من قال إن الترجمة العربية ليست بخير بقلم: محمد بن امحمد العلوي

  • 9/11/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المترجم المغربي محمد جليد، حول واقع الترجمة في العالم العربي، ومستقبل الإبداع في الثقافة العربية في عصر العولمة وسلطة الصورة.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/09/11، العدد: 10748، ص(15)]الترجمة تجمع الأنا بالآخر محمد جليد إعلامي وكاتب ومترجم مغربي، خريج مدرسة الملك فهد للترجمة بمدينة طنجة. وهو من الأسماء الإعلامية النشيطة في الساحة الثقافية المغربية، وقد أثرى هذا المترجم الخزانة العربية بأيقونات من روائع الفكر العالمي في مقدمتها ترجمته كتاب “مملكة الكراهية”، و”الاشتراكية والحرية” (ترجمة بالاشتراك). وقد صدرت له حديثا عن منشورات الزمان سلسلة شرفات كتاب “الخطاب الغربي حول الإسلام السياسي”. الحياة الثانية نبدأ حديثنا مع محمد جليد حول الترجمة، وتحديدا مقولة إرنست رينان “إن الأثر غير المترجم يعتبر نصف منشور”. ويوافق ضيفنا على هذا الرأي، لكنه يعتقد أن مقولة رينان تنفتح على عدة تأويلات. ويكتفي هنا، كما يقول، بتأويلين اثنين. أولا، أنه قد نستفيد من هذه المقولة أن أي نص -أو أثر- ينمو وينتعش وينتشر عبر الترجمة، التي تفتح له نوافذ الاتصال والتواصل مع الثقافات المختلفة عنه، وتسمح له بالانطلاق نحو آفاق رحبة. هكذا، فهو يخصّبها ويتخصب من خلالها، فتصير مساهمته ذات اتجاهين: الأول نحو الذات، والثاني نحو الآخر. أما التأويل الثاني، فهو يفيد بأن هذا النص -أو الأثر- قد يعكس في حالة عدم ترجمته انغلاقا على ذاته. إذ لا يحيا إلا على ما تنتجه ثقافته الذاتية من تأويلات تبقى محدودة ومحصورة في كل الأحوال. نفهم من كلام محمد جليد أن الترجمة تحرير للنصوص من سجون لغاتها الأصلية أولا، وجسر لا بد من بنائه بين الثقافات والتراث الإنساني ثانيا، لكن ضيفنا لا يتفق مع اعتبار اللغة الأصلية سجنا أو عقالا، مع ما قد يفيده ذلك من أن الترجمة تمثل عملا يحرره من هذه السجون. لنقل إن هذا الاعتبار نسبي أو ظاهري فقط. ذلك أن النص الأصلي يساهم، في العمق، في إغناء اللغة المنقول إليها (اللغة الهدف بتعبير بيتر نيومارك)، وكذا ثقافتها وتقاليدها المكتوبة والشفاهية. بهذا المنظور، يكون النص الأصلي، في رأي جليد، محرِّرا للغة والثقافة التي يفد إليها من بعض عُقُلها التقليدية، عبر إتاحة فرصة الانفتاح على خصائص ثقافته المختلفة طبعا. يقول “الترجمة تمثل، فعلا، صلة الوصل بين الثقافات الإنسانية المختلفة. كان هذا شأنها منذ ‘واقعة بابل’ الأسطورية. لكن دورها في بناء الثقافات الإنسانية لم يصبح أكثر جلاء إلا مع بروز الحضارة الإسلامية، عندما غامر المسلمون بنقل أمهات الكتب من الثقافات الهندية والصينية واليونانية إلى اللغة العربية، دون خوف من أثر اختلاف الآخر. وتأكد هذا الدور بإقدام الأوروبيين على إنجاز العملية ذاتها خلال القرون الوسطى. أما اليوم، فلا يمكن لأي أمة -كيفما كانت- أن تعيش دون أن تقيم هذه العلاقة التفاعلية مع الثقافات الأخرى المختلفة عنها”. يقول أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ “لقد نقلت كُتب الهند، وترجمت الحكم اليونانية، وحوّلت آداب الفرس، فبعضها ازداد حسنا وبعضها ما انتقص شيئا”، بتعبير آخر الترجمة قد تهضم روح العمل المترجم وقد تنعشه. يعلّق محمد جليد بالقول “أعتقد أن ما قدمته من ترجمات حتى الآن احتكم إلى مبحثين اثنين؛ أولهما في الثقافة، والثاني في اللغة. لطالما اعتبرت -وهذا ما تعلمته من أساتذتي- أن عملية الترجمة تنطلق أولا من الكلي، لتتجه نحو الجزئي؛ أي أنها تنطلق من مستويات النص المعقدة، ومن سياقه أو سياقاته الثقافية وأبعاده الفكرية والتأويلية، قبل أن تصل إلى مرفأ اللغة الذي تسافر منه إلى لغات أخرى. فالكلي هو الثقافة، والجزئي هو اللغة”.محمد جليد: دور الترجمة في بناء ثقافات إنسانية متكاملة رسخه المسلمون تعميق المسار نسأل محمد جليد هنا كيف يرى واقع الترجمة في العالم العربي اليوم، سواء ما يترجم إلى العربية أو ما يترجم عنها إلى لغات أخرى. ليجيبنا “يقول كثيرون إن الترجمة ليست بخير في العالم العربي اليوم، لأنهم يقارنون واقعها ببعض الدول المتقدمة. لكني أعتبر أن المقارنة مع أميركا أو فرنسا أو إسبانيا، أو حتى إسرائيل التي يفضل البعض الإتيان على ذكرها مهما كان السياق، هي مقارنة غير صحيحة لاعتبارات عديدة، سأكتفي بالبعض منها فقط: أولا، نحن لا نعرف واقع الترجمة الحقيقي في العالم العربي، نظرا إلى غياب دراسات وإحصائيات في هذا الميدان. ثانيا، برزت للوجود مؤسسات ترجمية واستطاعت الصمود رغم كل ما يقال عن تراجع نسب القراءة في العالم العربي، منها مثلا مشروع كلمة، المركز القومي للترجمة، المنظمة العربية للترجمة، مركز البابطين للترجمة، مؤسسة الفكر العربي، وغيرها”. يتابع جليد “ثالثا، لا نعرف بدقة المخبوء منها، أي المتون المترجمة التي لم يكتب لها أن تنشر ويطالعها القراء. ناهيك عما يترجم من مواد إعلامية موجهة للاستهلاك في نشرات الأخبار التلفزيونية والجرائد والمجلات، وكذا الأفلام والمسلسلات والبرامج، إلخ. وعلى النحو ذاته، لا يمكننا أن نعرف ما يترجم من اللغة العربية إلى اللغات العالمية بالضبط، نظرا إلى تعدد مداخلها والفاعلين فيها. لكني متأكد من أن العرب الذين يترجمون من العربية إلى اللغات الأخرى هم قلة، حيث ينبغي على الجامعات العربية المهتمة بالترجمة أن تنهض بهذا الجانب، لأنه كفيل بتقديم الصورة الصحيحة عنا”. يرى جليد أن المشهد الثقافي العربي استطاع أن يتفاعل مع العالم من خلال حركية الترجمة. ويكتفي بمثال واحد للتدليل على هذا الأمر، قائلا “اُنظر إلى الأثر الذي خلقته الترجمة خلال مرحلة الستينات والسبعينات من القرن العشرين في المغرب، وخصوصا في مجال الفلسفة. إذ أغنت تراكمات الترجمة حينها حركية الإنتاج في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية المختلفة، مما بوأ الجامعة الوطنية والباحثين والأكاديميين المغاربة مكانة متميزة في خريطة الفكر العربي المعاصر. وهذا لا يعني كل شيء. فكلما تقدمنا في الزمن، صرنا في أمس الحاجة إلى تعميق مسار الترجمة وتنويع مجالات اشتغالها”. نسأل محمد جليد هنا أين يجد نفسه أكثر، في الترجمة أم في التأليف، وإن كان له مشروع قادم في الأفق في أي منهما؟ ليقول “في الاثنين معا. فالواحد منهما سليل الآخر، بل إن كل واحد منهما يتخلق في رحم الآخر. فتصير الترجمة تأليفا، والتأليف ترجمة. أنا منكب حاليا على إنهاء ترجمة مشروع روائي من جزأين، يتمحوران حول التطورات التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة فلسطين، منذ ‘وعد بلفور’ إلى اليوم”. في سؤال أخير أردنا من محمد جليد تعليقا على ثلاث كلمات في إجابات سريعة هي “بيت الحكمة”، إدمون كاري، حنين بن إسحاق. ليعلق قائلا “كان ‘بيت الحكمة’، مؤسسة رائدة نجحت في أن تحفظ التراث اليوناني، وأن تبني صرح الحضارة الإسلامية. حبذا لو تملكنا بيتا مماثلا اليوم. أما إدمون كاري، فقد أبدع في التنظير لكيفية الترجمة، وتأمل في أبعادها، وبالنسبة إلى حنين بن إسحاق، فكان سباقا إلى وضع بعض المفاهيم التي تشتغل بها النظريات الغربية حول الترجمة اليوم”.

مشاركة :