الإرث الثقيل

  • 9/12/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

أغلب ما نراه ونسمعه في وسائل التواصل الاجتماعي من تراشق وانحدار مستوى الحوار وعدم الاحترام والتأجيج والترهيب ليس إلا نتاجاً للكبت النفسي، الذي تسببت به الأنظمة التوتاليتارية (نوع من أنواع الأنظمة الدكتاتورية)، التي تتمسك بقوة بمجموعة من الأفكار والاعتقادات والمفاهيم الرجعية ليس لإيمانها بها، بل لأجل تمكينها من السيطرة والتسلط على الشعوب وفرض الطاعة والولاء والتسليم بالبلاء. تلك الأنظمة لا تعترف بالحرية الفردية، ولا تؤمن بمبادئ الدولة المدنية. وماذا كان النتاج غير المآسي المتكررة التي ينفطر لها القلب ويتعجب منها العقل. إن تفشي التطرف بجميع أشكاله وأنواعه، خصوصاً القبلية والطائفية والمذهبية، التي بسببها دمرت أغلبية الدول التي من حولنا بلا رحمة ولا إنسانية، هي حصاد لما غرسته الأيادي الآثمة من تزييف للحقائق التاريخية وتجهيل الشعوب، ليكونوا أداة يسهل التحكم بها واستعبادها من دون أن تقاوم أو تفكر أو تنتقد. نحن على مفترق الطرق إما أن نصحوا من تلك الغيبوبة، التي طال أمدها، وإما أن نستسلم لهذا الجهل واللاوعي ونخط بذلك نهاية مسيرتنا. ديموقراطيتنا أفزعت البعض منذ تأسيسها، فهناك من حاربها بشكل علني وواضح وكفّر كل من ينتهجها، وهناك من تلون وتسلق على أكتافها ليسلب منها بريقها. وما نحتاجه اليوم هو العمل وليس التأويل أو التنظير. المنقذ الوحيد من هذا الوضع المتردي هو إقامة دولة مدنية بكل ما تتضمنه من أبعاد سياسية وإدارية وثقافية، ولن ينجح ذلك إلا باعتماد ركائز الدولة المدنية، وهي العلمانية والمواطنة والديموقراطية الليبرالية، تلك المفاهيم التي تم تشويهها على مدى عقود، خوفاً من تمكين الإنسان من النهوض والوعي والاستقلالية، التي من خلالها يتبدد حلم المستبد وتنتهي سطوة الدول الثيوقراطية، التي سيطرت على العقول وفرضت الجمود من خلال تحكمها بالمناهج التعليمية، وقمعها العقل الناقد والمفكر الذي هو أساس بناء المجتمع ونهضة الوطن. نطالب بدولة مدنية حقيقية وليس بعباءة مدنية نتباهى ونتظاهر بها أمام الناظرين والمراقبين، وما أن أمنّا أننا بمعزل عنهم خلعنا تلك العباءة ورجعنا للجمود والفكر السقيم، الذي لا يحترم الاختلاف ولا يفهم معنى التعايش والمواطنة. المدنية ليست شو show، بل هي أسلوب حياة. فلا مدنية حقيقية يا حكومتي العزيزة وحرية التعبير والرأي ما زالت مقيدة بقوانين تناهض المادة ٣٦ من الدستور، التي تدعو إلى أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط التي يبينها القانون». ولا ديموقراطية حقيقية من دون ضمان حقوق المواطنين في التأثير على عملية صناعة القرارات المتعلّقة بشؤونهم والإسهام الفاعل بها، كحق تشكيل مؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط والأحزاب السياسية والتنافس الحر والمتكافئ لكل قوى المجتمع، ولن ينجح ذلك إلا بخلق درجة عالية من الوعي لدى أفراد المجتمع تمكنهم من استخدام ملكاتهم العقلية، مستندين إلى أسس المنهج العلمي القابل للقياس والتدقيق والمراجعة والتطوير. وطبعاً احترام كل مواثيق الحقوق الإنسانية، والسعي إلى ترسيخها في المجتمع. لأجل الكويت علينا جميعاً أن نرجع إلى العقل ونتخلص من ذلك الإرث الثقيل، وأن نبدأ بإصلاح أنفسنا لكي نستطيع أن نكون فاعلين ومؤثرين في كل من هم حولنا. الكويت كانت سباقة ومؤثرة في مدنيتها وديموقراطيتها ونهج حياتها المنفتح، وأتمنى أن تعود وتواكب ما فاتها من نهضة ورقي وتقدم لتصبح منارة يستنير بها كل من يقصدها.   إيمان جوهر حيات

مشاركة :