كان تركي الدخيل مدير قناة «العربية» أكثر أريحية وصراحة ووضوحًا في الحديث مع مسعود بارزاني، مقارنة بأحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية! ربما كان ذلك بحكم طبيعة عمل الدخيل كصحفي سبق له الالتقاء ببارزاني عندما كان يلاحقنا حاملًا هموم من يعبر عنهم من أبناء العراق ولا أقول كردستان «مؤقتًا»! ولأن ذلك كذلك فقد راح الدخيل يسأل مسعود عن دوافع الرغبة الانفصالية، وفرص النجاج وفرص الفشل مذكرًا بتجربة جنوب السودان، فيما اكتفى أبو الغيط بطلب التمهل والتأجيل وهو الأمر الذي وصفته النائبة عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيف، بالخجول!والحق أن أمر الخجل لا يتحمله أبو الغيط وحده، إن كان يشعر به، فالعراقيون «القادة المتلاحقون» أولى بالخجل، وكذا عموم العرب، الذين ينشغلون أو يشغلهم الآخرون بقضية ما أو بمصلحة ما أو بهم ما على حساب قضايا أكثر أهمية ومصيرية، قبل أن تبدأ نوبات البكاء على اللبن المسكوب، أو الماء المسكوب كما هو الحال في أكثر من دولة عربية!على أن وصف موقف أبو الغيط بالخجول، لم يكن هو وحده الذي استوقفني في حديث عالية نصيف، فقد تطرقت لموقف من أسمتهم بـ»الرموز السياسية السنية» ومواقف الدول العربية تجاه موضوع الاستفتاء في إقليم كردستان، مبدية استغرابها من صمت تلك «الرموز التي تدعي الإقصاء والتهميش» معتبرة أن «الهدف الإستراتيجي» من الاستفتاء وانفصال كردستان هو «ضمان أمن إسرائيل، وصناعة دويلة تحكمها طبقة سياسية موالية لها، وبالتالي فإن كل من يلتزم الصمت تجاه استفتاء البارزاني هو شريك في المؤامرة ومستعد لبيع عروبته بحفنة من الدولارات».كنت قد نويت الكف عن حشر إسرائيل بمناسبة ودون مناسبة في قضايا وهموم العرب لكن عالية أعادتني أو أجبرتني لتناول الأمر، قبل أن أقرأ تحذيرًا حديثًا لأحد مستشاري المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وجهه لسلطات كردستان العراق من عواقب التعاون مع السعودية، ملوحًا بإمكانية قطع المساعدات الإيرانية عن الإقليم!بل إن اللواء يحيى رحيم صفوي، مساعد وكبير مستشاري المرشد الأعلى للشؤون الدفاعية، اتهم مسعود البارازاني، بالسماح للقنصلية السعودية في أربيل بدعم «أعداء الثورة»! مؤكدًا أن على «جماعة البارزاني أن تدرك جيدًا أنها مدينة لإيران! ومحذرًا بأن، «حزب طالباني تربطه أواصر جيدة مع إيران، إلا أن حزب البارزاني ليس كذلك»!هكذا ستكتشف في النهاية بل في بداية أي أزمة عربية أن هناك عاملًا إسرائيليًا وآخر إيرانيًا، والكل يلعب حولك بلا خجل، وأنت تعود من العراق أو من قطعة منه بمنتهى الخجل!في السابق كان هناك ورقتان أو عنصران في الملف الكردستاني بالعراق تربينا أو تعودنا عليهما: مسعود بارزاني وجلال طالباني، وعندما جاء الأخير رئيسا للعراق يتحدث في القمم العربية تصورنا أن الأزمة انتهت.. وهذه عاداتنا!الآن، ومع تقدم بارزاني ومجاهرته ولا أقول فجوره في الانفصال عاد جلال ليقول لمسعود في الرسالة المسربة عمدا:«أخي العزيز: القرار الأخير في حياتي هو أن أكون صديقًا، وأخًا، وشريكًا في السراء والضراء لعائلة بارزاني طالما بقيت على قيد الحياة».أخي العزيز: «حين أسمع كلامك، فإنني أقول لمن حولي إن أعلن الأخ بارزاني انهيار الاتفاق الإستراتيجي بين حزبينا فإنني سأعلن أن الاتفاق بات أقوى، وأشد وأكثر تماسكًا، وإن أغلق بارزاني الباب بوجهي فسأدخل إليه من النافذة».
مشاركة :