبا بعضهما البعض. الصداقة غير الزمالة تقول، أميرة محسن، 22 عاماً: كانت لي علاقات صداقة كثيرة وممتدة ولكنني كثيراً ما كنت أنسحب من علاقات كثيرة عندما أكتشف أن الصديقة لم تكن على قدر من المسؤولية، فلا تحافظ مثلاً على أسراري وهو ما يصيبني بألم نفسي يجعلني أفكر جدياً في إنهاء العلاقة تماماً. ومع الوقت أدركت أنه قد يكون لي زملاء كثر ولكن من بين هؤلاء الزملاء لا يوجد سوى صديق أو اثنين وبالتالي لا أخرج أسراري إلا لهم فقط لأنني مدركة أنهم سوف يحافظون عليها وسوف يبادلوني نفس الثقة. وتضيف سها عوض، 18 عاماً: دائماً ألجأ إلى أصدقائي الذين تتوافر بيني وبينهم كيمياء في الشخصية، وغالباً ما تكون الصديقة أحب لقلبي من أي شيء وفي نفس معزة والدتي ولكنني قد أعطيها من الأسرار ما لم أقله لغيرها. إن أموري الشخصية قد لا أخبر بها والدتي في حين تعرف صديقتي، وقد يكون الأمر مجرد تأخير فقط، فوالدتي تعرف عني كل شيء ولكن صديقتي قد تعرف في الأول بحكم قربها النفسي والعاطفي وتقارب العمر. وأهلي لديهم مشكلة دائماً في التعامل معي فهم دائماً يقولون لي إنني مازلت صغيرة وهو ما يخلق حاجزاً دائماً وكبيراً معهم ويدفعني لصديقاتي، فعلاقتي بهم لها مغزى عاطفي ونفسي، فهم يتفهمون شخصيتي وبالتالي دوافعي بخلاف الأسرة التي قد تفسر ما أقوم به على أنه مراهقة عمرية وقد يلجأون للعقاب النفسي عليه. رؤية الآباء تقول، سماح عوض، وهي أم تبلغ من العمر 51 عاماً: من الطبيعي أن يلجأ الأبناء إلى أصدقائهم ومن الطبيعي أن يتأثروا بهؤلاء الأصدقاء ولذلك أحاول جاهدة التدخل على الأقل في اختيار هؤلاء الأصدقاء أو أكون على معرفة بهم، فتدخلي حق مشروع للحفاظ على حياة أبنائي. أغلب الانحرافات التي يقع فيها الأبناء في سن صغيرة ومراهقة تكون بسبب الأصدقاء وبالتالي لابد أن يكون الوالدان على وعي بطبيعة تأثير الأصدقاء السلبي والوقوف أمام صداقة قد تسبب مشاكل للأبناء أو تؤذيهم. إن أفكار الصديقات قد تكون متقاربة وهو ما يدفع الشباب لأن يركنوا لهذه العلاقة وغالباً ما يكون ذلك على حساب علاقة الأبناء بالوالدين؛ فكلما زادت علاقة الأصدقاء فترت علاقة هؤلاء الأبناء بوالديهم، لأن الأصدقاء يمثلون مجتمعاً بديلاً. الحكمة أفضل من القمع ومن جانبه يقول صلاح السويدي، أب يبلغ من العمر 47 عاماً: المشكلة لا تكمن في صداقات الأبناء وإن كانت لها مخاطر وإنما تكمن في هذه الصداقات إذا كان الابن أو الابنة انطوائي لأن ذلك يؤثر سلباً عليهم ويجعلهم أكثر تأثراً بمحيط الأصدقاء وبالتالي قد ينحرفون من هذه الناحية. ويضيف السويدي: لابد ألا يتعامل الوالدان بسياسة القمع مع أبنائهم حتى وإن كانت هناك ملاحظات على صداقاتهم لأن ذلك يؤدي إلى مشاكل كبيرة وقد يخسر الآباء وأولياء الأمور أبناءهم في النهاية نتيجة هذا القمع. فأنا أحاول أن أقلد بيئة الأصدقاء وأتعامل مع أبنائي بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع الأصدقاء مرات أنجح ومرات أفشل ولكنني أريد في النهاية ألا يكون هناك فارق كبير في العلاقة بين الأهل والوالدين والأصدقاء فينسحب الأبناء إلى أصدقائهم. الصداقة مهمة ويقول محمود توفيق، أب يبلغ من العمر 39 عاماً: إن مساحة الصداقة في حياة الإنسان مهمة لسبب هو أنه الذي يختار صديقه دون الآخرين ولذلك من المهم عدم تدخل الوالدين ولكنهما يظلان يراقبان علاقات أبنائهم وينصحونهم في الاتجاه الصحيح. والتعامل بحساسية من جانب الوالدين أمر في غاية الأهمية فيما يتعلق بحقوق الأبناء وعليهما ألا يتدخلا إلا في الأمور التي تستلزم ذلك كأن يصاحب الأبناء ما يخشى عليهم منهم. وكثير من أولياء الأمور يعيشون في قلق شديد وخوف يدفعهم دائماً إلى التدخل المباشر في حياة أبنائهم الخاصة وهو ما قد يسبب ضررا، مطالباً بأن يخضع الوالدان هذا التدخل لمنطق العقل وألا يفرطوا في التدخل في حياة أبنائهم. الوسطية والاعتدال الدكتورة، حنان زين، مديرة مركز السعادة للاستشارات الأسرية تقول في موضوع الصداقة بين المراهقين ونظرة الآباء لها: علاقة الأبناء بالأصدقاء أمر في غاية الأهمية ولكن علاقة الآباء بالأبناء في هذه النقطة أهم، لأنه قد تنشأ مشاكل كثيرة بسبب التدخل السافر للآباء في حياة الأبناء أو تدخلهم بطريقة تثير هؤلاء الأبناء ومن المهم التعامل مع الأبناء وفقاً للمرحلة العمرية، فكلما كانت المرحلة العمرية أكبر كان التدخل بسيطاً وسهلاً وغير مباشر، لأن الأبناء كما أنهم يكبرون يبدأون في مراحلهم العمرية الأكبر يريدون أن يشعروا بأنهم أكثر استقلالاً بحياتهم. والنصيحة الغالية للآباء هي ألا يتركوا أبنائهم لفريسة الأصدقاء، فقد تكون تربية الآباء على قدر كبير من الذكاء ولكن يتركون أبناءهم للأصدقاء فينحرفون دون أن يشعروا ويبدأ التغير عليهم سريعاً وقد لا يتمكن الآباء من التأثير فيهم. لكن يجب ألا يتسلط الآباء أيضاً على أبنائهم وأن يستخدموا شعرة معاوية معهم، وألا يثيروا بداخلهم غريزة الاستقلال التام وأن يكون ذلك في محيط الأسرة، بمعني لا مانع من المصادقة وأن يكون ذلك في محيط الأسرة وتحت أعين الوالدين.
مشاركة :